«إمبراطورية الأضواء» للفنان ماغريت بـ60 مليون دولار

تعرض ضمن مزاد «سوذبيز» للفن الحديث والمعاصر في لندن

لوحة الفنان البلجيكي رينيه ماغريت «إمبراطورية الأضواء»
لوحة الفنان البلجيكي رينيه ماغريت «إمبراطورية الأضواء»
TT

«إمبراطورية الأضواء» للفنان ماغريت بـ60 مليون دولار

لوحة الفنان البلجيكي رينيه ماغريت «إمبراطورية الأضواء»
لوحة الفنان البلجيكي رينيه ماغريت «إمبراطورية الأضواء»

تعد لوحة الفنان البلجيكي رينيه ماغريت «إمبراطورية الأضواء» من أكثر الأعمال جذباً وتميزاً في الفن الحديث، ومن اللوحات المهمة للفن السريالي. فاللوحة تجسد المفارقة المرئية التي تكمن في الأسلوب الفني الأصيل لدى الرسام. نفذ ماغريت اللوحة في عام 1961 للبارونة آن ماري جيون كرويه، ابنة مموله والجامع البلجيكي لأعمال الفن السريالي بيير كرويه، وظلت اللوحة في مجموعة العائلة الخاصة منذ ذلك الحين. جسدت آن ماري فكرة الجمال المثالي لدى ماغريت، حتى قبل أن يلتقي بها. وتم العثور على شبيهتها بشكل غير متوقع في عدد من أعماله المُنجَزَة قبل لقائهما الأول، حين قال لها قوله الشهير: «هل تَرَين، لقد رسمتك قبل أن أقابلك». وبعد ذلك أصبحت آن صديقة لماغريت وزوجته جورجيت مدى الحياة، وظهرت في العديد من لوحات الفنان الأكثر أهمية.
«إمبراطورية الأضواء» ستخرج للعلن وسيتم عرضها بسعر تقديري يزيد عن 60 مليون دولار أميركي، لتكون اللوحة الأساسية في مزاد سوذبيز للفن الحديث والمعاصر، الذي سيقام في مساء يوم 2 مارس (آذار) المقبل في لندن.
عرضت اللوحة «إمبراطورية الأضواء» في جميع أنحاء العالم في بروكسل وروما وباريس وفيينا وميلانو وسيول وأدنبرة وسان فرانسيسكو، وتمت إعارتها إلى متحف ماغريت في بروكسل من 2009 وحتى 2020، حيث كانت محاطة بأرقى مجموعة من لوحات ماغريت في العالم. وسيتم عرض اللوحة قبل المزاد للعامة في صالات عرض سوذبيز في لوس أنجليس وهونغ كونغ ونيويورك ولندن.
ولصاحبة اللوحة ورسامها قصة جمعتهما منذ أن طُلب منه رسم صورتها وكانت تبلغ من العمر 16 عاماً. وقتها تعرف عليها على أنها تجسيد لمُلهمته التي سكنت مخيلته من قبل واستمر وجهها الذي أصبح يمتلك اسماً بالظهور في السنوات التي تلت ذلك ضمن العديد من لوحاته الرئيسية. وشكل الثنائي منذ لقائهما الأول علاقة وثيقة، حيث أرسل الفنان لها رسومات صغيرة وعرض عليها أحدث لوحاته، حتى أنه رسم واحدة لها بمناسبة ولادة ابنتها. ولأنها أصبحت جزءاً من عالمه الداخلي، كانت آن ماري تلعب الشطرنج مع الفنان في الحانة الصغيرة المفضلة لديه وتقضي الأمسيات مع العائلة في مشاهدة أفلام تشارلي شابلن وباستر كيتون.
ومن ناحية أخرى تُعد آن ماري، إلى جانب زوجها رولان، من الشخصيات الرئيسية في المشهد الثقافي البلجيكي: وتم التبرع بمجموعة أعمال الفن الحديث لديهما إلى المتاحف الملكية للفنون الجميلة في بلجيكا (حيث تحتل طابقاً كاملاً).
سيادة الضوء
بدأ ماغريت العمل لأول مرة على نسخة من اللوحة في عام 1948، وحققت اللوحة نجاحاً فورياً لدى العامة وجامعي التحف الفنية على حد سواء، واشترى النسخة الأولى نيلسون روكفيلر. وعاد الرسام إلى الفكرة ذاتها عدة مرات خلال العقد التالي، وأعاد تصور وإثراء كل منها بطريقة جديدة وبعناية كبيرة. وتضم المجموعة المكونة من 17 لوحة مرسومة بالألوان الزيتية بعنوان «إمبراطورية الأضواء» محاولة ماغريت الحقيقية الوحيدة لإنشاء «سلسلة» ضمن أعماله. وتطورت هذه الأعمال مع مرور الوقت، بينما حافظت على تواصلها مع بعضها، تماماً مثل لوحة «ليلة مرصعة بالنجوم» للرسام فنسنت فان غوخ، ولوحة «زنابق الماء» للرسام كلود مونيه.
كان الطلب كبيراً لدرجة أنه في بينالي البندقية عام 1954، طلبت نسخة من المجموعة لأربعة مشترين مختلفين، وبيعت في النهاية إلى بيجي جوجنهايم - مما اضطر ماغريت إلى رسم ثلاث نسخ إضافية لبقية المشترين. وتتوفر أمثلة عن اللوحة الآن في مجموعة بيجي جوجنهايم في البندقية في متحف الفن الحديث بمدينة نيويورك ومجموعة مينيل في هيوستن والمتاحف الملكية للفنون الجميلة في بلجيكا بروكسل.
قد يكون موضوع اللوحة مستوحى من قصيدة «L’Aigrette» بقلم أندريه بريتون، التي كان ماغريت يعرفها جيداً، وتبدأ بمقطع: «يا ليت كان الجو مشمساً هذه الليلة». المزيج الفريد للشارع في الليل المظلم تحت سماء زرقاء مضيئة هو نموذج مألوف في لوحات ماغريت السريالية الغريبة، حيث يجمع بين شيئين متعارضين ليخلق «واقعاً زائفاً».

ويمكن التعرف على مكان الضواحي ذاته، حيث يصور شارعاً هادئاً بالقرب من حديقة بارك جوزافا في بروكسل حيث انتقل الفنان للعيش في عام 1954.
كان الفن السريالي وصناعة الأفلام نوعين فنيين مرتبطين ارتباطاً وثيقاً، ونستطيع أن نقول إن هذه اللوحة الفريدة هي الأكثر سينمائية بين جميع أعمال ماغريت. وشهادة على قوتها في الإلهام، كانت اللوحة مصدر إلهام أحد مشاهد فيلم «The Exorcist» الكلاسيكي الحائز على جائزة «غولدن غلوب» عام 1973.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».