أخبار مقدم برنامج السيارات السابق في «بي بي سي» في الواجهة ثانية

جيرمي كلاركسون يعتبر الضجة التي أثارها سابقًا كان سببها احتمال إصابته بالسرطان

صورة أرشيفية لفريق عمل «توب غير».. ويظهر جيرمي كلاركسون الثاني من الأمام خلال الترويج لإحدى حلقات البرنامج (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لفريق عمل «توب غير».. ويظهر جيرمي كلاركسون الثاني من الأمام خلال الترويج لإحدى حلقات البرنامج (أ.ف.ب)
TT

أخبار مقدم برنامج السيارات السابق في «بي بي سي» في الواجهة ثانية

صورة أرشيفية لفريق عمل «توب غير».. ويظهر جيرمي كلاركسون الثاني من الأمام خلال الترويج لإحدى حلقات البرنامج (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لفريق عمل «توب غير».. ويظهر جيرمي كلاركسون الثاني من الأمام خلال الترويج لإحدى حلقات البرنامج (أ.ف.ب)

مشكلة المذيع البريطاني الشهير جيرمي كلاركسون، مقدم برنامج السيارات «توب غير» مع هيئة البث البريطاني «بي بي سي»، والتي أثارت ضجة منذ أكثر من شهر، ما زالت تداعياتها تفرض نفسها على وسائل الإعلام البريطاني. آخرها كان ما كتبته أمس صحيفة «صنداي تايمز» الأسبوعية على صفحتها الأولى، بعد أن كشف المقدم المثير للجدل كلاركسون عن أن طبيبا كان قد أخبره أنه قد يكون مصابا بالسرطان قبل يومين من الشجار الذي أدى لفصله من «بي بي سي».
وأوضح كلاركسون (55 عاما) في عموده الذي يكتبه في الصحيفة قبل يومين من هذه الواقعة يقول، إن طبيبه أخبره بأنه قد يكون مصابا بسرطان في اللسان، وإن عليه أن يقوم بفحوصات على الفور.. «ولكنني لم أستطع فعل ذلك»، مضيفا: «كنا نقوم بتصوير حلقات لبرنامج (توب غير)، والبرنامج دائما في المقام الأول بالنسبة لي». وقال كلاركسون، إنه بعد ذلك أجرى الفحوصات، وتبين عدم إصابته بالمرض.
وكانت «بي بي سي» قد فصلت كلاركسون بعد اعتدائه «البدني واللفظي» على أحد القائمين على البرنامج، مما استدعى دخوله المستشفى لتلقي العلاج. وقال كلاركسون، إن البرنامج الذي يدور حول السيارات، كان يهيمن على حياته عقب طلاقه من زوجته ووفاة والدته.
وقرر مدير عام «بي بي سي» عدم تجديد عقد كلاركسون بسبب إقدامه على هجوم لفظي وجسدي غير مبرر على منتج برنامجه مما أثار ردود فعل إعلامية واسعة وغضب المعجبين بكلاركسون.
وقال مدير الهيئة توني هول آنذاك: «بأسف شديد، أبلغت جيريمي كلاركسون اليوم، إن (بي بي سي) لن تجدد عقده الذي انتهى في نهاية مارس (آذار) الحالي». ولم ينفِ كلاركسون «أي شاهد بعدم تعرض أويسين تيمون لعدوان جسدي ولفظي من دون أي استفزاز من قبله».
وبعد الحادثة خضع المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وزوجته لحراسة أمنية مشددة، بعد تلقيهما تهديد بالقتل في أعقاب فصل كلاركسون. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية وقتها، أن توني هول وزوجته سينثيا يخضعان لحراسة طوال الـ24 ساعة في منزلهما منذ أن تلقى توني رسالة إلكترونية تهدده بالقتل بعد ساعات من اتخاذه قرار فصل كلاركسون. وقالت «بي بي سي»، إن التهديد «قابل للتصديق» وأبلغت الشرطة بذلك. وعلمت صحيفة «ديلي ميل» أن مدير الأمن في «بي بي سي» طالب مسؤولا سابقا بالقوات الخاصة بالمشاركة في عملية سرية لحماية توني مقابل أكثر من ألف جنيه إسترليني في اليوم. وأخذت الشرطة البريطانية الاتهامات الموجهة ضد كلاركسون على محمل من الجد وقامت بالتحقيق في الاعتداء، لكنها قررت عدم اتخاذ أي إجراء ضده. وقامت المحطة بفصله بعدما كشف تحقيق أجرته أنه مذنب بسبب «مهاجمته الجسدية واللفظية غير المبررة» لمنتج البرنامج أويسين تيمون. كما أن تيمون قرر أنه لا يرغب في توجيه أي اتهامات جنائية ضد كلاركسون الذي تردد أنه استشاط غيظا عندما لم يحصل على شريحة لحم (ستيك) في وقت متأخر من الليل، ولم يحصل إلا على قطع لحم بارد في الوجبة التي قدمت له في أحد فنادق نورث يوركشاير الذي ظل فريق البرنامج به بعد انتهائه من التصوير. وقالت شرطة نورث يوركشاير، إنها تحدثت إلى تيمون وأشخاص آخرين كانوا شهودا على الواقعة. وأضافت الشرطة: «الآن، وبعد انتهاء جميع المقابلات، أصبحنا على يقين تماما بعدم وجود داع للمزيد من التدخل الشرطي».
وبعد الحادثة تقدم أكثر من مليون من محبي كلاركسون ووقعوا على التماس عبر الإنترنت يحثون فيه «بي بي سي» على إعادة المذيع المحبوب للمحطة.
ورغم هذه السمعة السيئة حصل كلاركسون على موجة عارمة من الدعم، فوصفه رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون بأنه أحد أصدقائه و«موهبة كبيرة».
وكتب كلاركسون أمس في صحيفة «صنداي تايمز» يقول حول ما قال له الطبيب: «لقد كان أكثر يوم عصيب يمر عليّ خلال عملي الممتد منذ 27 عاما في (بي بي سي)». وأضاف: «كل شيء أصبح غير منضبط، الكل يمر بأيام عصيبة، لكن البعض يمكنهم التعامل مع هذه الأيام بصورة أفضل مني».
وكشف كلاركسون أنه من المتوقع أن يقدم برنامجا تلفزيونيا آخر حول السيارات في المستقبل. ويبث برنامج «توب غير» في أكثر من 200 دولة وهو أحد أكثر البرامج التي تدر ربحا في هيئة الإذاعة البريطانية إذ تبلغ مبيعاته 50 مليون جنيه إسترليني، و74 مليون دولار، سنويا. وحصل البرنامج على معدل مشاهدة خارق قدرته «بي بي سي» بنحو 6.5 مليون نسمة في بريطانيا و350 مليون نسمة في العالم.
وأوضح مدير عام «بي بي سي» أن البرنامج ستقدمه «في الأشهر المقبلة» كيم شيلينغلاو قبل أن تعمل الشبكة على تجديد البرنامج لعام 2016.
وأكد هول، أن «جيرمي موهبة كبيرة.. سيغادر (بي بي سي)، لكنني متأكد أنه سيستمر في الترفيه والتحدي وإمتاع الجمهور لسنوات كثيرة قادمة».
وقال: «نحن بحاجة إلى أصوات مميزة ومختلفة، ولكن لا يمكن أن تأتي بأي ثمن». وأضاف: «بالنسبة لي، لقد تم تجاوز أحد الخطوط. لا يمكن أن تكون هناك قاعدة واحدة لشخص وأخرى لشخص آخر بسبب مكانة أي منهما أو علاقاتهما العامة والاعتبارات التجارية».
وأثار كلاركسون الكثير من الخلافات سابقا بسبب تعابيره التي اعتبرت عنصرية أحيانا فوصف المكسيكيين بـ«الكسالى»، وبأنهم «لا يصلحون للقيام بأي شيء».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)