الرسم بالأقمشة... مغامرة تشكيلية لصناعة «سحر النسيج»

معرض مصري يضم 25 عملاً

الرسم بالأقمشة... مغامرة تشكيلية لصناعة «سحر النسيج»
TT

الرسم بالأقمشة... مغامرة تشكيلية لصناعة «سحر النسيج»

الرسم بالأقمشة... مغامرة تشكيلية لصناعة «سحر النسيج»

تثبت أعمالها دوماً أنه ليس بالضرورة استخدام الفرشاة والألوان في الرسم؛ فهي تبدع لوحاتها الفنية من النسيج والخيط والأقمشة الرقيقة الأكثر تشبعاً بالمعاني والمشاعر، وفي أحدث معارضها، المقام الآن بغاليري «سفر خان»، تروي الفنانة المصرية نعمة السنهوري حكايات على قطع القماش؛ فوراء كل لوحة تلخيص درامي لإحدى الحضارات المصرية أو مناظر طبيعية تحتضنها أرض الكنانة.
يضم المعرض المقام تحت عنوان «سحر النسيج» 25 لوحة فنية ينتمي جميعها إلى فن الرسم بالقماش، عبر استخدام أسلوب تركيبي ابتكرته الفنانة، يقوم على تجميع قطع من أنواع مختلفة من الأقمشة متعددة الألوان والمقاسات، وحياكتها يدوياً على الكانفاس أو الخشب أو الكتان من دون «إسكتشات» سابقة، تستكملها أحياناً بعناصر من أعمال الكولاج المعقدة والمجردة لخلق مجموعة متنوعة من اللوحات التأثيرية الجاذبة.
تتنوع أنواع الأقمشة التي تستخدمها السنهوري، منها الحرير الطبيعي والصوف والكتان، إلى جانب الأقمشة اليدوية التراثية، تقول لـ«الشرق الأوسط»؛ نعتقد أن الرسم لا يكون سوى بالفرشاة والألوان والأقلام! بينما «لا أستخدم شيئاً من ذلك؛ فالبطل الأساسي والوحيد في أعمالي هو القماش الذي ألف العالم بحثاً عنه، وأزور معارض المنسوجات والمتاجر المتخصصة في الدول المختلفة، ولا سيما تلك التي تقدم أقمشة يدوية عتيقة مسكونة بتراث الإنسانية وحضاراتها، ومنها جنوب فرنسا وإسبانيا».
تتابع: «بعض هذه الأقمشة هي ملابس ومفروشات متوارثة عن أسر أرستقراطية أوروبية؛ تحتفظ بكامل رونقها وعراقتها، ومن قطع النسيج التي لا أنساها شال يدوي رائع التصميم والألوان لسيدة فرنسية أصررت على اقتنائه رغم ارتفاع سعره».
تضيف: «في اللحظات التي أضع فيها القماش على اللوحة أشعر بلمسات الفرشاة، لكنه له سحر خاص لا تنافسه عندي أي خامات أخرى». رغم ذلك لا يمكن حساب لوحاتها على فنون الأوبيسون أو الخيامية أو الباتش ورك وغيرها من فنون النسيج المعتادة؛ لأن الفنانة تحتفي بالظل والنور والإضاءة، بل أحياناً يجد المتلقي تأثيرات معمارية فيها كالمنظور والواجهات والفراغات.
تتمتع لوحاتها بألوان خيالية وهادئة في آنٍ واحد، ما يجعل المتلقي يشعر كما لو أنه يطالع كتب الأطفال المصورة المتلاشية حيث القصص التي تتحدى الواقعية بقوة وثقة وسلاسة درامية شيقة، ويرتبط ذلك بحرصها على استخدام القماش بألوانه الطبيعية، تقول: «لا أصبغ القماش، إنما أتركه بلونه الحقيقي؛ حتى أحقق التأثير الذي أرجوه على المتلقي، كما أن عدم صباغة القماش يحميه من تغير ألوانه عند استخدام مواد الحماية ضد عوامل الزمن».
لم تترك الفنانة نفسها أسيرة تجارب فنية نسيجية سابقة لفنانين آخرين كالاستغراق في الرموز والموتيفات الشعبية أو اتباع النمط الأوروبي، تقول: «لا أبتعد في التكنيك والألوان فقط عن الأعمال النسيجية الأخرى، إنما أخوض موضوعات مختلفة، فمع تقديري البالغ للفلكلور الشعبي، لكن لا يُعد النسيج مرادفاً له، كما اعتادت العين المصرية أن تجده دوماً! أيضاً لا أقدم فنوناً نسيجية أوروبية الطابع بشكل عام، وهو الجانب المسيطر على أعمال نسيجية أخرى واسعة الانتشار في مجتمعنا، فرغم ثقافتي الفرنسية لا أسمح لنفسي بتقليد الغرب بمفاهيمه المختلفة في فنوننا».
في السياق ذاته، تسعى الفنانة لاستعادة ذكريات مصرية بشكل معاصر حمايةً للهوية الوطنية، تقول: «أصبحت البيوت المصرية بعيدة عن بيوت أجدادنا حيث الروح المصرية التي تسكن أرجاءها عبر التفاصيل الصغيرة، ومنها الأعمال الفنية واليدوية، وقد حاولت أن أواجه هذا الغياب بلوحاتي».
في هذا المعرض، تحتفي الفنانة بالحضارات المصرية المختلفة بشكل غير مباشر وبلمسات معاصرة، منها لوحات تجسد القاهرة الفاطمية والفنون الإسلامية، حتى إنها في إحدى لوحاتها قدّمت مجموعة من لوحاتها السابقة بشكل مصغر، كما ربطت في لوحة أخرى بين النسيج والأرابيسك تعبيراً عن شغفها بهذا الفن وارتباطه بقيم جمالية واجتماعية وثيقة الصلة بالفن الإسلامي، وفي بعض أعمالها تستشعر عظمة الحضارة المصرية القديمة، ثم تنتقل في أعمال أخرى إلى الفن القبطي.
هذه التعبيرات الخاصة تعود بها إلى حيث كانت طفلة صغيرة تزور مع أسرتها معالم مصر السياحية، وفي مقدمتها مزارع سقارة حيث كانت تمتلك أسرتها منزلاً للاستجمام بالقرب منه، تقول: «كنت أتجول بين البنايات القديمة فأنبهر بالعمارة والزخارف الإسلامية، وأزور الحقول فأتأثر كثيراً باللون الأخضر والمزارعين وأتخيلهم بملابس زرقاء اللون لون السماء التي يمارسون عملهم تحتها في الصباح، وأقف مشدوهة أمام الأهرامات والجداريات الفرعونية ومقتنيات المتاحف... كنت أستمتع برسم الأمكنة والمفردات الأثرية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».