العالم يتنبه لمخاطر «التضخم الأخضر»

مؤشرات على إعادة التفكير بشأن استراتيجية الانتقال للطاقة النظيفة

التحول إلى الاقتصاد الأخضر أمر مطلوب لكن من المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم (رويترز)
التحول إلى الاقتصاد الأخضر أمر مطلوب لكن من المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم (رويترز)
TT

العالم يتنبه لمخاطر «التضخم الأخضر»

التحول إلى الاقتصاد الأخضر أمر مطلوب لكن من المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم (رويترز)
التحول إلى الاقتصاد الأخضر أمر مطلوب لكن من المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم (رويترز)

في الوقت الذي يقول فيه أنصار التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة إن التحول إلى «الطاقة الخضراء» مطلوب لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وسيفيد الأسر والشركات من خلال انخفاض أسعار الطاقة، طرحت إيزابيل شنابل العضو المؤثر في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي يوم السبت الماضي منظورا مختلفا للتحول إلى الاقتصاد الأخضر باعتباره أمرا مطلوبا؛ لكن من المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم.
وبحسب خبيرة الاقتصاد الألمانية شنابل، فإن «التضخم الأخضر» الناتج عن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، واقع ملموس ومستمر وليس مؤقتا، وقد يصبح الأمر أسوأ، مضيفة خلال مشاركتها في اجتماع عبر الإنترنت للبنك المركزي الأوروبي أن البنك سيكون مطالبا بالتعامل مع هذا التضخم.
وتقول شنابل إنه «في حين كانت أسعار الطاقة تتراجع بنفس سرعة ارتفاعها، فإن تكثيف جهود مكافحة التغير المناخي قد يعني ليس فقط بقاء أسعار الوقود الأحفوري مرتفعة، وإنما أيضا العمل إلى ارتفاعها بصورة أكبر إذا ما أردنا تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ».
ويقول المحلل الاقتصادي خافيير بلاس، المتخصص في متابعة أسواق الطاقة والمواد الخام، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ إن تصريحات شنابل تشير إلى إعادة تفكير صناع السياسات النقدية في العالم بشأن الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وهذا التحول في التغيير بدأ يظهر في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لكنه لم يصل حتى الآن إلى أوروبا.
وموجة التضخم المرتبطة بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر ستفتح الباب أمام نوع من الشماتة من جانب الكثيرين من العاملين في قطاع الطاقة، والذين سيقولون: «لقد قلنا لكم»، في إشارة إلى تحذيرات أنصار الوقود الأحفوري من ارتفاع أسعار الطاقة إذا تراجعت الاستثمارات في مجال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي واستخراجهما بسبب الدعاوى البيئية. فتراجع إمدادات الوقود الأحفوري دون العمل على تقليل الطلب لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة؛ وهي ارتفاع الأسعار.
وتقول شنابل إن المصادر المتجددة لم تثبت حتى الآن قدرتها على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، «ويعني الجمع بين عدم كفاية الطاقات الإنتاجية في مجال الطاقة المتجددة، وتراجع الاستثمارات في إنتاج الوقود الأحفوري، وارتفاع أسعار الانبعاثات الكربونية، أننا نخاطر بفترة انتقالية طويلة سترتفع خلالها أسعار الطاقة. وتعتبر أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة حاليا دليلا على صحة هذا الرأي».
ولا تقترح شنابل تراجع الحكومات عن مكافحة التغير المناخي، لكنها تحذر في الوقت نفسه، من أن التحول إلى الطاقة النظيفة ستكون له عواقب غير مقصودة. وحتى الآن ركز البنك المركزي الأوروبي أغلب اهتمامه على تأثيرات التغير المناخي على الاستقرار المالي بما في ذلك تأثيرات تراجع الاستثمار في أصول قطاعي النفط والغاز، وليس على عواقب التحول نفسه في مجال الطاقة.
ويقول خافيير بلاس إن الارتفاع الحالي لأسعار النفط والغاز الطبيعي والكهرباء يشير إلى أن شنابل صائبة في دعوتها إلى توسيع نطاق التركيز في ملف الطاقة. وعاد سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي إلى أكثر من 80 دولارا للبرميل، ويعتقد الكثير من المتعاملين في سوق النفط أن وصول السعر إلى 100 دولار للبرميل مسألة وقت. وفي أوروبا ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء إلى مستويات قياسية، وغالبا ما يجري تداول عقود السلعتين بأسعار تزيد ما بين 5 و10 أمثال متوسط أسعارها خلال العقد الماضي. كما ارتفعت أسعار الفحم إلى مستويات قياسية.
ولا يقتصر تأثير التحول في مجال الطاقة على أسعار مصادرها. فمع تحرك العالم نحو كهربة كل شيء من التدفئة إلى السيارات، سيزداد الطلب على السلع المستخدمة في هذا التحول الأخضر وبالتالي سترتفع أسعارها. على سبيل المثال فإن سعر معدن الليثيوم الذي يعتبر عنصرا أساسيا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، ارتفع بشكل قياسي. والأمر نفسه ينطبق على النحاس المطلوب في صناعة كل جزء من الأسلاك الكهربائية.
وتقول شنابل إن التضخم الأخضر ستكون له عواقب مالية ونقدية، وستحتاج الحكومات إلى دعم الأسر التي تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة. ورغم أنها لم تتحدث كثيرا عن تضرر الشركات، فقد بات واضحا أنه إذا تركت أوروبا أسعار الغاز والكهرباء ترتفع بلا كابح، فإنها ستخسر الكثير من الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة مثل صناعة الألمنيوم والأسمدة... وقد تضطر البنوك المركزية إلى التخلي عن نظرتها التقليدية لأسعار الطاقة، لأن التحول قد يعني بشكل عام ارتفاع الطلب الكلي من خلال الاستثمار البدائل الخضراء للوقود الأحفوري، مع ارتفاع معدل التضخم أيضا.
وأخيرا يمكن القول إن صناع القرار في واشنطن باتوا أكثر إدراكا لمخاطر التضخم الناجم عن التحول إلى الاقتصاد الأخضر من نظرائهم في الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية، والذين ما زالوا يتحدثون فقط عن إيجابيات التحول إلى الطاقة النظيفة.
ويقول عاموس هوخستاين المبعوث الأميركي لملف الطاقة: «إذا أردنا حل مشكلة التغير المناخي، فعلينا عمل ذلك، مع ضمان حماية الاقتصاد العالمي من أي صدمات ناجمة عن أسعار الطاقة».


مقالات ذات صلة

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)
متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)
متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات اقتصادية محبِطة قد تشير إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي. وتراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.2 في المائة خلال التعاملات المبكرة، متجهاً نحو خَسارته الثالثة في الأيام الأربعة الماضية، وهو ما يشير إلى تعثر ملحوظ بعد ارتفاعه الكبير، هذا العام.

وفي المقابل، ارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي بمقدار 23 نقطة، أو 0.1 في المائة، في حين انخفض مؤشر «ناسداك» المركب بنسبة 0.4 في المائة، مقارنةً بأعلى مستوى سجله في اليوم السابق، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وتأثرت الأسواق بتقرير يُظهر ارتفاعاً في عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات البطالة، الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى تحديث آخر أظهر أن التضخم على مستوى الجملة، قبل أن يصل إلى المستهلكين الأميركيين، كان أعلى من المتوقع في الشهر الماضي.

وعلى الرغم من أن هذه التقارير لا تشير إلى كارثة وشيكة، فإنها تثير القلق بشأن بعض الآمال التي كانت تدعم مؤشرات الأسهم، وخاصة «ستاندرد آند بورز 500» الذي وصل إلى أعلى مستوى له، هذا العام، حيث كانت السوق تُعوّل على تباطؤ التضخم بما يكفي لإقناع بنك الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة خفض أسعار الفائدة، مع بقاء الاقتصاد قوياً بما يكفي لتفادي الركود.

ومن بين التقريرين، قد يكون التحديث الأكثر تأثيراً هو الأضعف لسوق العمل، وهو ما يَعدُّه كريس لاركين، المدير الإداري للتداول والاستثمار في «إي تريد» من «مورغان ستانلي»، عاملاً مهماً في حسم مسار السوق. ولفت إلى أن ارتفاع أسعار البيض ربما يكون السبب وراء أرقام التضخم التي جاءت أعلى من المتوقع. وأضاف لاركين أن «أسبوعاً واحداً من البيانات الضعيفة لا ينفي الاتجاه العام القوي لسوق العمل، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون حذراً في التعامل مع أي إشارات على ضعف سوق الوظائف».

ويتوقع المستثمرون بشكل شبه مؤكَّد أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض سعر الفائدة الرئيسي، في اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل، ما يمثل التخفيض الثالث على التوالي، بعد أن بدأ خفض الفائدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعدما كانت عند أعلى مستوياتها منذ عقدين. ويأمل البنك أن يسهم هذا التخفيض في دعم سوق العمل المتباطئة مع السعي لتحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة. إلا أن هذه الخطوة قد تثير أيضاً القلق بشأن تعزيز التضخم في المستقبل.

في سياق مماثل، كان هذا التوجه في السياسة النقدية مواكباً لخطوات مماثلة اتخذتها بنوك مركزية أخرى. فقد قام البنك المركزي الأوروبي بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، كما كان متوقعاً، بينما خفَّض البنك الوطني السويسري سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، في خطوة حادة تعكس التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة. من جانب آخر، أشار البنك المركزي السويسري إلى أن الوضع الاقتصادي العالمي يشوبه عدم اليقين، ولا سيما مع تأثيرات السياسة الاقتصادية المرتقبة تحت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، إضافة إلى التقلبات في السياسة الاقتصادية بأوروبا.

على صعيد الأسهم، تراجعت أسهم شركة «أدوبي» بنسبة 11.4 في المائة، على الرغم من إعلانها أرباحاً تفوق توقعات المحللين للربع الأخير، حيث قدمت الشركة توقعات لأرباح وإيرادات في سنتها المالية المقبلة التي جاءت أقل قليلاً من تقديرات السوق. في المقابل، ارتفعت أسهم «كروغر» بنسبة 2.9 في المائة، بعد أن أعلنت عودتها لشراء أسهمها مرة أخرى، بعد إلغاء محاولتها السابقة للاندماج مع «ألبرتسونز». ووافق مجلس إدارة «كروغر» على برنامج لإعادة شراء أسهم بقيمة تصل إلى 7.5 مليار دولار، ليحل محل تفويض سابق كان بقيمة مليار دولار فقط.

وفي أسواق الأسهم العالمية، ظلت المؤشرات الأوروبية مستقرة إلى حد ما، بعد قرار البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة، بينما كانت الأسواق الآسيوية أكثر قوة، فقد ارتفعت مؤشرات الأسهم في هونغ كونغ بنسبة 1.2 في المائة، وفي شنغهاي بنسبة 0.8 في المائة، في حين سجل مؤشر «كوسبي» في كوريا الجنوبية زيادة بنسبة 1.6 في المائة، محققاً ثالث مكاسبه المتتالية، مع تراجع الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، الأسبوع الماضي، حين أعلن رئيسها، لفترة وجيزة، الأحكام العرفية.

وفي سوق السندات، ارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 4.29 في المائة، مقارنةً بـ4.27 في المائة بنهاية يوم الأربعاء، في حين انخفض عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين إلى 4.15 في المائة، من 4.16 في المائة.