مصر و«الجمهورية الجديدة» مسارات العمران والمواطنة

(تحليل إخباري)

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)
TT

مصر و«الجمهورية الجديدة» مسارات العمران والمواطنة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)

لم يكن حديث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن «الجمهورية الجديدة»، أثناء كلمته في احتفالية مسيحيي البلاد بـ«عيد الميلاد»، قبل أيام، هو الأول من نوعه الذي يأتي فيه على ذكر هذا الوصف كمرادف لرئاسته، غير أنه ارتبط ضمنياً منذ أطلقه الرئيس في مارس (آذار) الماضي - لدى حديثه عن قرب الانتقال إلى «العاصمة الإدارية الجديدة» - بمشروعات التوسع العمراني.
الجديد هذه المرة أن إشارة الرئيس المصري لـ«الجمهورية الجديدة» جاءت في سياق داعم لحقوق المواطنين الأقباط ومجابهة «التمييز» ما عبّر عن تصور إضافي لمكوناتها؛ خاصة وأن إفادة السيسي جاءت من مقر «كاتدرائية ميلاد السيد المسيح» التي تقول الحكومة إنها «الأكبر (مساحة) في الشرق الأوسط» في «العاصمة الإدارية الجديدة»، في تماس ما بين مساري العمران والمواطنة.
ومصر التي طالما ظل وضع «الأقباط» فيها، خلال الأربعين سنة الماضية تقريباً، واحداً من أبرز ملفات الضغط على إدارتها من قبل عواصم أجنبية أبرزها واشنطن؛ تمكنت، خلال السنوات الثماني الماضية، من سد فجوات عدة فيما يتعلق بالمواطنة وحماية دور العبادة بعد هجمات دامية، وتعزيز تمثيل المرأة.
ووفق الإفادات الرسمية لـ«المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري»، فإن اللجنة الحكومية المعنية ببناء الكنائس، أصدرت منذ مايو (أيار) 2018 وحتى يناير (كانون الثاني) 2022، قرارات تتعلق (بتوفيق وتقنين أوضاع) 2162 كنيسة ومبنى تابعاً، بواقع 1186 كنيسة و976 مبنى في محافظات مصرية مختلفة.
وبالعودة إلى كلمة الرئيس المصري، في كاتدرائية الأقباط بـ«العاصمة الإدارية الجديدة»، فإنها بدت مُحملة برسائل عدة داخلية وخارجية، فضلاً عما تضمنته من تعبيرات وأوصاف بشأن «الجمهورية الجديدة» وإشارات تتعلق بدورها.
وعلى مستوى الرسائل الداخلية، فإن السيسي، حرص على توجيه الكلام لعموم المصريين وحديثه عن أن «الجمهورية الجديدة تتسع للجميع دون فرق أو تمييز... نعيش في سلام وأمان مع بعض»، فضلاً عن رسالة داخلية - خارجية مزدوجة (دون تسمية) تحدث خلالها لمواطنيه وقال: «لكل المصريين، اوعوا (حذار) حد يدخل بينا.. اوعوا حد يفتنّا.. لأن ده (هذا) لن ينتهي... كلما استكملنا ونجحنا».
كما دخل السيسي في كلمته على خط مجابهة دعوات «متطرفة» طالما تطفو على سطح وسائل التواصل الاجتماعي بشأن عدم جواز تهنئة المسلمين للأقباط في أعيادهم، وذلك على الرغم من مهاجمة «الأزهر الشريف»، و«دار الإفتاء» لتلك الدعوات، وجاء تعليق الرئيس المصري، مرسخاً لمكانة المواطنين الأقباط ودور عبادتهم، وقال إن «الله هو الذي يحمي بيوته، ونحن في بيت من بيوت ربنا».
وللعلم فإن المرة الأولى التي فرض فيها السيسي «حالة الطوارئ»، كانت في أبريل (نيسان) 2017 بعد تفجيرين استهدفا كنيستين وأوقعا نحو 45 قتيلاً وعشرات المصابين، وظلت قائمة مع فوارق زمنية محدودة حتى قرر الرئيس المصري، وقفها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبالنظر إلى أوصاف «الجمهورية الجديدة» في إفادة الرئيس المصري، فإنها عبّرت بصورة ما عن تطورات في خطاب رئيس البلاد بشأن دور الدولة في ظل حكمه؛ خاصة عند حديثه عن أن «الجمهورية الجديدة هي الحلم والأمل والعمل... القادرة وليست الغاشمة». وبينما يبدو تعبير «الغاشمة» غريباً على سياق «تهنئة»، فإن التدقيق في المرة الأولى التي استخدم فيها السيسي تعبير «كل القوة الغاشمة»، بل ودافع عنه في مواجهة منتقدين، كان في سياق تعهده وتكليفه لقواته بالرد «بكل القوة الغاشمة» على «هجوم إرهابي استهدف مسجداً في مدينة العريش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وأسفر عن سقوط 305 ضحايا».
ويبدو أن حديث الرئيس المصري عن «جمهورية جديدة قادرة وليست غاشمة» جاء متوافقاً ومواكباً لتراجع لافت في «الهجمات الإرهابية» في أنحاء البلاد كافة.
وإذا كانت ملامح «الجمهورية الجديدة» على مستوى العمران والمواطنة تتكشف تباعاً، فإنها وعلى مستوى «الحريات وحقوق الإنسان»، لا تزال قيد التشكيل، وفق ما تطرحه مصر من «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» التي أطلقها الرئيس المصري، في سبتمبر (أيلول) الماضي، ويقول إنها تطرح رؤية «ذات خصوصية تتعلق بحالة بلاده».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».