أميركا اللاتينية تسابق الدول الغنية في جهود التلقيح

ارتفاع الوفيات وتعطل الاقتصاد دفعا السكان للتحصين ضد «كورونا»

مركز فحص «كورونا» في مدينة ريو دي جانيرو أول من أمس (رويترز)
مركز فحص «كورونا» في مدينة ريو دي جانيرو أول من أمس (رويترز)
TT

أميركا اللاتينية تسابق الدول الغنية في جهود التلقيح

مركز فحص «كورونا» في مدينة ريو دي جانيرو أول من أمس (رويترز)
مركز فحص «كورونا» في مدينة ريو دي جانيرو أول من أمس (رويترز)

بعد أن تجاوزت الأضرار البشرية لجائحة «كوفيد - 19» 5.5 مليون ضحية و300 مليون إصابة في العالم، ولا تزال اللقاحات هي السلاح الوحيد الفاعل للتصدي لها، تجهد الحكومات لتوسيع دائرة التغطية اللقاحية لتشمل أعلى نسبة ممكنة من السكان، فيما تتفاوت معدلات هذه التغطية بين البلدان الغنية والفقيرة بشكل صارخ وتهدد بظهور متحورات جديدة قد تعيد معركة المكافحة إلى مربعها الأول، كما تحذّر الأوساط العلمية منذ أشهر.
وبينما يسود الاعتقاد بأن أوروبا الغربية والولايات المتحدة هي التي تقود المشهد اللقاحي العالمي، بفضل الكميات الكبيرة من الجرعات التي سارعت إلى شرائها والقدرات التقنية واللوجيستية العالية لمنظوماتها الصحية، كشفت البيانات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية أن أميركا الجنوبية هي المنطقة التي تتصدّر السباق العالمي للتلقيح، رغم أنها تقع في المنطقة التي تسجّل أعلى مستوى في التفاوت الاجتماعي بين بلدان العالم.
وكانت المؤشرات الأولى على هذا التصدّر قد ظهرت أواخر الشهر الماضي، عندما أفادت إحصاءات المؤسسة الدولية للبيانات بأن أميركا الجنوبية تحتل المركز الأول في العالم، من حيث نسبة السكان الذين تناولوا اللقاح. فيما أكّد التحديث الأخير لبيانات منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، أن هذه المنطقة ما زالت تحتل موقع الصدارة بنسبة 76 في المائة من السكان الذين تلقوّا جرعة واحدة من اللقاح و64 في المائة تلقوا الدورة الكاملة، مقابل 66 في المائة و62 في المائة في أوروبا، و74 في المائة و62 في المائة في الولايات المتحدة اللتين تملكان قدرات أكبر بكثير من بلدان أميركا الجنوبية على شراء اللقاحات وتوزيعها.
- معدلات تلقيح مرتفعة
أمام هذه الأرقام، لا بد من طرح السؤال التالي: كيف تمكنّت هذه المنطقة التي يوجد فيها البلد الذي يسجّل أعلى معدل عالمي من الوفيات بسبب «كوفيد - 19» نسبة إلى عدد السكان (بيرو)، والدولة الثانية عالمياً من حيث العدد الإجمالي من الوفيات (البرازيل)، من أن تصبح الأولى في التغطية اللقاحية؟
يقول الخبراء إن بعض الإجابة يكمن في السؤال ذاته، أي الخوف الذي تملّك السكّان من الأضرار البشرية الفادحة التي أوقعها الفيروس، والذي تجاوز مفاعيل الحملات المضادة للتلقيح والإشاعات عن محاذيره ونظرية المؤامرة التي كان الرئيس البرازيلي في طليعة روّادها. لكن هذا وحده لا يكفي لتفسير هذا التقدّم في مستوى التمنيع الذي حققته هذه المجتمعات التي اضطرت لتذليل عقبات اقتصادية وجغرافية وبنيوية لا تعرفها الدول الغنية.
وترى ماري لو فالديز، نائبة مدير المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في القارة الأميركية، أن الإجابة عن هذا السؤال تتباين بتفاوت البلدان وظروفها الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن ثمة قواسم مشتركة بينها مثل التقاليد التلقيحية الراسخة منذ عقود، والمنظومات الصحية التي برغم الإنهاك الذي أصابها جراء الجائحة حافظت على قدرات هيكلية أمكن تفعيلها لحملات التلقيح، فضلاً عن مقتضيات البقاء ومواصلة النشاط الاقتصادي في بلدان تعتمد بنسبة عالية على القطاع غير المنظم.
- مفارقة البرازيل
ومن الحالات اللافتة جداً في هذا الإقليم، أن معدّل البرازيليين الذين تلقوا اللقاح يتجاوز المعدل العالمي، ما يشكّل إنجازاً استثنائياً في أكبر بلدان المنطقة من حيث عدد السكان ويرأسه أحد القادة القلائل الذين عارضوا بشدة حملات التلقيح وأسهموا في نشر أنباء مضللة عنها. وتبلغ نسبة الذين تلقوا الدورة الكاملة من اللقاح في البرازيل حالياً 67 في المائة من مجموع السكان البالغ عددهم 210 ملايين، وفقاً للمؤسسة الدولية للبيانات.
ويعود هذا النجاح لسببين. أولاً، امتداد المنظومة الصحية البرازيلية التي تصل خدماتها إلى جميع المناطق النائية في البلاد. وثانياً، تذليل العقبات الأولية التي واجهتها البرازيل لشراء اللقاحات ما أتاح للمنظومة الصحية أن تعمل بكامل طاقتها، حيث تمكنت خلال المراحل الأولى من توزيع مليوني جرعة لقاح يومياً. يضاف إلى ذلك أن الخوف من سرعة انتشار المتحور الجديد دفع إلى تقصير المهلة الفاصلة بين الجرعتين الأولى والثانية. ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في هذا النجاح أن النخبة الاقتصادية ضغطت بكامل قوتها على الحكومة، وأقنعتها بضرورة التلقيح بعد أن تيقّنت من اعتماد النشاط الاقتصادي عليها، كما أن نسبة عالية من الشباب أقبلت على اللقاح كي لا تضيّع عليها فرصة المشاركة في الكرنفال الذي يعد أهم الأعياد التي ينتظرها البرازيليون.
- ثقافة صحية راسخة
في الأرجنتين، تلقّى 84 في المائة من السكان جرعة واحدة من اللقاح، وتلقّى 73 في المائة الدورة الكاملة، فيما تلقّى 14 في المائة الجرعة المعززة. وتقول منظمة الصحة إن الثقافة الصحية الراسخة في الأرجنتين هي من أسباب نجاح حملتها التلقيحية، علماً بأن الأطفال يتلقون لقاحهم الأول بعد دقائق من الولادة، ويُشترط لالتحاقهم بالمدارس لاحقاً إبراز شهادة بتناول جميع اللقاحات الإلزامية. يضاف إلى ذلك أن سابقة إنفلونزا N1H1 ساعدت في إدراج حدث استثنائي ضمن الجدول الزمني المعتاد للقاحات. وتجدر الإشارة إلى أن الارجنتين واجهت صعوبات كبيرة لتأمين اللقاحات، بعد أن فشل مشروع الاتفاق مع «أسترازينيكا» لإنتاج اللقاح مع المكسيك واتجاهها لشراء اللقاح الروسي «سبوتنيك» الذي كانت من البلدان الأولى التي وافقت على استخدامه.
أما تشيلي، فهي تتصدر بلدان الإقليم منذ بداية حملات التلقيح. وأعلن رئيس الجمهورية سباستيان بينييرا مؤخراً أن توزيع الجرعة المعززة من اللقاحات سيبدأ يوم الاثنين المقبل، مع الفئات التي تعاني من وهن في جهاز المناعة. وقد تمكّنت تشيلي من تلقيح 92.2 في المائة من سكانها بالدورة الكاملة، وهي من أعلى المعدلات في العالم.
ومن أسباب نجاح حملة التلقيح في تشيلي فاعلية نظامها الصحي الذي تأسس في خمسينات القرن الماضي، واقتصادها الليبرالي الذي ساعد في إبرام عقود شراء اللقاحات بسرعة في القطاعين العمومي والخاص اللذين يتعاونان بشكل وثيق في التصدي للجائحة وتداعياتها.
- حصيلة وفيات ثقيلة
من جهتها، تمكّنت بيرو من تلقيح 80 في المائة من سكانها الذين تجاوزوا الثانية عشرة من العمر، علماً بأنها الدولة التي تسجّل أعلى معدّل وفيات في العالم بسبب «كوفيد - 19» قياساً بعدد السكان (ستة آلاف حالة لكل مائة ألف مواطن)، وأكبر عدد من الأطفال الأيتام بسبب الفيروس. ويقول الخبراء إن الدافع الأساسي وراء هذا الإقبال على اللقاحات، خصوصاً في النصف الثاني من العام الماضي، يعود إلى الهلع الذي تملّك الناس من مشاهد الموت والمآسي التي خلّفها الوباء، وذلك رغم الحملات النشطة التي قامت بها الفئات المعارضة للقاحات.


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
TT

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

وقالت الوكالة إن هذه الحالة المتعلقة بالسفر مرتبطة بتفشي السلالة الفرعية 1 من المرض في وسط وشرق أفريقيا.

وأضافت الوكالة في بيان «سعى الشخص إلى الحصول على رعاية طبية لأعراض جدري القردة في كندا بعد وقت قصير من عودته ويخضع للعزل في الوقت الراهن».

وقالت منظمة الصحة العالمية أمس (الجمعة) إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة عالمية بسبب جدري القردة للمرة الثانية خلال عامين في أغسطس (آب) بعد انتشار سلالة جديدة من الفيروس، هي السلالة الفرعية 1 بي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الدول المجاورة.

وقالت وكالة الصحة العامة الكندية إنه رغم أن المخاطر التي تهدد السكان في كندا في هذا الوقت لا تزال منخفضة، فإنها تواصل مراقبة الوضع باستمرار. كما قالت إن فحصاً للصحة العامة، بما في ذلك تتبع المخالطين، مستمر.