«الأمة» السوداني: جهود الوساطة الأممية لم تصل لمرحلة المبادرة

رئيس الحزب يؤكد دعمهم مشاورات بعثة «يونيتامس»

رئيس بعثة الأمم المتحدة «يونيتامس» في السودان (أ.ف.ب)
رئيس بعثة الأمم المتحدة «يونيتامس» في السودان (أ.ف.ب)
TT

«الأمة» السوداني: جهود الوساطة الأممية لم تصل لمرحلة المبادرة

رئيس بعثة الأمم المتحدة «يونيتامس» في السودان (أ.ف.ب)
رئيس بعثة الأمم المتحدة «يونيتامس» في السودان (أ.ف.ب)

قال رئيس حزب «الأمة» السوداني، فضل الله برمة ناصر، إن العملية السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة تحت رعاية ممثل الأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة دعم الانتقالي السياسي في السوداني «يونيتامس» فولكر بيرتس، بأنها ليست مبادرة لأنها في المرحلة الأولية، وإن حزبه موافق على العملية التي أطلقها مبدئياً، مع ترك التفاصيل للمراحل اللاحقة.
وأوضح ناصر لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن العملية السياسية الآن مجرد «استطلاع» لآراء الأطراف المختلفة، وأنها لم تبلغ مرحلة وصفها بأنها مبادرة، وأن الجهود الجارية الآن تتمثل في استكشاف آراء الأطراف للوصول إلى مبادرة، مضيفاً «نحن من يريد المبادرة، وكحزب نقبل مبدئياً بها ونجري المشاورات اللازمة للوصول لها».
وأضاف ناصر، بالتأكيد أن مبعوث الأمم المتحدة فولكر بيرتس تواصل مع العسكريين بشأن موقفهم، إذ كان «أول من التقى به هو رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان»، وهذا يدلل على أنه ربما يكون قد حصل على موافقة مبدئية من العسكريين.
وأول من أمس، حصلت العملية السياسية التي أطلقها رئيس بعثة «يونيتامس» للوصول لتوافق كامل بين الفرقاء السودانيين يقود لانتقال ديمقراطي كامل بقيادة مدنية، تحت رعاية بيرتس للخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي تشهدها البلاد. وأطلق بيرتس في 8 يناير (كانون الثاني) الجاري، دعا خلالها الفرقاء السودانيين للوصول لاتفاق يخرج البلاد من أزمتها السياسية، تقوم على مشاورات موسعة تحت رعايته، تشمل كل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، والحركات المسلحة والجماعات النسائية ولجان المقاومة الشعبية.
وتراوحت ردود الأفعال تجاه العملية بين الرفض والقبول من قبل الفرقاء السودانيين، فبينما رفضها من حيث المبدأ «تجمع المهنيين السودانيين»، واعتبرها محاولة للتطبيع مع من أطلق عليهم «المجلس العسكري الانقلابي»، قاطعاً بأن حل الأزمة يبدأ «بإسقاط المجلس الانقلابي ومحاكمة أعضائه على جرائمهم في حق الشعب». ووصف التجمع تحركات بيرتس بأنها «مثيرة للجدل ومفارقة للمهام الموكلة لبعثته»، وقال إن الممثل الأممي حاول تثبيت وحشد الدعم لاتفاق البرهان مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مضيفاً «ممارسات السيد فولكر تخالف أسس ورسالة المنظمة الدولية في دعم تطلعات الشعوب في الحرية والسلم والعيش الكريم».
من جانبها، أعلنت «قوى إعلان الحرية والتغيير»، التي تنضوي تحتها أحزاب عدة، رفضها لأي شراكة مع العسكريين، مؤكدة أنها تقف مع الثورة الشعبية حتى تحقيق أهدافها. وقالت إنها بصدد دراسة المبادرة لاتخاذ موقف نهائي منها، وذلك وفقاً للقيادي في التحالف، وجدي صالح، في مؤتمر صحافي أمس. وأكدت «قوى إعلان الحرية والتغيير» أنها لن «يتفاوض مع الانقلابيين بأي شكل من الأشكال»، وترفض أي شراكة معهم ومنحهم شرعية.
من جانبه، رحب رئيس حزب «الأمة القومي»، العضو في ذات التحالف، فضل الله برمة في وقت سابق بالمبادرة، وقال: «أبدينا استعدادنا للتعاون مع المبادرة في إطار إجماع القوى السياسية السودانية»، فيما قلل منها الحزب الشيوعي، ووصف فولكر بـ«الفاشل بسبب تجاربه الفاشلة في دول أخرى»، وفقاً للناطق باسم الحزب فتحي فضل.
من جهتهم، رحب العسكريون في مجلس السيادة الانتقالي، والمدنيون الموالون لهم، بالمبادرة بمجرد إطلاقها، وذلك في نشرة صحافية جاء فيها أن مجلس السيادة يرحب بمبادرة الأمم المتحدة لتسهيل الحوار بين الشركاء السودانيين، بيد أنهم دعوا لإشراك الاتحاد الأفريقي لأسناد المبادرة والمساهمة في إنجاح جهود الحوار السوداني، مع الحرص على سودانيته.
وفي حديث لوسائل الإعلام الأسبوع الماضي قال عضو مجلس السيادة السابق القيادي في حزب «التجمع الاتحادي» محمد الفكي سليمان، إن على الذين افتعلوا الأزمة أصلاً أن يبدوا وجهة نظرهم وحلولهم لها، مضيفاً «فبعد أن دبروا الانقلاب يجب عليهم تقديم الحلول. ونخشى أن تكون دعوات الحوار محاولة لإسكات احتجاجات الشارع».
وأوضح أن مهمة البعثة الأممية في البداية كانت دعم الانتقال مع الشركاء الدوليين، وأنها تعمل الآن على استعادة المسار الديمقراطي مع شركائها الدوليين، قائلاً إنهم سيحملون تصوراتهم بدون إملاءات، ويرفضون العودة للشراكة التي أسقطها العسكريون في انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا مظاهرات أوكرانية في كييف تطالب بتبادل الأسرى (أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

قال مفوض البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، ديميترو لوبينيتس، اليوم الأحد، إن القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب الأوكرانيين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
الخليج مندوب فلسطين رياض منصور يتحدث خلال اجتماع لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة (أ.ب)

السعودية ترحب بقرار أممي حول التزامات إسرائيل

رحّبت السعودية بقرار للأمم المتحدة يطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

تسببت مخاوف الجماعة الحوثية من ملاقاة مصير «حزب الله» اللبناني أو نظام بشار الأسد في سوريا، في تصاعد حدة الخلافات والتنافس داخلها، وبروز انقسامات جديدة حول مستقبلها، في ظل تقليص النفوذ الإيراني، وبروز رغبة غربية في إخراج طهران من المنطقة.

وتسببت تطورات الأحداث التي تشهدها المنطقة، مع ممارسات الجماعة داخلياً، وتنافس أجنحتها على النفوذ والثروات، إلى جانب تصعيدها في البحر الأحمر وهجماتها على إسرائيل، والردود العسكرية الأميركية البريطانية والإسرائيلية؛ في إثارة مخاوفها من احتمالية نشوء توجه دولي يتوافق مع رغبة محلية وإقليمية لإنهاء انقلابها في اليمن.

وذكرت مصادر محلية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن انقسامات كبيرة ظهرت في أوساط الجماعة الحوثية خلال الأشهر الماضية، مع صعود مطالب بإحداث تغييرات فعلية في هيكلها القيادي، والاستجابة لدعوات وجهود السلام، والتصالح مع مختلف الأطراف داخلياً وخارجياً، لتجنيبها مصير «حزب الله» اللبناني، أو نظام بشار الأسد في سوريا.

منذ أكثر من عام بدأت الجماعة الحوثية هجماتها في البحر الأحمر وتصعيدها ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

وبيَّنت المصادر أن ما زاد الانقسام في أوساط الجماعة لجوء قادتها إلى التوقف عن استخدام أجهزة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية، بسبب مخاوفهم من أن تُستخدم في التجسس عليهم أو اغتيالهم، كما جرى لآلاف من عناصر «حزب الله» اللبناني في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى جانب نزوح غالبيتهم من منازلهم إلى منازل مستأجرة، واتباع وسائل تخفٍّ متعددة.

وبالإضافة إلى ذلك، توقفت غالبية القيادات الحوثية عن حضور الاجتماعات واللقاءات الاعتيادية، ولجأت إلى وسائل معقدة للتواصل فيما بينها.

وتسببت هذه الإجراءات الاحترازية في انقطاع التواصل بين مختلف القيادات، وعدم معرفة غالبيتها بما يجري التخطيط له للتعاطي مع مختلف التطورات الداخلية والخارجية، واتخاذ قرارات وتنفيذ إجراءات دون تنسيق.

جداريات في صنعاء للقيادي الحوثي مهدي المشاط وحسن نصر الله وقاسم سليماني (إ.ب.أ)

وحسب المصادر، فإن الانقسامات الأخيرة التي تشهدها الجماعة، مردُّها إلى خلافات كبيرة بشأن التعاطي مع التطورات الأخيرة في المنطقة؛ حيث ترى بعض القيادات ضرورة تقديم تنازلات للأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لتجنب مصير «حزب الله» ونظام بشار الأسد، بينما فريق آخر يصر على استمرار التصعيد، وعدم الرضوخ لأي ضغوط عسكرية كانت أو سياسية.

مخاوف وإصرار

وضعت الشخصيات التي تطالب بتقديم التنازلات كثيراً من المعطيات الميدانية والسياسية التي تعدُّها مؤشرات إلى احتمالية خسارة المواجهات التي تخوضها الجماعة، ومن ذلك الخسائر الكبيرة في العتاد والمعدات التقنية الحديثة والنوعية، مثل مواقع الصواريخ والطائرات المُسيَّرة والرادارات، نتيجة الضربات الأميركية البريطانية، وفق توضيح المصادر.

وإضافة إلى ذلك، فإن الضربات الإسرائيلية تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة؛ خصوصاً في قطاع الطاقة الذي استهدفه الطيران الإسرائيلي، خلال هجماته الثلاث على المنشآت التي تسيطر عليها الجماعة.

الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تزداد سوءاً بسبب تصعيدها العسكري خارج البلاد (إ.ب.أ)

وترى هذه الشخصيات أن المواجهة مع الغرب وإسرائيل لم يعد لها داعٍ، وأنها تأتي بالضرر أكثر مما تحقق من مكاسب؛ خصوصاً بعد اضطرار «حزب الله» إلى الدخول في اتفاقية تهدئة مع إسرائيل، وسقوط نظام الأسد في سوريا، ما يجعل الجماعة شبه وحيدة في المعركة، ويسهل هزيمتها مع تراجع الغطاء الإيراني.

وحذَّر هذا الجناح من أن الضربات الغربية والإسرائيلية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المفروضة على عدد من الشخصيات، تسببت خلال الأشهر الأخيرة في أزمات معيشية بدأت معالمها أخيراً بحدوث نقص في الوقود والسلع الغذائية، ولم يجرِ التركيز عليها إعلامياً؛ لأنها لم تشكِّل فرقاً كبيراً عن الوضع السائد قبلها.

وفي مقابل هذا الرأي، يصرُّ جناح آخر على استمرار المواجهة مع الغرب وإسرائيل، باعتبار ذلك أحد أسباب قوة الجماعة وحصولها على التأييد الشعبي محلياً وإقليمياً، وحتى على مستوى العالم، لكون هذه المواجهة تأتي رداً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

قادة حوثيون في محافظة الحديدة يتحدثون عن تأثير الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المنشآت (إعلام حوثي)

ويذهب هذا الجناح -الذي وصفته المصادر بالعقائدي- إلى أن الضربات الجوية لن تضرَّ الجماعة ما دامت تُحكم سيطرتها ونفوذها على الأرض، وأن الخسائر في العتاد والمنشآت لا تكفي لهزيمتها، وهي خسائر يمكن تعويضها من خلال الموارد المحلية والدعم الخارجي.

كما يتوقع هذا الجناح أن الضربات الغربية والإسرائيلية ستخفف الأعباء، في مواجهة المطالب الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية، وصرف رواتب الموظفين العموميين وتوفير الخدمات، وسيسهل استغلالها في مواجهة الحكومة الشرعية التي دأبت الجماعة على وصفها بالعميلة للغرب وإسرائيل.

العودة إلى العقائديين

وفي منظور الجناح العقائدي؛ فإن الحكومة الشرعية ليست مستعدة في الوقت الحالي للعودة إلى المواجهات العسكرية، ولن تحصل على ضوء أخضر للعودة إلى المعارك ما دام المجتمع الدولي يأمل في إمكانية نجاح جهود السلام، إلى جانب أن الغرب يخشى من حدوث فوضى تتسبب في مزيد من المخاطر على طرق الملاحة الدولية.

القيادي الحوثي قاسم الحمران في زيارة معرض قتلى الجماعة الحوثية في صنعاء (إعلام حوثي)

ووصلت الصراعات بين أجنحة الجماعة الحوثية إلى المطالبة بالإطاحة بالقيادي مهدي المشاط، رئيس ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي) حسب مصادر صحافية يمنية، وتعيين القيادي المقرب من زعيم الجماعة قاسم الحمران بدلاً عنه.

وتشير المعلومات التي جرى الكشف عنها إلى أن قيادة الجماعة تسعى إلى إعادة تماسك هيئاتها القيادية، بما فيها «المجلس السياسي» الذي أدى صراع الأجنحة إلى إضعافه، بتولي شخصيات فضَّلت مصالحها الشخصية ومساعيها للإثراء على مصالح الجماعة، وتسببت في غضب شعبي عليها.

وكانت الجماعة الحوثية قد شكَّلت في أغسطس (آب) الماضي حكومة جديدة، غير معترف بها، أطلقت عليها اسم «حكومة التغيير والبناء»، وكشفت «الشرق الأوسط» حينها عن تعيين قيادات عقائدية لتسيير أعمال هذه الحكومة، من خلال مناصب ثانوية فيها، في حين يمارس رئيسها وغالبية أعضائها مهام شكلية.