كيف تسلل فستان «الفينتاج» إلى السجادة الحمراء ليصبح ظاهرة

برين جونز صاحبة متجر «أرالدا فينتاج» وقد ارتدت فستاناً قديم التصميم من «باكو رابان» (نيويورك تايمز)
برين جونز صاحبة متجر «أرالدا فينتاج» وقد ارتدت فستاناً قديم التصميم من «باكو رابان» (نيويورك تايمز)
TT

كيف تسلل فستان «الفينتاج» إلى السجادة الحمراء ليصبح ظاهرة

برين جونز صاحبة متجر «أرالدا فينتاج» وقد ارتدت فستاناً قديم التصميم من «باكو رابان» (نيويورك تايمز)
برين جونز صاحبة متجر «أرالدا فينتاج» وقد ارتدت فستاناً قديم التصميم من «باكو رابان» (نيويورك تايمز)

السجادة الحمراء مثل البورصة المالية؛ بل ربما السجادة الحمراء أكثر شهرة؛ كما أن هناك أموالاً كثيرة مطروحة على الطاولة.
ولكن مثلها في ذلك مثل عديد من البورصات المالية، تتسم معاملاتها غالباً بالغموض؛ حيث يقال إن بيوت الأزياء الشهيرة تدفع مبالغ مالية غير معلن عنها للمشاهير، حتى يكونوا «سفراء» لها، بارتدائهم أزياء بتوقيعاتها. وطبعاً لا يشمل هذا الدلال الجميع.
مؤخراً، لاحظنا ظاهرة جديدة على السجادة الحمراء، تتمثل في ظهور عديد من النجمات بأزياء «معتقة» إن صح القول، أو ما يُعرف بموضة «الفينتاج». ويتوقع استمرار هذه الظاهرة في موسم الجوائز المقبل، حتى لو لم يتم بعد التخطيط لنقل حفل جوائز «غولدن غلوب» عبر التلفاز.
علامة بارزة: في الخريف الماضي، لبست أوليفيا رودريغو ثوب حورية البحر، في حفل جوائز «إم تي في للأغاني المصورة»، وكان يحمل توقيع دار «فيرساتشي»، من تشكيلة يعود تاريخها إلى عام 2001، بينما ارتدت زيندايا في حفل جوائز الكرة الذهبية في باريس زياً من روبرتو كافالي يعود إلى عام 2000. وفي احتفالية «ميت غالا» للأزياء، اختارت أديسون راي زياً أحمر اللون ضيق الخصر من «غوتشي»، يرجع لسنة 2003.
وتقول شيري بالش، جامعة التحف والعاديات القديمة ومالكة متجر «شريمتون كوتور»: «يدرك مزيد ومزيد من الناس أن ما نشاهده على السجادة الحمراء يُدفع ثمنه، وأنها فرصة لعرض أزياء ومجوهرات لعلامات تجارية كبيرة». ففي عام 2008 على سبيل المثال، كشفت دعوى قضائية أن الممثلة شارليز ثيرون تلقت 200 ألف دولار أميركي، مقابل ارتداء مجوهرات «شوبارد» في حفل توزيع جوائز «الأوسكار» قبل عامين.
وأضافت بالش: «لذلك عندما يختار شخص ما ارتداء أزياء من تشكيلات قديمة، فإنهم يقولون: أنا مجرد فرد هنا. وأنا أرتدي هذا لأنني أحب شكله، وكيف يبدو عليّ.، ولا أهتم بأنه لا يخضع لرعاية شخص بعينه. وهذا يبدو أكثر أصالة بالنسبة لعديد من الناس في عالم الشهرة».
لطالما كان للأزياء «الفينتاج» حضور واضح على السجادة الحمراء؛ لنأخذ مثلاً فستان «ديور» من خمسينات القرن الماضي الذي ارتدته ريس ويذرسبون في حفل جوائز «الأوسكار» عام 2006، أو جوليا روبرتس التي كسرت قواعد أزياء «الأوسكار» في عام 2001، بارتدائها فستاناً من تشكيلة قدمتها دار «فالنتينو» في عام 1992.
لكن هواة الاقتناء، بما في ذلك السيدة بالش، يقولون إن الطلب الحالي لم يكن أعلى من أي وقت مضى (حتى مع تأجيل الفعاليات الكبرى بصفة مستمرة أو تصعيدها خلال الوباء). إنهم يصلون إلى مستهلكين جدد، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى وجود مزيد من المشاهير والمصممين الذين يمنحونهم ثقتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإعادة صياغة الكيفية التي يمارسون بها أعمالهم.
أما متجر «أرالدا فينتاج» الذي زود أوليفيا رودريغو بأقراط فراشة الكركدن التي كانت ترتديها في حفل جوائز «إم تي في للأغاني المصورة»، بالإضافة إلى سترة «شانيل» من التسعينات التي كانت ترتديها في البيت الأبيض في يوليو (تموز)، فيوجد في بيتشوود كانيون، في لوس أنجليس، وهو حي هادئ أصبح أقل هدوءاً نوعاً ما في عام 2020، بعد أن ذكر هاري ستايلز اسم مقهى محلي في أغنية، واجتذب حشداً من الزوار الجدد المتحمسين. ويبدو المتجر الصغير وكأنه «مغارة علي بابا»، مع الإضاءة الخفيفة الدافئة، ورفوف من الترتر، والريش، والتول المبطن للجدران.
وقالت برين جونز، صاحبة المتجر، إنها تعتزم افتتاح متجر ثانٍ هذا العام في حي لوس فيليز، سيكون بمساحة أكبر، مع مزيد من الملابس «الفينتاج» غير المصنفة، مع أسعار معقولة، في حين أن المتجر الأصغر سيبقى مجهزاً بنوع من القطع المؤرشفة الراقية التي يبحث عنها المشاهير والمصممون.
ويتردد أنه عندما أراد جاستن بيبر شراء منتجات قديمة وأصيلة لزوجته هيلي في عيد ميلادها، تواصل مع مصممة الأزياء الخاصة بهم، كارلا ويلش، من متجر «أرالدا فينتاج» حسبما قالت جونز.
وأضافت السيدة جونز أنه عندما يتعلق الأمر بالحصول على مظهر «الفينتاج» على السجادة الحمراء، فإن التحدي الأكبر غالباً ما يتمثل في تحديد المقاس. والتغييرات المؤقتة قد تكون مطلوبة لتحقيق التناسب المثالي، ولكن ليس من دون المخاطرة بالهيكل الأصلي للقطعة القديمة.
هواة جمع القطع القديمة، بطبيعة حالهم، يهتمون كثيراً بالمحافظة عليها. وفي حين أن البعض لديهم متاجر للبيع، مثل جونز وبالش، فإن البعض الآخر يكتفي باستئجار هذه القطع.
هايلي ليدو، عاشقة أخرى لـ«الفينتاج»؛ حيث يمتلئ متجرها «ليدو أركايف» بملابس من تشكيلات قديمة. المتجر عبارة عن منزل مترامي الأطراف في لوس فيليز، ومشبع بروح جاذبة تتسم بها حقبة التسعينات. تقول: «أشعر بقوة دافعة تجاه منح القطع منزلاً دائماً». هناك كثير من اللون الوردي، والمطبوعات المشوشة، والدعائم الضخمة، والدمى ذات الشعر المستعار في كل مكان. وأضافت قائلة: «إنه أمر صعب؛ لأنه من الناحية المالية سيكون مفيداً أكثر إذا بعت تلك القطع، ولكنني لا أبيعها أبداً».
وأشارت أيضاً إلى أن هناك مخاطر أكثر عند ارتداء هذه الأزياء في فعالية مباشرة، من تلك التي تظهر في صورة فوتوغرافية معدلة بالنسبة للمشاهير، شارحة: «عندما تكون على السجادة الحمراء، فمن الضروري أن تكون مثالياً، بينما الملابس (الفينتاج) ليست مثالية دائماً». تشارك بالش التي تدير «شريمتون كوتور» مشاعر مماثلة مع 88500 من متابعيها على «إنستغرام»؛ حيث تحب أن تقدم تواريخ قطعها الكلاسيكية: مَن صنعها، مَن ارتداها، لماذا هي مميزة؛ قصص لا توجد بالضرورة حتى الآن لفساتين السجادة الحمراء الجديدة.
تقول بالش: «لقد قلت في الماضي: كلما ارتدى شخص ما ثياباً من الماضي، فإن ذلك أشبه بالمعجزة. ليس لأن الأمر مثير فحسب؛ بل لأنه يعيدها للذاكرة؛ خصوصاً أنه بإمكان هؤلاء المشاهير الحصول على أي شيء».
وبعيداً عن التحدي المتمثل في تحقيق التوافق السليم، أو التنافس مع العلامات التجارية التي تدفع للمشاهير لكي يرتدوا تصميماتها، فقد تكون بعض التصميمات الكلاسيكية هشة للغاية. فالملابس قد لا تكون مناسبة للجلوس على العشاء، وتبادل أطراف الحديث لمدة طويلة في حفل «غولدن غلوب»، على سبيل المثال، بالإضافة إلى موكب العرض وحفلات ما بعد العرض. من هنا يميل المشاهير إلى قطع كلاسيكية بغض النظر عن تاريخها؛ خصوصاً عندما تكون مناسبة لمختلف الأزمنة. في هذه الحالة، فإنها تكون أكثر انسيابية على السجادة الحمراء.
ما عزز هذه الظاهرة مؤخراً، أن عدة مجلات عالمية، ومنها مجلة «فوغ»، امتدحت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي الممثلة السمراء روث نيغا، بطلة فيلم «باسينج» 2021، لارتدائها فستاناً من عام 1992 من تصاميم «أرنولد سكاسي»، بأكمام الزمرد المخملية المنتفخة على طراز فستان الأميرة ديانا، والذي استعاره مصممها الخاص، ويلش، من متجر «شريمتون كوتور».
كل هذا أثَّر على الرأي العام بشأن القطع الكلاسيكية أيضاً. قالت ليدو متذكرة عملها متدربة في مجلات الأزياء في أواخر سنوات مراهقتها، ثم ترقيها كمساعدة للعلاقات العامة في أوائل العشرينات من عمرها: «كنت دائماً الشخصية الغريبة». كما اعترفت جونز بأنها كانت في سنواتها المبكرة مراهقة متمردة في أوريغون، وكانت تهرب من الواقع من خلال المجلات، وتلفزيون «إم تي في»، وشرائط الفيديو الخاصة بالسجاد الأحمر لحفلات الجوائز الشهيرة.
تقول بالش: «عندما كبرت ونضجت، تعلمت النساء أنه لا ينبغي أن يُشاهَدن في الفعاليات العامة وهن يرتدين الشيء نفسه مرتين. ولم تكن تلك مجرد قاعدة غير مُعلنة؛ بل كانت قاعدة فعلية مكتوبة على غلاف مجلات كثيرة. أما الآن فالصورة تبدو عكس ما كانت عليه، إلى حد أن التساؤل اليوم هو: لماذا لم ترتدِ زياً كلاسيكياً على السجادة الحمراء بعد؟».

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».