الجوع والعطش يلاحقان أهالي الأنبار بعد الهروب من «داعش»

{الشرق الأوسط} ترصد قصص النازحين إلى بغداد

الجوع والعطش يلاحقان أهالي الأنبار بعد الهروب من «داعش»
TT

الجوع والعطش يلاحقان أهالي الأنبار بعد الهروب من «داعش»

الجوع والعطش يلاحقان أهالي الأنبار بعد الهروب من «داعش»

سيرًا على الأقدام وصلت آلاف العائلات من مدينة الرمادي، 110 كيلومترات غرب العاصمة بغداد، إلى العاصمة، حيث هذا المكان جسر بزيبز البدائي العائم على نهر الفرات 27 كيلومترًا غرب العاصمة العراقية، حاملين ما يستطيعون فوق الرؤوس هاربين من موت محقق، ومسجلين بالأسماء والأعداد أكبر موجة للنزوح تشهدها العاصمة بغداد.
وفي الضفة الثانية لجسر بزيبز، وضعت القوات الأمنية معابر لدخول العاصمة تسمى بنقاط التفتيش (سيطرات أمنية)، وفي هذه المعابر طالب المسؤولين الأمنيين من النازحين شرطًا تعجيزيًا، وهو وجود كفيل من أجل دخولهم إلى العاصمة بغداد.
وقال أحد الضباط الموجودين في المكان لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التعليمات صادرة من قيادة عمليات بغداد، ولا بد من تنفيذها بشكل حرفي من أجل عدم إفساح المجال لدخول مسلحين أو انتحاريين ينتمون لتنظيم داعش يتسللون مع النازحين، واضطر عشرات الآلاف من النازحين إلى افتراش الأرض والتحاف السماء لمدة يومين، وقد أضناهم الجوع والعطش.
هذا الحال تسبب في حالات وفاة لأطفال حديثي الولادة وكبار في السن، حسب مصادر طبية رافقت جمعية الهلال الأحمر التابعة لمحافظة الأنبار، التي كانت تقدم مساعدات بسيطة لعدم قدرتها على الاعتناء بكل هذا الكم الهائل من النازحين، الذين وصل عددهم لأكثر من 250 ألف نازح.
الصعوبات التي واجهت النازحين دعت الكثير من المسؤولين العراقيين إلى مطالبة الحكومة والسلطات الأمنية بإلغاء شرط الكفيل الذي فرض من أجل دخول العائلات النازحة للعاصمة بغداد.
ورئيس مجلس محافظة الأنبار رياض العضاض كان من بين العشرات من المسؤولين المطالبين بإلغاء «هذا الشرط المجحف» بحسب تعبيره. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حال النازحين يزداد سوءا مع تقادم الوقت، وهناك المئات من الأطفال مهددون بالموت، إذا استمر هذا الحال». وأضاف العضاض: «هناك شيوخ طاعنون في السن وآخرون محمولون على مقاعد متحركة، ووضعهم الإنساني صعب جدا، والإجراءات التي اعتمدتها قوات الأمن في دخول النازحين إلى بغداد كانت معقدة، وتسببت في تأخير دخول النازحين الذين فقدوا العشرات من ذويهم أثناء هذه الرحلة القاسية والسير على الأقدام فوق التلال وبين رمال الصحراء لمسافة كبيرة وبطرق وعرة وخطيرة جدًا».
وبعد القرار الحكومي بإلغاء شرط الكفيل عن العائلات النازحة من مدينة الرمادي ومناطقها المجاورة إلى العاصمة بغداد، دخل الآلاف من النازحين إلى العاصمة بغداد لتبدأ رحلة جديدة من المعاناة.
وتقول أم تقى، وعمرها 37 عاما: «هربنا من منطقة الجمعية وسط مدينة الرمادي بعد أن وصلت المعارك إلى الحي الذي نسكن فيه وتمكنا بعد عناية الله من الهرب إلى خارج المدينة، والتحقنا بآلاف من الأهالي النازحين في رحلة مضنية لم أشهد مثل خطورتها وتعبها في كل حياتي، كنت أحمل ابني الرضيع بين ذراعي طول الطريق يومين، وأنا في رحلة السير وتساعدني أمي وأختي في حمل بقية أولادي الصغار، وبعد كل تلك المعاناة نجد أن عملية دخولنا إلى بغداد تحتاج إلى كفيل، وكأننا لسنا أبناء هذا البلد».
وتضيف أم تقي، وهي المعلمة في مدرسة ابتدائية في مدينة الرمادي: «المتسبب في خروجنا من ديارنا هو نفسه من تسبب بعدم دخولنا إلى بغداد، فلولا استهتار الحكومة بنا نحن البسطاء ومتاجرتهم بدمائنا وسرقة أموالنا هي التي جعلت منا نازحين مبعدين عن الدار والجار».
النازح مثنى محمد صالح قال لـ«الشرق الأوسط»: «بعد كل هذه المعاناة في السير على الأقدام لمسافة أكثر من 150 كيلومترا، وبعد توسلنا بالسلطات الأمنية من أجل الدخول إلى العاصمة بغداد، صدمت وأنا أرى بعض رجال الأمن الوطني في منطقة الكريعات وهم يطلبون مني الرحيل فورًا من الدار الذي استأجرته أو إحضار كفيل بغضون ساعة، ومع أن وقت وصولنا كان في وقت متأخر من المساء، إلا أن عناصر الأمن الوطني أصروا أن يتكفلني أحد أو ترك البيت والمنطقة على الفور».
وأضاف صالح: «كنت أنا الرجل الوحيد بين أفراد عائلتي، حيث كانت معي أمي وزوجتي وأطفالي وأم زوجتي وأخوات زوجتي، ولم يشفع لنا التعب البادي على وجوهنا في البقاء، ولو حتى إلى فترة الصباح ثم إحضار الكفيل، حيث رفض عناصر الأمن من بقائنا إلى الصباح».
وشرح أنه اضطر إلى الاتصال بـ«الكثير من الأقرباء والمعارف والأصدقاء من أجل أن يتكفلوني وعائلتي، ولكن تفاجأت بأن عناصر الأمن الوطني في منطقة الكريعات شمال العاصمة بغداد رفضوا أن يكون الكفيل من خارج المنطقة، وازداد الأمر سوءا، إلى أن تمكن أحد أصدقائي من الاتصال بأحد أقاربه الساكنين في منطقة الكريعات وفعلاً جاء الكفيل وأخذوا كل أوراقي الثبوتية من أجل أن يتكفلني وعائلتي». وهذه القصة من بين قصص الآلاف الذين يعانون من صعوبة الأوضاع المعيشية لتتفاقم الحالة مع عدم وجود الكفيل في الوقت المطلوب، مما يؤدي إلى طرد بعض أهالي الرمادي بعد رحلة سفر شاقة.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.