نموذج جديد من سفينة «لافاييت» يبحر نحو الولايات المتحدة

القائد الفرنسي قاد الفرقاطة التي ساندت الأميركيين في حرب الاستقلال عن بريطانيا

القائد لافاييت، الفرنسيون يتفرجون على سفينة القائد لافاييت
القائد لافاييت، الفرنسيون يتفرجون على سفينة القائد لافاييت
TT

نموذج جديد من سفينة «لافاييت» يبحر نحو الولايات المتحدة

القائد لافاييت، الفرنسيون يتفرجون على سفينة القائد لافاييت
القائد لافاييت، الفرنسيون يتفرجون على سفينة القائد لافاييت

بعد 18 عاما من العمل، احتفل آلاف الفرنسيين، أمس، يتقدمهم الرئيس فرنسوا هولاند، بانطلاق أول رحلة بحرية لنموذج مطابق للسفينة التاريخية «ليرميون»، وعلى متنها 70 بحارًا في اتجاه سواحل الولايات المتحدة. وكانت السفينة الأصلية قد دخلت التاريخ بعد أن أبحر بها القائد الفرنسي جيلبير دومواتييه، المعروف بلقب ماركيز لافاييت، في اتجاه الساحل الشرقي للقارة الأميركية بهدف نصرة الثوار في حربهم للاستقلال عن بريطانيا، عام 1780.
ويبلغ طول السفينة الشراعية التي تعتبر درة من درر الصناعات البحرية 65 مترًا ويزيد عرضها على 11 مترًا. وكان الإعلان عن المشروع قد بدأ قبل 20 عامًا في بلدة روشفور البحرية التي كانت قد شهدت بناء السفينة التاريخية. لكن المشروع صادف بعض العراقيل المتعلقة بالتمويل الذي بلغ، في النهاية، 26 مليون يورو، عدا عن كلفة الرحلة. وساهمت في ضخ الأموال هبات من مجالس البلديات في مختلف أنحاء فرنسا وعدد من المتبرعين، بالإضافة إلى أثمان تذاكر الدخول التي اقتناها 4 ملايين فرنسي للفرجة على مراحل بناء السفينة التي جعلت من قائدهم لافاييت بطلاً من أبطال حرب الاستقلال في الولايات المتحدة.
لتنفيذ المشروع، استقدم المشرفون عليه خيرة المهندسين الذين استعادوا الخبرة الفرنسية القديمة في بناء السفن والتزموا باحترام السفينة الأصل مع الاستعانة بالتقنيات الحديثة، مثل محرك مزدوج يعمل بالديزل والكهرباء. واستخدم العمال 25 كيلومترًا من الحبال المتينة و1000 بكرة و2200 متر مربع من الأشرعة وسارية بارتفاع 54 مترًا، بالإضافة إلى تركيب 32 مدفعًا، مع مرساة بطول 4 أمتار تزن 1200 طن.
من المتوقع أن تستغرق الرحلة الجديدة 27 يوما في عرض الأطلسي، بكلفة قدرت بـ6 ملايين يورو، دفع نصفها مواطنون أميركيون من جمعية «أصدقاء ليرميون ولافاييت». ويشغل وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر منصب الرئيس الشرفي للجمعية. وغادرت السفينة مدينة لاروشيل، غرب البلاد، في مرحلة أولى، نحو جزيرة إكس الفرنسية ومنها إلى جزر الكناري قبل مواصلتها رحلتها لعبور الأطلسي. ومن المنتظر أن تصل إلى ميناء يوركتاون الأميركي في فرجينيا، نهار الخامس من يونيو (حزيران) المقبل، أي المكان الذي شهد في خريف 1781 نصرًا للقوات الأميركية والفرنسية في معركة حاسمة ضد الإنجليز. وتنتظر «لورميون» الكثير من حفلات الترحيب وحلقات الرقص والموسيقى على امتداد الموانئ التي ستتجول فيها، مثل هاليفاكس وبالتيمور وفلادلفيا وغرينبورت وأنابوليس، مررًا بنيويورك يوم العيد الوطني الأميركي في الرابع من يوليو (تموز).
وتم تشكيل لجنة استقبال تضاهي تلك التي استقبلت لافاييت عند بلوغه بوسطن، أول ميناء رست عنده «ليرميون». ويتضمن برنامج الاحتفال بوصول النسخة الثانية من السفينة إقامة معرض لتكريم للقائد لافاييت من تنظيم جمعية نيويورك للمؤرخين. وكان لافاييت، بعد حرب الاستقلال، قد عاد إلى فرنسا، بينما قامت «ليرميون» بعدة رحلات قبل أن تغرق بسبب خطأ في القيادة عام 1793 قرب سواحل كروازيك، غرب فرنسا.
وفي عام 1984 تم العثور على حطام السفينة الغارقة وتمكن الغواصون من رفع مرساتها واثنين من مدافعها التي اتخذت مكانها في أحد متاحف مدينة نانت.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».