بعد 40 عامًا على حرب فيتنام.. أبناء يبحثون عن آبائهم «الجنود الأميركيين»

برنامج للم الشمل يصطدم ببعد المسافات وتعقيدات فحص الحمض النووي

صورة لهو نيان (يمين) الذي ولد لأم فيتنامية وأب أميركي، وأخريان لوالده بوب ثيدفيرد (يسار) عندما كان ضابطاً في الستينات
صورة لهو نيان (يمين) الذي ولد لأم فيتنامية وأب أميركي، وأخريان لوالده بوب ثيدفيرد (يسار) عندما كان ضابطاً في الستينات
TT

بعد 40 عامًا على حرب فيتنام.. أبناء يبحثون عن آبائهم «الجنود الأميركيين»

صورة لهو نيان (يمين) الذي ولد لأم فيتنامية وأب أميركي، وأخريان لوالده بوب ثيدفيرد (يسار) عندما كان ضابطاً في الستينات
صورة لهو نيان (يمين) الذي ولد لأم فيتنامية وأب أميركي، وأخريان لوالده بوب ثيدفيرد (يسار) عندما كان ضابطاً في الستينات

كان فو هو نيان في قارب الخضراوات في الأسواق العائمة بدلتا نهر ميكونغ عندما رن هاتفه. كان المتصل من الولايات المتحدة ويحمل نبأ مفاجئا هو أن بيانات الحمض النووي الخاصة به أثبتت أنه ابن أحد قدامى المحاربين في فيتنام.
ما كان يعلمه نيان، البالغ من العمر 46 سنة، هو أن والده كان جنديًا أميركيًا اسمه بوب، ولم يكن يعرف كثيرا من المعلومات عنه. أخذ نيان يروى أخيرًا: «لقد كنت أبكي، فقد فقدت أبي لمدة 40 عاما، والآن ألتقي به أخيرا». لكن مع ذلك لم تكن الرحلة إلى المصالحة سهلة؛ فقد تسببت الأخبار الخاصة بهذه العلاقة في سلسلة من الأحداث شملت أسرتين يفصلهما 8.700 ميل عن بعضهما البعض، ولا تزال تلك الأحداث مستمرة وتزداد تعقيدًا بسبب مرض روبرت ثيدفيرد الجندي السابق المتقاعد حاليًا في تكساس.
عندما غادر آخر الجنود الأميركيين مدينة سايغون في 29 و30 أبريل (نيسان) 1975، تركوا وراءهم بلدا يحمل ندوب الحرب، وشعبا لا يدري ماذا يحمل له المستقبل، والآلاف من أبنائهم. كان بعض هؤلاء الأطفال، به عرق أسود، والبعض الآخر به عرق أبيض، وهم ثمرة علاقات بين ضباط وفتيات هوى، ونادلات، وعاملات تنظيف ملابس، وعاملات كن يملأن أجولة الرمال التي كانت تستخدم في حماية القواعد الأميركية. وصل هؤلاء الأبناء الآن إلى منتصف العمر، ولديهم قصص تماثل في تعقيدها تعقيد البلدين اللتين كانت العلاقة بينهما سبب وجودهم في هذه الحياة؛ أن يكبر المرء وهو يحمل ملامح وجه عدوه أمر يعني التعرض للبصق، والسخرية، والضرب. وتم التخلي عنهم ليرعاهم أقرباء، أو تم بيعهم كعمالة رخيصة. وكثيرا ما كانت تضطر الأسر، التي تتولى رعايتهم، إلى إخفائهم، أو إزالة الخصلات الشقراء أو المتجعدة التي تكشف سرهم. وكان يتم إرسال البعض إلى مؤسسات تعليمية، أو معسكرات عمل، أو كان ينتهي بهم الحال مشردين يعيشون في الشوارع. وكان يطلق عليهم «تراب الحياة».
بعد 40 عاما، لا يزال المئات منهم يقيمون في فيتنام، لكنهم فقراء فقرًا مدقعًا، أو ليس لديهم ما يثبت أحقيتهم بالمشاركة في برنامج تم إنشاؤه طبقا لـ«قانون الأطفال الآسيويين لآباء أميركيين للعودة للديار لعام 1987»، وهو تشريع يهدف لمساعدة أبناء الجنود الأميركيين على الاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية. ودشنت المجموعة أحدث محاولة للجمع بين الآباء والأبناء من خلال عمل قاعدة بيانات الحمض النووي على موقع إلكتروني للإرث العائلي. لا يملك من تم التخلي عنهم سوى معلومات قليلة عن آبائهم الحقيقيين، حيث تم إحراق الأوراق، والصور مع سيطرة النظام الشيوعي، والذكريات تلاشت. ولذا تعد اختبارات الحمض النووي، الأمل الوحيد الباقي.
مدينة هو تشي منه في الربيع تعني أشجار المشمش المزدهرة، التي تعد رمزًا لمهرجان الربيع. تجوب مسيرة لا تنتهي بالدراجات النارية المدينة في دوائر، وتتلألأ متاجر فخمة مثل «غوتشي» بالقرب من سلسلة مطاعم شهيرة مثل «كنتاكي». ولا يوجد أي أثر يذكر لوجود عسكري أميركي باستثناء مروحيات أصابها الصدأ تقبع في باحة متحف أُنشئ لتخليد أمجاد الشيوعية. وعلى الجانب الآخر، تم دفن الأسرار العائلية لتكون بمثابة حقل ألغام.
تريستا غولدبيرغ (44 سنة) معلمة بيلاتس من نيو جيرسي، تفخر بأنها من «الآسيويين لآباء أميركيين»، وهي مؤسسة مجموعة تسمى «عملية لم الشمل». وقد تبنتها أسرة أميركية عام 1974، ووجدت والدتها الحقيقية عام 2001. منذ ربيعين، وصلت إلى منزل في مدينة هو تشي منه، حيث يعيش 80 شخصا تجمعوا من أجل تقديم عينات لاختبار الحمض النووي. وتأمل تريستا أن تستخدم النتائج في مساعدة نحو 400 شخص تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرة أميركية، ولا تزال تلك الطلبات معلقة بسبب عدم وجود أدلة. وقالت: «لولا القدر لكنت من بين هؤلاء الذي ظلوا في البلاد». وتم إجلاء أكثر من 3 آلاف يتيم فيتنامي من فيتنام خلال الأيام الأخيرة للحرب، التي اتسمت بفوضى عارمة. وتغيرت حياة الباقين طبقا لقانون عام 1987 الذي سمح لـ21 ألف آسيوي لأب أميركي وأكثر من 55 ألف فرد من عائلاتهم، بالاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية. وتحول من يطلق عليهم «تراب الحياة» فجأة إلى «أطفال من ذهب». ودفع الأثرياء الفيتناميون المال لشراء هؤلاء الأطفال، والتخلي عنهم بمجرد وصولهم إلى أميركا، بحسب ما قال روبرت ماكيلفي، الطبيب النفسي للأطفال، وضابط في مشاة البحرية الأميركية، وصاحب كتاب: «تراب الحياة: أبناء أميركا المتخلى عنهم في فيتنام».
وبسبب هذا الشكل من الاحتيال، شددت الولايات المتحدة إجراءات الفحص، وانخفض عدد التأشيرات الممنوحة للمهاجرين بشكل كبير، حيث لم يتم منح سوى 3 تأشيرات خلال العام الماضي.
رحل نيان عن منزله في آن جيانغ من أجل جلسة غولدبيرغ الخاصة بالحمض النووي. ونيان رجل هادئ، وأب لـ5 أطفال، تعلم حتى الصف الثالث الابتدائي، تعلو الابتسامة وجهه، وتبرز أذناه قليلا. كانت والدته قد أخبرته عندما كان في العاشرة من العمر أنه ابن لجندي. ويتذكر نيان كيف كان يسأل والدته: «لماذا يتعمد الأطفال إثارة حنقي طوال الوقت؟ هذا يزعجني وأحيانا أريد أن أضربهم». كانت تتوقف عن الحديث قليلا وتخبره أنه طفل هجين وكانت تبدو حزينة، لكن كان جداه يقولان له إنهما يحبانه رغم كل شيء. وبعد أن قدم نيان وآخرون عينة من الحمض النووي الخاص بهم، أخذوا ينتظرون لمعرفة ما إذا كانت التكنولوجيا الحديثة ستمنحهم فرصة لتحقيق الحلم الأميركي القديم.
في الخريف، دخلت لويز، زوجة بوب ثيدفيرد، على حسابها على موقع الحمض النووي لشجرة العائلة الذي يعمل بالتوازي مع جهود غولدبيرغ، ووجدت نتيجة مفاجئة. كانت النتيجة تحمل علاقة جديدة بزوجها هي علاقة ابن بأب وكان الابن هو نيان. كانت لويز تشك في احتمال أن يكون لزوجها ابن أنجبه خلال فترة خدمته في الشرطة العسكرية في فيتنام في نهاية الستينات. كذلك كانت قد وجدت صورة لامرأة فيتنامية داخل محفظته بعد فترة قصيرة من زواجهما. النبأ كان صادما بدرجة أكبر بالنسبة إلى ابنتهما أماندا هيزيل (35 سنة) التي تعمل كمساعدة محام في فورت ورث. وقالت هيزيل: «كان أول خاطر هو التساؤل عما إذا كان في الأمر عملية احتيال». ووصلت صور نيان بعد ذلك بفترة قصيرة.
التقى ثيدفيرد بوالدة نيان وهو في قاعدة كوي نيون الجوية. باتت ذكرياته عنه ضبابية وقالت أسرته إنه نادرا ما يتحدث عن الحرب.
كان ثيدفيرد يعلم هيزيل السباحة وقيادة الدراجة في تكساس، بينما كان نيان يكبر في مزرعة لدى جديه، ويسبح في النهر، ويمسكونه وهو يسرق ثمار المانغو. لم يفت هذا الفارق بين حياة كل منهما ثيدفيرد، حيث قال غينز: «لقد ظل يقول إنه لم يكن يعرف، ولم يكن يعرف كيف يكون هناك. وأخذ يقول إنه يكره أن يكتشف هذا الأمر بعد مرور 45 عاما».
وأعقب ذلك اتصالات أولية رغم أن نيان لا يتحدث الإنجليزية وليس لديه جهاز كومبيوتر. وتم تبادل رسائل بالبريد الإلكتروني من خلال وسطاء.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».