حسين فهمي: شهيتي مفتوحة للسينما والعمل مع الشباب

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يؤمن بـ«نظرية المؤامرة» ولا يعترف بالحظ

مع المخرج عثمان أبو لبن ومحمود حميدة وجمال سليمان
مع المخرج عثمان أبو لبن ومحمود حميدة وجمال سليمان
TT

حسين فهمي: شهيتي مفتوحة للسينما والعمل مع الشباب

مع المخرج عثمان أبو لبن ومحمود حميدة وجمال سليمان
مع المخرج عثمان أبو لبن ومحمود حميدة وجمال سليمان

أكد النجم المصري حسين فهمي أنه تحمس كثيراً لقضية فيلم «الكاهن» من منطلق إيمانه بـ«نظرية المؤامرة»، والتي تعرض لها العالم العربي من دول كبرى، وقال في حواره لـ«الشرق الأوسط» إن إنتاج الفيلم الذي تم بشراكة بين مصر والسعودية أثرى العمل، متوقعاً شراكة مماثلة في الفترة المقبلة بين البلدين.
ويعود فهمي بهذا الفيلم، الذي يعرض حالياً في قاعات العرض بمصر والخليج، مجدداً إلى السينما، ومع بدايات عام 2022. ويستعيد الفنان نشاطه بعدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، ويصور حالياً فيلم «الملحد»، كما يبدأ تصوير مسلسل يعرض في رمضان المقبل، ويعود للمسرح بعرض كوميدي جديد، ويحظى الفنان الكبير بتكريم مهرجان الأقصر السينمائي في دورته المقبلة.
والقضية التي يطرحها فيلم «الكاهن» والتي تتطرق إليها السينما لأول مرة كانت أحد أهم أسباب حماسه للفيلم، يفسر ذلك قائلاً: «موضوع الفيلم مهم للغاية، حول المنظمات التي تتحكم في العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وأنا مؤمن جداً بأنه يوجد مؤامرات في العالم، ووقعنا في العالم العربي ضحية مؤامرات عديدة وخيانات مستمرة، كما أن (كوفيد - 19) ليس بعيداً عن هذه النظرية، سواء في الوباء أو في حرب التطعيمات».
وأضاف: «عثمان أبو لبن مخرج متميز جداً، والعمل يضم مجموعة من الزملاء كل في دوره المناسب، فالتركيبة كلها استهوتني».
ويعد الفيلم بطولة جماعية، إذ يجمع بين عدد من كبار الممثلين، من بينهم محمود حميدة، وجمال سليمان، وأحمد فؤاد سليم، وإياد نصار، ودرة، ولا يعتد فهمي بعدد المشاهد التي يؤديها، إذ سبق وقدم مشهداً واحداً في فيلم «مافيا» كان له تأثير قوي، هذا هو المهم بالنسبة له، كما يقول: «المهم أن يكون الفيلم يقول شيئاً، وأن أكون مشاركاً في هذه المقولة التي يطرحها، أنا ممثل لا أعمل إلا بمزاج، ودائماً أضع نفسي مكان المتفرج وأشعر بإحساسه، السينما بالنسبة لي رؤية محسوبة، ليس بالضرورة أن أكون موجوداً على الشاشة طوال الوقت، لا بد من فترات غياب مقصود حتى لا يصاب المشاهد بالملل، وأفضل أن يسألني الناس أنت فين؟، على أن يقولوا (هو تاني)؟».
وبشراكة مصرية سعودية، أنتج فيلم «الكاهن» من خلال شركتي «أد دايمنشن»، و«بنش مارك» للمنتج السعودي زكي حسانين، وشركة «سينى برو» للمنتج المصري ياسر صلاح، ويرى النجم الكبير أن الإنتاج أحد عوامل تميز الفيلم ونجاحه، مثلما يوضح: «دائماً أحب أن أعرف جهة الإنتاج والمخرج قبل الموافقة على العمل». وتوقع أن «يكون هناك إنتاج مصري سعودي في مجالات السينما والتلفزيون، وهناك نوايا متوفرة وأرضية ممهدة لذلك».
ولا يزال النجم الوسيم يحتفظ ببريقه، ولديه رغبة في تقديم أفلام جديدة، يسترسل قائلاً: «شهيتي مفتوحة أحاول تلمس خطواتي، وأن أعمل أفلاماً أرغب في تقديمها، أحاول الحفاظ على بريقي، الكاريزما من عند الله لكن السينما لها بريق خاص، أشاهد الأفلام وأراقب المواهب الجديدة في السينما... أحب العمل مع الشباب باستمرار، وحالياً أصور فيلم (الملحد) مع مخرج شاب متميز هو ماندو العدل، ومن تأليف إبراهيم عيسي، ويطرح موضوعاً مهماً للغاية لأن نسبة الملحدين في العالم وفي مجتمعاتنا العربية في ازدياد، خاصة من الشباب».
ويهتم النجم الكبير بتقديم قضايا فكرية من خلال أفلامه، يشير: «طول عمري أقدم أفلاماً تحمل مستوى فكرياً، مثلما أقدم نوعية من الأفلام لجمهور يمثل شرائح أخرى في المجتمع، لا بد أن ألمس جوانب المجتمع الأخرى، لذا حرصت على التنوع في أفلامي»، يسترسل: «من رومانسي إلى أكشن ومن كوميدي إلى تراجيدي، حينما قدمت فيلم (الأخوة الأعداء) كنت أصور فيلم (خلي بالك من زوزو)، وحين مثلت (الشياطين) كنت أصور (امرأة عاشقة)، جمعت بين الرومانسية والشخصيات العنيفة، كانت كل هذه الأفلام تتم بشكل متداخل، بالتأكيد كانت ظروف الإنتاج أفضل، الآن الإنتاج أصبح أقل والأفلام التجارية طغت بسبب فقدان التوزيع الخارجي لأسواق عربية مهمة في سوريا ولبنان والعراق وليبيا، لكن هناك أسواق واعدة في السعودية والخليج لها متطلبات أخرى يجب أن نراعيها».
وتابع: «جمهوري القديم توقف عن الذهاب للسينما، وأصبح يجلس في بيته يشاهد التلفزيون، ولا بد أن أقدم أعمالاً درامية له، لذا أستعد لتصوير مسلسل درامي يعرض رمضان المقبل».
ويرى النجم الكبير أن الإنتاج التلفزيوني اختلف بظهور المنصات، وأصبح لدى المشاهد فرص عديدة للاختيار، ولكل مجال عرض جمهوره ولن يؤثر مجال على آخر.
ويحظى الفنان حسين فهمي بتكريم خاص عن مسيرته في الدورة القادمة لمهرجان الأقصر السينمائي، يعلق قائلاً: «سعيد لتكريمي في مهرجان الأقصر السينمائي، بالتأكيد التكريم يمثل عرفاناً بالجميل، وقد تكرمت في المهرجان الكاثوليكي ومهرجاني القاهرة والإسكندرية، وكنت أول فنان يحصل على جائزة فاتن حمامة».
ويستعد النجم الكبير للعودة للمسرح من خلال مسرحية «امسك حرامي» التي يقدمها في المسرح الخاص، وهي عرض كوميدي جيد جداً - بحسب وصفه - سيتم عرضها بعد رمضان من إخراج عصام السيد.
ولا يتوقف فهمي طويلاً عند مسيرته، مبرراً ذلك فيقول: «لا أحب النظر خلفي، هذا هو تاريخي الذي قدمته، أترك التقييم للآخرين، وقد قدمت ما رأيته متوافقاً وقناعاتي، واستمتعت به، من خلال أعمال جيدة، وفن السينما الذي أحببته طوال عمري، وسعيد بما حققته، ومنها (خلي بالك من زوزو، والعار، والأخوة الأعداء، وانتبهوا أيها السادة) وقد أثرت كثيراً في المجتمع، وفي حياتي لا أعترف بالحظ لكنني أؤمن بالقدر، فقد رسمت لنفسي طريقاً، كنت أخطط لأكون مخرجاً، لكن القدر أخذني في طريق آخر إلى التمثيل».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)