عامان من «كوفيد»... «تضليل هائل» وتدفق كبير للمعلومات المضلّلة

أحد عنابر مرضى «كورونا» في فرنسا (رويترز)
أحد عنابر مرضى «كورونا» في فرنسا (رويترز)
TT

عامان من «كوفيد»... «تضليل هائل» وتدفق كبير للمعلومات المضلّلة

أحد عنابر مرضى «كورونا» في فرنسا (رويترز)
أحد عنابر مرضى «كورونا» في فرنسا (رويترز)

أظهرت جائحة «كوفيد - 19» مدى تأثير المعلومات المضلّلة على المجتمع، كما شرح لوكالة الصحافة الفرنسية سيباستيان دييغيز، الباحث في علم الأعصاب في جامعة فريبورغ (سويسرا) والمؤلف المشارك لكتاب «لو كومبلوتيسم».
* ما تقييمك لهاتين السنتين من التضليل الهائل؟
- للمرة الأولى، نواجه فعلياً فشل النموذج الإعلامي بالمعنى الضيّق. هذا أمر عرفناه بالنسبة إلى المناخ: لا يكفي إعطاء الحقائق أو نشر العلم لخلق الدعم أو حتى جعل الناس يفهمون ما يجري.
مع «كوفيد»، أصبح الأمر واضحاً. في البداية، لم يكن أحد يعرف شيئاً، وبالتالي تشكّل العلم (حول الفيروس) تدريجياً وبسرعة، مع أوجه عدم يقين وتردّد.
في غضون ذلك، كان الناس يؤلّفون سجلّ معرفة خاصاً بهم، أحياناً من خلال المعلومات المضلّلة المنتشرة على الإنترنت أو من خلال ما يتناقله الناس، وأحياناً أخرى من نسج الخيال، أفكار تدور في أذهانهم حول ماهية المرض.
ما أظهرته لنا هذه الجائحة هو أنّ المعلومات المضلّلة هي موضوع قائم بذاته: إنّها ليست مجرد عقبة، مجرد أخبار مزعجة تتعارض مع المعلومات. المعلومات المضللة تنتج يوماً بعد يوم، وهي سريعة وانتهازية، وهي آيديولوجية أكثر مما هي ساذجة.
إنها أمر ديناميكي ونشط ينخرط فيه الناس. كنّا نعرف ذلك إلى حدّ ما، لكنّنا لم نتلقّها أبداً بهذه الطريقة، في وجهنا مباشرة.
https://mobile.twitter.com/UNarabic/status/1251057812270022658
هذه نقطة مهمة جداً يجب أن توجّه خطى العلماء والباحثين والسلطات والصحافيين: يحب عدم اعتبار الأخبار المضلّلة مجرد هراء، بل اعتبارها مشاريع حقيقية ذات طبيعة سياسية.
يجب بالطبع تصحيح المعلومات الخاطئة، لكن يجب أن نفهم أن هناك مجموعة من محبّي المعلومات المضلّلة الذين يدعمونها ليس لأنها خاطئة، بل تحديداً لأنها خاطئة وتنفيها السلطات ومرفوضة. ذلك يجعلها جذابة.
لذلك، هم ليسوا أشخاصاً نستطيع أن نوعّيهم من خلال نقل المعلومات الصحيحة إليهم. هم يتوقّعون أن يتم وصفهم بالسذّج أو بأنّهم من محبّي نظريات المؤامرة.
درس آخر تعلّمناه من الوباء: هم ليسوا أشخاصاً معزولين تماماً أو مجموعة صغيرة من الأشخاص الحمقى.
* ما تأثير ذلك على المجتمع؟
- الأشخاص الذين يدعمونها بقوة لديهم مهمة في العالم الواقعي. يمكنهم التأثير على القرارات: ستحاول السلطات عدم إغضابهم، خوفاً من ردود الفعل والمظاهرات وما إلى ذلك، وهذا سيجعل صانعي القرار السياسي حذرين جداً، خصوصاً في فترة الانتخابات.
للمعلومات المضلّلة آثار عدّة: فهي مضلّلة لكنها ستغيّر أيضاً بيئة فكرية عامة وسيكون لها تأثير على ما سيقال، بسبب ضغط مجموعة تشكّل أقلية صغيرة لكنّها صاخبة جداً.
هناك انطباع، حتى لو كان من الصعب إثباته، أنّه تم تكييف مكافحة الفيروس مع تشكيك البعض، على سبيل المثال بحملات التحصين، الأمر الذي أثار استياء العديد من الباحثين.
وهذا الأمر صحيح أيضاً في المحادثات اليومية: لم يعد الناس يريدون التحدّث عن الفيروس لأنهم يعلمون أنّ هذا الشخص أو ذاك لا يتّفق معهم في آرائهم و«سيتشاجرون».
يجد الناس أنفسهم مجبرين على اختيار طرف. لقد دخل مفهوم التضليل والتآمر إلى قلب العائلات، وهو يمزق الصداقات والفئات الاجتماعية. هناك استقطاب وتطرّف.
«كيف أقنع قريبتي بالتوقف عن مشاهدة مقاطع الفيديو هذه؟» أو «لقد فقدت والدتي الاتصال بالواقع تماماً»... إنّ ذلك يشكّل أيضاً مصدر قلق للناس.
إنهم يخافون مما أصبحت عليه بيئتهم الاجتماعية أكثر مما يخافون من الفيروس. هناك حاجة إلى إصلاح الدمار الذي تسببت به المعلومات المضللة.
* هل نحن اليوم مجهّزون بشكل أفضل لمحاربة المعلومات المضلّلة؟
- للأسف لا. لكن قد يكون لدينا درس أول: إذا أردنا نشر العلم، يجب ألا ننسى العلوم الإنسانية (مثل علم النفس الاجتماعي).
يجب معرفة كيف يتصرّف الناس وكيف تعمل هذه المعلومات المضلّلة وكيف يتم تداولها. وذلك يجب أن يحصل بالتعاون مع علماء الأوبئة وعلماء المناخ الذين لا يستطيعون إيصال رسالتهم.
تستغلّ المعلومات المضللة كلّ وسائل الاتصال الجديدة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي... لكنّها وسائل يمكننا إعادة السيطرة عليها للحصول على معلومات.
وهناك أيضاً تقصّي الحقائق والصحافة عموماً، لكن هناك أيضاً القوانين التي يجب أن تتكيّف مع الواقع: هل نفرض رقابة أم لا؟ (على المعلومات المضلّلة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي) وعدم الاكتفاء بلجان أو تقارير من هنا وهناك.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».