للمرة الثانية، بعد معرضه بـ«رواق تندوف» في 2014 تحت عنوان «الكتابة بالرسم»، الذي قدم فيه للمرة الأولى بالمغرب جانباً آخر من شخصيته كمبدع، يعود الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، إلى مراكش، للمشاركة في معرض جماعي تحت عنوان «مدح الصداقة... مع الطاهر بن جلون»، مقترحاً أعماله وأعمال 13 من أصدقائه الفنانين، وهم لَلا السعيدي ومحمد المليحي وسعد حساني وفؤاد بلامين وحسين ميموني وعبد الحق برهيس وكلاوديو برافو وبيل ويست وأنطوني فراي ومحمد بناني ورشيد بوحاميدي وإلياس سلفاتي ومحمد عنزاوي.
بالنسبة لأبي بكر التملي، مدير أروقة «تندوف»، فـالمعرض الذي يتواصل إلى غاية السادس والعشرين من الشهر الحالي، يقترح أعمال بن جلون وعدد من أصدقائه الفنانين الذين سبق أن كتب عن تجاربهم في مؤلفه «رسالة إلى ماتيس ونصوص أخرى حول الفن» (2013).
وأوضح التملي أن فكرة المعرض جاءت من إدارة رواق «تندوف»، وأنها لاقت ترحيباً من بن جلون بحكم الصداقة التي جمعته بالفنانين الذين يقترح الرواق أعمالهم. ومما جاء في الورقة التقديمية للمعرض: «إذا كنا نعرف الكاتب، فإن فئة قليلة هي التي تعرف الطاهر بن جلون الشاعر، الفنان أو الصديق. يعرف بن جلون كيف يتعامل مع الفرشاة، بالكيفية نفسها التي يتعامل بها مع الكلمات. دعوة حقيقية إلى عالم ملون وغريزي. لوحاته هي قصيدة دائمة للفرح، واللون دليله الوحيد. يسمح بن جلون لنفسه أن ينقاد إلى نقاء البياض أو جمالية الزرقة، فيما الخطوط مبسطة تترك مساحة للخيال والحلم. مقتنعاً بأن الفن سينقذ العالم، يعرف بن جلون كيف يحيط نفسه بكبار الفن التشكيلي المغربي، من قبيل سعد الحساني، فؤاد بلامين، إلياس سيلفاتي، الحسين ميموني، عبد المالك برهيس، محمد المليحي، للا السعيدي وكلاوديو برافو. وهم من بين أقرب أصدقائه. لقد وضع بن جلون مهاراته ككاتب في خدمة أصدقائه من خلال وصف أعمالهم ببراعة». تقترح وثائق المعرض مقتطفات تلخص لكل فنان وكيف يراه بن جلون، ومن ذلك ورقة حول المليحي، حيث نقرأ: «يتردد الرسامون على المغرب بسبب أنواره وأضوائه. عندما تولد وسط النور، يصعب عليك الابتعاد عنه. من الغريب أن هذا العنصر الأساسي نادراً ما يذكر عندما يتعلق الأمر بالرسامين المغاربة.
كل نور هو ناقل لمتعة حسية. يتعلق الأمر هنا، بالنسبة للمليحي، بهوس مثمر. من خلال زراعة مظاهر النور والرياح والشغف بالألوان كعنصر حر معبر عنه بحضوره، حمل المليحي الشعلة إلى الليالي والسماوات، حيث تشارك النجوم في وليمة المتعة الحسية».
وكان بن جلون قد ضمن مؤلفه «رسالة إلى ماتيس ونصوص أخرى حول الفن» نصوصاً تحدث فيها عن تجارب عدد من الرسامين، بينهم المغاربة بلامين والمليحي وبلكاهية والكلاوي والحساني والقاسمي والشعيبية والغرباوي وبناني. وأوضح، بخصوص اهتمامه بهؤلاء التشكيليين المغاربة، أن ذلك راجع إما للعلاقة التي جمعته ببعضهم أو لقيمتهم الفنية. يقول: «محمد المليحي، الذي يتحدر من مدينة أصيلة الأطلسية، الجميلة والفاتنة، كان معي ضمن تجربة (أنفاس)، إضافة إلى محمد شبعة. ثم الغرباوي، الذي التقيته مرتين، بالرباط وباريس، والقاسمي، الذي التقيته، أول مرة، في درس للفلسفة في حضرة محمد عزيز الحبابي، عام 1965، قبل أن ألتقيه، بعد عشرين عاماً، بمناسبة معرض له بباريس، فيما يبقى بلكاهية فناناً من عيار آخر، ويحسب على جيل وتجربة شبعة والمليحي، الذي تعلق بموج المحيط في لوحاته، إلى درجة أنه سمى ابنته (موجة). أما الحساني، فهو فنان ظل يبتكر ألوانه الخاصة، ويجري بشكل دائم، لكي يصل، لذلك ظل يبهرنا بشكل متواصل. وأنا أرى أن علينا أن نحذر من الفنانين الواصلين، فوصولهم سيعني أنه لم يبق أمامهم هامش للإبداع والابتكار». فيما يقول عن تجربتي الغرباوي والشرقاوي: «هما فنانان رحلا في مقتبل العمر. الغرباوي، الذي يعد من مؤسسي الفن التشكيلي المعاصر في المغرب، مات في سن الأربعين، فيما رحل الشرقاوي في سن السادسة والثلاثين. الأول مات بعد رحلة عودة قادته من فرنسا إلى المغرب هرباً من كراهية ولدتها نكسة حرب حزيران، فيما عانى الثاني من الوحدة في باريس، لذلك حملت أعماله رؤية سوداوية للعالم».
وسبق لبن جلون أن عرض أعماله التشكيلية خارج المغرب. وهو يرى أن رسوماته «ثمرة من ثمرات الخيال ودعوة لاكتشاف حلم، ليس أكثر»، هو الذي يتوسل لغة شاعرية، تحاول أن تبرر تجربته على درب الألوان والرسم أمام عشاق الفن التشكيلي ونقاده، بعد أن نال اعتراف نقاد وقراء الشعر والرواية.
عن علاقته بالرسم، يقول بن جلون، «أي فكرة عجيبة، تلك التي تجعلنا نضع الألوان على مشاهد من الحياة، وعلى جمال وأحزان العالم؟ أنا لا أرسم ما أشاهده، بل ما أتخيله. أبتكر فراشات عملاقة لا وجود لها في أي مكان، فأملأها ببقع الألوان. أرسم أضرحة مشرعة على موجات من الأحلام. أرسم فواكه (متفتحة)، حيث الأشجار صواعق، وحيث السماء تنحني على البحر، مندمجة مع المرايا غير الصادقة. أرسم أبواباً دون أن أفتحها. أتذكر الصالحين في نومهم الأبدي، وأضع أشعة الضوء على الجدران، فيما الشمس والقمر عصافير زرقاء أو سوداء تنتشر في سماء ببياض غير واقعي. في كتاباتي، أطارد الوحدة، وأغني في لوحاتي عن الحشد السعيد. أيضاً، الحدائق والبراري لتأخير وتثبيط عزيمة الحزن».
ويعد بن جلون، الذي ولد بمدينة فاس عام 1944، من أشهر المبدعين المغاربة على الصعيد العالمي. تألق في الشعر والرواية. من أشهر رواياته «حرودة» (1973) و«موحى الأحمق... موحى الحكيم» (1981) و«صلاة الغائب» (1981) و«طفل الرمال» (1985) و«ليلة القدر» (1987) و«تلك العتمة الباهرة» (2000) و«أن ترحل» (2006) و«الاستئصال» (2014)، هو الذي ترجمت له رواية «طفل الرمال» إلى 43 لغة، ومؤلف «العنصرية كما شرحتها لابنتي» (1998) إلى 33 لغة، كما حاز عدداً من الجوائز، بينها «غونغور» (1987) و«الأركانة» (2010)، ووشح بأوسمة رفيعة في المغرب والخارج.
«مدح الصداقة... مع الطاهر بن جلون» معرض تشكيلي في مراكش
يشمل أعمال 13 فناناً ضمنهم المليحي وحساني وبلامين وبناني وعنزاوي
«مدح الصداقة... مع الطاهر بن جلون» معرض تشكيلي في مراكش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة