«المهرجان السعودي للتصميم» تاريخ جديد للثقافة الإبداعية

قطع إبداعية من روح الخط العربي  -  رسومات الفنانة السعودية وِد جمجوم على قطع «الهوديز» في تصاميم ابتكارية
قطع إبداعية من روح الخط العربي - رسومات الفنانة السعودية وِد جمجوم على قطع «الهوديز» في تصاميم ابتكارية
TT

«المهرجان السعودي للتصميم» تاريخ جديد للثقافة الإبداعية

قطع إبداعية من روح الخط العربي  -  رسومات الفنانة السعودية وِد جمجوم على قطع «الهوديز» في تصاميم ابتكارية
قطع إبداعية من روح الخط العربي - رسومات الفنانة السعودية وِد جمجوم على قطع «الهوديز» في تصاميم ابتكارية

في خطوة لإيقاد شعلة الإلهام والإبداع، ينطلق اليوم الأحد «المهرجان السعودي للتصميم»، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، الذي تقدمه هيئة فنون العمارة والتصميم، في منطقة جاكس في الدرعية، بشعار «تواصل - ابتكار - تعاون»، الذي يسعى لتحويل الرياض إلى مركز للحوار الإبداعي، وذلك على مدى ثلاثة أسابيع، حيث دعا المهرجان كافة المصممين للمشاركة في صناعة التاريخ الثقافي الإبداعي للسعودية.
ووقوفاً على تجربة إبداعية مشاركة، ترى سيدة الأعمال السعودية عبير العيسى، أن الخشب ليس من المواد الجامدة، بل هو «كائن حي يتحول مع مرور الوقت»، فهي تجعله يشعر وينطق ويسرد حكاياتٍ مضت، من خلال تطويع الخط العربي في نحت قصص مستوحاة من عمق التراث السعودي، عبر مشروعها «طِيب».
وتوضح العيسى لـ«الشرق الأوسط» أنها تدير فريقاً من الحرفيين الذين يشتغلون يدوياً على كل قطعة، مع حرصها على ربط قطع المنحوتات الخشبية بتاريخ الأجداد وإضفاء لمسة عصرية عليها، مؤكدة أن ولادة مشروعها انبثقت مع رؤية وزارة الثقافة والتوجه لتعزيز الثقافة السعودية (العربية والإسلامية)، والاعتناء بالخط العربي باعتباره الوعاء الناقل لهذه الثقافة العريقة.
ومؤخراً، طلب متجر «هارودز» الشهير بلندن، من العيسى، توريد قطع من منتجاتها، بهدف تقديمها كهدايا فاخرة إلى كبار العملاء، وهو تعاون تعتز به العيسى، مؤكدة أنها تعمل جاهدة على إيصال الهوية الثقافية السعودية عبر الأعمال الحرفية إلى الانتشار العالمي. والعيسى، التي عملت شركتها على تقديم الهدايا الدعائية لـ«فورمولا 1» الذي أقيم بجدة مؤخراً، تنقل خبرة 10 سنوات في مجال الدعاية والإعلان، إلى عمل إبداعي يمزج بين الهوية السعودية للثقافة العربية والإسلامية وبين الحداثة وطابع الفن المعاصر.
وعن مشاركتها في المهرجان السعودي للتصميم، تفيد العيسى بأنها تأتي لعرض قصة المنتج والتعريف بثقافة الفن العربي الإسلامي ومنتجات الخط العربي والأعمال اليدوية وثقافة دمج التصميم العصري بالثقافة المحلية، متأملة أن يلهم المهرجان في مجال الحوار الإبداعي وخلق فرص التعاون بين المصممين، وتضيف: «هذا الحدث الكبير هو من أهم التجمعات للمصممين».
وفي مشروع إبداعي آخر، تسافر المصممة السعودية وِد جمجوم، من جدة إلى الرياض، للمشاركة في المهرجان، وهي التي أطلقت علامتها التجارية أواخر عام 2019. تحكي جمجوم لـ«الشرق الأوسط» قصة مشروعها بالقول: «أحببت الرسم منذ كنت صغيرة، وقبل 4 سنوات بدأت آخذ الأمر بجدية، وصرت أرسم على اللوحات، ثم اتجهت لوضع رسماتي على قطع (الهوديز)، ولقيت تشجيعاً من أهلي على الاستمرار». ورغم أن بدايتها تزامنت مع جائحة «كورونا»، إلا أن ذلك لم يهبط عزيمتها، حيث اتجهت للبيع إلكترونياً بدلاً من المتاجر التقليدية.
وِد التي شقت طريقها بعمر 18 عاماً، تصف ذلك بالتحدي، مشيرة إلى حرصها على أن تكون كل قطع الملابس التابعة لعلامتها التجارية هي من رسمها الخاص، إذ لا تستخدم رسومات من مكان آخر، إلى جانب استعمالها لخامات ومكونات صديقة للبيئة، مما يجعلها تمزج الفن المعاصر بالأناقة ورسالة الحفاظ على كوكب الأرض.
ليس هذا كل شيء، إذ تتنوع المشاريع المشاركة في المهرجان السعودي للتصميم ما بين الأعمال الفنية وقطع الأزياء ومنتجات المنزل والديكور، من ذلك «كرسي التيلة» الذي يعرض في المهرجان، من تصميم شيبرد ستوديو، وهو يأتي بصناعة يدوية تتألف من 201 كرة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، ويستلهم «كرسي التيلة» تصميمه الجمالي من اللعبة الشعبية المعروفة في الخليج العربي بالتيلة، ليعكس مفهوم الكثافة بالنظر للطبيعة الجماعية للعبة.
وإجمالاً، فإن كل المشاريع المشاركة في المهرجان تدمج الحس الإبداعي مع طابع الفن المعاصر، وتقديم أفكار ابتكارية تدهش من يطلع عليها، خصوصاً مع كون المهرجان يركز على القوة التحويلية في التصميم، ويجمع المجتمع للاحتفال بالتصميم، وإعادة تصور المستقبل، والتواصل، ليكون جزءاً من الثقافة العالمية والخريطة الإبداعية.
وينطلق المهرجان السعودي للتصميم رسمياً اليوم، في حين يفتح أبوابه للجمهور غداً الاثنين وحتى تاريخ 29 من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي. وبقيادة الفريق الذي وقف وراء الأسبوع السعودي للتصميم (2014 - 2019) «شركة الواحة»، تم بناء فكرة «المهرجان السعودي للتصميم» برؤية إنشاء منصة ترعى الحوار، وتزود المواهب المحلية بالفرص.
كما أعلن المهرجان عن استضافة الفنانة السعودية لولوة الحمود كسفيرة للتصميم، انطلاقاً مما تميزت به أعمال الحمود كفنانة سعودية وقيمة، إلى جانب استضافة الفنان الإماراتي محمد كاظم كسفير للتصميم، كي يعرض التقاطع بين التصميم والثقافة، لتكون الهوية والتمثيل الإبداعي جزءاً من المهرجان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».