الأميركيون أكثر تشكيكاً بإعلامهم وبديمقراطيتهم «المتآكلة»

بعد سنة على أحداث 6 يناير

لقطة من الهجوم على الكابيتول في واشنطن
لقطة من الهجوم على الكابيتول في واشنطن
TT

الأميركيون أكثر تشكيكاً بإعلامهم وبديمقراطيتهم «المتآكلة»

لقطة من الهجوم على الكابيتول في واشنطن
لقطة من الهجوم على الكابيتول في واشنطن

قبل بضعة أيام، أحيا الأميركيون الذكرى الأولى لأحداث 6 يناير (كانون الثاني)، حين اقتحم أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مبنى الكابيتول، بهدف تعطيل جلسة تثبيت فوز الرئيس جو بايدن.
أحداث ذلك اليوم حظيت ولا تزال بنقاشات لم تتوقف عن دور وسائل الإعلام الأميركية في الدفاع عن الديمقراطية الأميركية، التي بات كثيرون يخشون من انهيارها، لا بل ويشكك البعض في وجودها أصلاً. ومع أن النقاش، يتناول «حدثاً أميركياً» بامتياز، إلّا أنه من نافل القول إن تأثيراته، أبعد بكثير من حدود أميركا، وخصوصاً على النظم الديمقراطية والغربية منها على وجه الخصوص، في ظل الصراع المفتوح مع نظريات قديمة - جديدة، تروج للنظم الاستبدادية كنموذج يحتذى.
يقول العديد من الخبراء والنقاد إن كبريات وسائل الإعلام وأبرز الصحافيين الأميركيين بذلوا خلال العام الماضي جهوداً إيجابية، لنشر تحقيقات «كشفت أكاذيب السياسيين» حول حقيقة ما جرى قبل يوم 6 يناير وخلاله وبعده. لكن رغم ذلك، هناك قضية رئيسة لا تزال غائبة عن وسائل الإعلام، رغم إدراكها فردياً من الصحافيين، تتمثل في كيفية «رفع الحصار عن الديمقراطية»، التي تتآكل يوماً بعد يوم.
افتتاحية لإحدى أبرز الصحف الأميركية أشارت إلى الأدلة المتزايدة عن هذا التآكل. ولخصته بالمضايقات التي يتعرض لها مسؤولو الانتخابات من قبل مدمني نظرية المؤامرة، وتهديدات بالقتل للسياسيين الذين يصوتون محكمين ضمائرهم، بينما المشرعون الجمهوريون - وخصوصاً في الولايات التي يسيطرون عليها - يدفعون بقوانين وإجراءات لجعل حق التصويت أكثر صعوبة على المواطنين، وتسهيل قلب نتائج التصويت الشرعية على الحزبيين.
وحقاً، اليوم، أصبحت المزاعم الوهمية بالتزوير وتكتيكات «أوقفوا السرقة»، وسيلة شائعة للعديد من قادة بعض الدول الشعبويين، لإجهاض الديمقراطية. ولطالما كانت مثل هذه الأساليب مصدراً للاضطرابات في البلدان التي تكافح من أجل تطوير الديمقراطية، لكن ما جرى في أهم وأقوى ديمقراطية في العالم، يمثل بداية حقبة جديدة خطيرة، بحسب المؤرخة آن أبلباوم.
مما لا شك فيه أن بعض المؤسسات الإخبارية الأكثر رصانة وحيادية، تقوم بعمل صحافي مهم حول هذا الموضوع. على سبيل المثال نشرت وكالة «أسوشييتدبرس» الأسبوع الماضي، تحقيقاً أوضحت فيه بالتفصيل، الطرق التي تحالف بها الجمهوريون مع الرئيس ترمب، بعد أحداث 6 يناير - التي وصفتها بمحاولة انقلاب شبه فاشلة - معتبرة أنها كانت عملية تمهيدية لعام 2024. وتناول التقرير ما يحدث في «ساحات القتال» في الولايات التي يمكن أن تقرر هوية الشاغل التالي للبيت الأبيض، بالقول: «في ميشيغان، حيث يعيد الحزب الجمهوري تجميع أعضاء مجالس محلية مغمورة يمكن أن تمنع الموافقة على الانتخابات. وفي ولايتي ويسكونسن وبنسلفانيا تدعم الهيئات التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون، (المراجعات) المفتوحة لانتخابات عام 2020. على غرار ما جرى في ولاية أريزونا». ويختم التقرير قائلاً إن «الجهود مهيأة لتأجيج التضليل والغضب بشأن نتائج 2020 لسنوات قادمة».

التغطية الإعلامية القاصرة

وسائل إعلام أخرى ركزت أيضاً على تلك الممارسات، لكن التحذير الأهم هو «أن التغطيات الإعلامية المؤيدة للديمقراطية، لا تزال قاصرة وعرضية وغير منتظمة على نطاق واسع، ولم تكن جزءاً من خطة تحريرية شاملة تدرك تماماً مقدار الخطر الذي تتعرض له ديمقراطيتنا»، بحسب صحيفة «ذي أتلانتيك». وهي ترى أن الدفاع عن حقوق التصويت، والضوابط والتوازنات الحكومية، والمعايير الديمقراطية، يجب أن يتحول إلى قضية دائمة لوسائل الإعلام.
بيد أن كل هذا لم يمنع شرائح واسعة من الشعب الأميركي، بمعزل عن انتماءاتها الحزبية، من التشكيك بحيادية الإعلام وموضوعيته وصدقيته. إذ يقول تقرير لمؤسسة «غالوب» البحثية، إن التطورات التكنولوجية جعلت من السهل على الأميركيين التواصل مع بعضهم البعض والحصول على المعلومات، بما في ذلك تفاصيل القضايا الرئيسة التي تواجه البلاد. لكن هذه التطورات «تمثل تحديات وفرصاً للأفراد والمؤسسات الأميركية على حد سواء، فالمعلومات لا تتوفر بسهولة فحسب، بل وأيضاً المزيد من المعلومات المضللة. وقد لا يتمكن كثيرون من تمييز الفرق بين الاثنين بسهولة». ووسط المشهد المعلوماتي المتغير، تآكلت الثقة بوسائل الإعلام في الولايات المتحدة، مما جعل من الصعب على وسائل الإعلام الإخبارية الوفاء بمسؤولياتها الديمقراطية المتمثلة في إعلام الجمهور ومحاسبة قادة الحكومة.
وفعلاً، يعتقد معظم الأميركيين أنه بات من الصعب الآن أن يكون المرء على اطلاع جيد وأن يحدد الأخبار الدقيقة. ثم إنهم باتوا ينظرون بشكل متزايد إلى وسائل الإعلام على أنها متحيزة، ويكافحون بصعوبة للعثور على مصادر الأخبار الموضوعية. لكن، مع هذا، ما زالوا يعتقدون أن وسائل الإعلام لا تزال تلعب دوراً حاسماً في ديمقراطيتنا، وإن كانوا قليلي الثقة بشأن كيفية اضطلاع وسائل الإعلام بهذا الدور.

استطلاع «إيبسوس»

من ناحية ثانية، يظهر استطلاع جديد مشترك لمؤسسة «إيبسوس» مع الإذاعة الوطنية، أن الأميركيين يشعرون بالتشاؤم العميق بشأن مستقبل الديمقراطية، بعد عام على هجوم 6 يناير. إذ يعتقد 64 في المائة منهم أن الديمقراطية الأميركية «في أزمة ومعرضة لخطر الفشل». ويشعر الجمهوريون بهذا الشعور بشكل أكثر حدة، إذ يتفق ثلثا المشاركين في الاستطلاع من الحزب الجمهوري مع الادّعاء الكاذب بأن «تزوير الناخبين ساعد جو بايدن في الفوز بانتخابات عام 2020»، وهو ركيزة أساسية لـ«الكذبة الكبيرة» بأن الانتخابات قد سُرقت من ترمب. كذلك يواصل أقل بقليل من نصف الجمهوريين القول إنهم مستعدون لقبول نتائج انتخابات 2020، وهذه النسبة ظلت من دون تغيير تقريباً منذ يناير الماضي. أما الديمقراطيون، فيعربون من جهتهم أيضاً عن استيائهم من حالة الديمقراطية، ولكن لأسباب مختلفة تماماً، من بينها قلقهم بشأن قيود التصويت التي أقرتها المجالس التشريعية للولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون في أعقاب انتخابات 2020.
بيد أن ما تصفه مجلة «فورين أفيرز» المرموقة بـ«الركود الديمقراطي العالمي الذي طال أمده» نراه وقد تحول في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة أكثر إثارة للقلق هي «الموجة العكسية الثالثة» من الانهيارات الديمقراطية التي حذر عالم السياسة صمويل هنتينغتون من أنها قد تتبع الاندفاع الملحوظ للتقدم الديمقراطي في الثمانينيات والتسعينيات. ووفق مؤسسة «فريدوم هاوس»، شهدت السنوات الـ15 الماضية تراجعاً للحقوق السياسية والحريات المدنية في عدد أكبر من البلدان، أكثر من المكاسب التي شهدتها. ولكن منذ عام 2015 وحتى 2019. تحول هذا الاتجاه إلى الأسوأ بشكل حاد. ولقد كانت السنوات الخمس، هي الأولى منذ بداية الموجة الثالثة عام 1974. عندما تخلّت 12 دولة عن الديمقراطية، مقابل تحول 7 دول إلى الديمقراطية.
واليوم، تواجه الولايات المتحدة حركة متنامية مناهضة للديمقراطية، ليس فقط من صفوف المتطرفين المهمشين، بل أيضاً من مجموعة كبيرة من أصحاب المناصب، وهي حركة تتحدى أسس الديمقراطية الانتخابية ذاتها. وإذا تواصل هذا المنحى، يمكن أن تغدو الولايات المتحدة أول ديمقراطية صناعية متقدمة تخفق في تلبية الحد الأدنى من الشروط لإجراء انتخابات حرة ونزيهة كما يحددها علماء السياسة وغيرهم من علماء الديمقراطية.
وهنا يعتقد البعض أن مشاكل عدة تقف بين صانعي السياسة الأميركيين والأجندة المؤيدة للديمقراطية. على رأسها النمو الاقتصادي الأميركي الذي يعتمد بشكل كبير على الأرباح المركزة للشركات في مجالات التكنولوجيا والأدوية والترفيه والعلامة التجارية الاستهلاكية والقطاعات المالية. وهذه الشركات هي نفسها التي تمثل أكبر العقبات أمام رفع معايير العمل العالمية وتحرير قواعد الملكية الفكرية.
وعلى صعيد متصل، يحذر الخبراء من أن المنافع «السلبية» الأولى للديمقراطية، تفقد فعاليتها إذا انفصلت عن تقديم سلع المنافع «الإيجابية» للديمقراطية. إذ يقول تقرير «فورين أفيرز» على سبيل المثال، إن برنامجاً قيمته 31 مليون دولار في غواتيمالا، مولته «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» خلال السنوات الأخيرة، لإنشاء تطبيق للهواتف الذكية يسمح للمواطنين بتتبع إنفاق الحكومة، غير أن السكان الفقراء، الذين يهتمون بالوظائف أكثر من اهتمامهم بالحوكمة الرشيدة، لم يتمكنوا أساساً من شراء الهواتف الذكية.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.