لوكاس صقر لـ «الشرق الأوسط»: المستقبل للفولكلور اللبناني

جديده «الدلعونا» ضمن «مزيج» الموسيقي

يركز لوكاس صقر على موسيقى التراث من بلدان عديدة
يركز لوكاس صقر على موسيقى التراث من بلدان عديدة
TT

لوكاس صقر لـ «الشرق الأوسط»: المستقبل للفولكلور اللبناني

يركز لوكاس صقر على موسيقى التراث من بلدان عديدة
يركز لوكاس صقر على موسيقى التراث من بلدان عديدة

يشكل مشروع «مزيج» للموسيقى والغناء بصمة لبنانية مميزة، في عالم الفن. فهو بمثابة فكرة تطورت مع الوقت عندما قرر مؤسسها لوكاس صقر، أن ينقلها من مشروع غنائي محلي إلى موسيقي شرقي. ومع عمله «بساط الريح» الذي قدم فيه 5 بلدان عربية ضمن قالب فني يرتبط بهويتها الموسيقية، استطاع صقر أن يحرز الفرق. فهو كرم تلك البلدان وحمل التقدير لأهم مطربيها في إطار موسيقي مختلف. وقريباً سينقل هذا العمل تكريمات لخمسة بلدان عربية جديدة يجري التحضير لها.
ويوضح لوكاس صقر لـ«الشرق الأوسط»: «الفكرة بدأت منذ خمس سنوات عندما أنشأنا هذا المشروع على ركيزة الغناء بواسطة ربط كلمات الأغاني ببعضها. فكنا ننتقل من أغنية إلى أخرى، مستخدمين كلمة واحدة كمفتاح لها. ومع كلمات (بيروت) أو (حب) وغيرهما، كنا نجمع عدة أعمال فنية متداخلة ضمن موسيقى مدروسة».
قد يكون من الصعب شرح التقنية التي يعتمدها لوكاس صقر وفريقه الفني في صناعة أعماله الفنية. ولكن ما يجعلها بسيطة وتخترق السمع بسهولة هو هذا المزيج الموسيقي الذي تتألف منه.
يعطي صقر أهمية كبيرة للكلمة، وعندما حاول تطوير أسلوبه في الغناء واجه مشكلة الطبقات الصوتية التي إذا لم تكن متناسقة تولد النشاز. «هنا يكمن سر (مزيج)، فهذه الصعوبات دفعته إلى التميز والاختلاف»، يشرح صقر لـ«الشرق الأوسط».
الشخصية الأساسية في مشروع «مزيج» هي آلة البيانو التي يمتلك صقر موهبة العزف عليها. أما باقي أعضاء الفريق فيمكن أن يتغيروا بين عرض وآخر، لأن هدف المشروع هو فتح الأبواب أمام هواة الغناء. «الأهم بالنسبة لي هو التعامل مع أشخاص أثق بهم موسيقياً ويتمتعون بخلفية دراسية. عدم التركيز على مطرب أو مغن واحد في الفريق، ذلك لأنني رغبت في إعطاء القيمة الأكبر للموسيقى وليس للفنان كما جرت العادة».
يتعاون مع «مزيج» المغنيان ماريان وجورج منذ عدة سنوات. وهما ورغم عملهما في مهن مختلفة وبعيدة عن الفن (في مجال الطب) يصفهما صقر بالمحترفين، اللذين، إضافة إلى دراستهما في الطب، لجآ إلى دراسة الغناء الشرقي لصقل موهبتهما.
ويشير صقر أنه ولا مرة يحدد عدد المغنين على مسرح الحفل الذي يحييه. «أحياناً نكون ثلاثة ومرات أكثر، وذلك حسب الجمهور الذي يحضرنا وعدد الحضور».
تحمل فكرة لوكاس صقر رسالة أساسية ألا وهي إعادة إحياء الموسيقى التراثية. ويسأل: «هل تعلمين أننا في لبنان غير ملمين بالموسيقى، وأن هناك نسبة لا تتعدى الـ2 في المائة من الأشخاص يستمعون إلى الموسيقى الكلاسيكية والجاز وما يشبههما؟ إنه رقم منخفض جداً نسبة إلى شعب يعتبر نفسه ملماً بموضوعات عديدة. ولذلك اخترت الموسيقى التراثية هدفاً لي. فمن خلالها أريد أن أجذب الشباب اللبناني إلى جذوره وأعرفهم بها. فقبل عام 85 شهدنا نهضة موسيقية لا مثيل لها، وبعد هذا التاريخ تراجعنا ودخلنا في زحمة موسيقية، لا يمكن مقارنتها بالحقبة السابقة. فبرأي، على اللبنانيين أن يهتموا على الأقل، بتراثهم الموسيقي وبأعمال الطرب أقله. في البلدان الأجنبية كسويسرا وفرنسا يفوق عدد تلامذة الموسيقى في عمر الـ16 سنة الـ2000 شخص».
وحسب صقر، فإن هذا الأمر يعتبره بمثابة ثغرة كبيرة في المجتمع اللبناني «لا بل جريمة فكرية، برأي، هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم في لبنان. فعندما تغذين الأذن والفكر بالموسيقى العلمية يتوسع دماغ الإنسان ويتطور».
أحيا مشروع «مزيج» حفلات عديدة في لبنان وخارجه، كان أحدثها في الأردن ورومانيا. وضع الموسيقى لمهرجانات بعلبك، كما استطاع أن يحصد 50 ألف متابعة للموسيقى التي يؤلفها. «إنه لأمر لافت، خصوصاً أن أعمالاً موسيقية لمشاهير عالميين بالكاد تحقق ألف متابعة. فهذا يعني أن موسيقانا وصلت إلى أكبر عدد من الناس في لبنان وخارجه، فكانت لغة تواصل، محببة إلى قلوبهم».
ولكن لماذا لم يطل «مزيج» بعد في مهرجان فني لبناني؟ يرد في سياق حديثه: «لأنني أنتظر المشاركة ضمن مهرجان يشبهنا. فموسيقانا ليست سهلة بل دسمة وغنية تمزج بين الحداثة والتراث. وهو ما نحاول تعريفه للناس وتقريبه منهم، لأن أعمالنا هي أقرب إلى الموسيقى الكلاسيكية. وهو ما أسهم في انتشارها في أوروبا وأميركا، وقد لمسنا ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
كان عمر لوكاس صقر لا يتعدى الـ16 عاماً عندما ألف عملاً موسيقياً، دفع بالمايسترو اللبناني الراحل وليد غلمية، أن يقدمه ضمن أوركسترا سيمفونية شرقية. «كان اسم المقطوعة (ياسمينا)، وهي من تأليفي، واعتبر نفسي لم أتعد على الموسيقى الشرقية ولا الغربية لأنني درستها في المعهد الموسيقى الوطني. ومن ثم تعمقت فيها كي أقرب صلة الوصل بين هاتين الحضارتين».
تربى لوكاس صقر على الموسيقى الشرقية، ومنذ كان فتياً واكب أعمال الرحابنة ومسرحهم وكذلك موسيقى فليمون وهبة وزكي ناصيف ووديع الصافي وغيرهم. ويعتبر أن أهم ما حققه حتى اليوم هو فيديو موسيقي مصور أطلقه في مناسبة عيد الميلاد. «استيقظت من نومي إثر إطلاق العمل، لأجد أنه حصد نصف مليون مشاهدة. كان الأمر مفاجأة بالنسبة لي لم أتوقعها».
يكرم مشروع «مزيج» فنانين عرباً أمثال وديع الصافي وكاظم الساهر وماجدة الرومي وحسين الجسمي، فأدخلهم في صلب موضوعات موسيقاه وأغانيه. وفي عمله «بساط الريح» في جزئه الأول مر على موسيقى الأردن والإمارات ولبنان وسوريا والعراق. «لقد زرنا جميع هذه البلدان وقدمنا موسيقى من تراثها لنجوم فيها أمثال أياد الريماوي من سوريا، ومزيج أغنيات شعبية أردنية وأخرى خاصة بملك الأردن».
ينتظر محبو هذا المشروع عمله المرتقب «الدلعونا»، الذي يليه مباشرة «بساط الريح» في جزئه الثاني. «الأول يمتد من الأردن وصولاً إلى لبنان. أما الثاني فأتكتم على تفاصيله إلى حين جهوزيته، ولكنه سيمر بدوره على 5 بلدان عربية جديدة. فالمشروع يسلط الضوء على رحلة موسيقية قمنا بها على 10 بلدان نسترجع معها الموسيقى الفولكلورية. فمن إنجازات مشروع (مزيج) 50 فيديو مصوراً موسيقياً، ومع (بساط الريح) نكون قد أكملنا الـ60 عملاً».
وعن كيفية تفكيره بالغد، يختم قائلاً: «الغد هو لموسيقى الفولكلور التي سأركز عليها بشكل مباشر. فمعها وجدت نفسي بعد أن خاطبت فكري الموسيقي. فأتمنى أن أنكب عليها بجهد وآخذ معي كل من يهوى الموسيقى ويتذوقها».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)