الموسيقار المصري أحمد الحجار يغيب على «بيبان الشتا»

رحل عن 65 عاماً بأزمة قلبية

أحمد الحجار مع شقيقه علي الحجار
أحمد الحجار مع شقيقه علي الحجار
TT

الموسيقار المصري أحمد الحجار يغيب على «بيبان الشتا»

أحمد الحجار مع شقيقه علي الحجار
أحمد الحجار مع شقيقه علي الحجار

فجَّر خبر وفاة الفنان الملحن المصري أحمد الحجار، ينابيع من الشجن داخل قلوب محبيه الذين ارتبط لديهم صوت الحجار بالإحساس المرهف، ونغم العود الذي كان لا يفارقه، ليرحل بهدوء في برد فصل الشتاء، الذي ارتبط بأحد أشهر ألحانه التي غناها شقيقه علي الحجار: «لما الشتا يدق البيبان».
ونعت وزارة الثقافة المصرية، في بيان لها أمس، الموسيقار الراحل، قائلة إن «الموسيقى العربية فقدت نجماً لامعاً، تميز بصوت أصيل وإحساس مرهف». وأضافت أن الراحل «صنع أعمالاً ساهمت في التعبير عن مشاعر جيل كامل، وستبقى خالدة باعتبارها علامات في عالم الطرب الحديث والمعاصر».
رحل أحمد الحجار عن عمر يناهز 65 عاماً، إثر أزمة قلبية مفاجئة، وواكب خبر وفاته نشر جمهوره لصوره على صفحاتهم الشخصية، مصحوبة بعبارات من الرثاء والنوستاليغا، مستدعين مقاطع من أشهر أغنياته التي قام بغنائها بصوته، لعل أبرزها: «ياريت تعود»، و«حنين»، و«هواكي»، و«لملمت خيوط الشمس»، وغيرها من أغنياته التي صدرت في نحو 4 ألبومات غنائية.
درس الراحل أحمد الحجار بالمعهد العالي للموسيقى العربية، وتعلم العزف على كل من العود والبيانو، وجمع بين دراسة المقامات الشرقية والغربية، وبدأ مجال الاحتراف والتلحين وهو لا يزال طالباً في السنة الأولى له بالكلية. وبرز اسم أحمد الحجار كملحن لعدد كبير من الفنانين؛ لا سيما في التسعينات؛ منهم: علي الحجار، ومحمد الحلو، ومحمد فؤاد، وهشام عباس، وأنوشكا، وغيرهم، إلى جانب تلحينه لعدد من المقدمات الموسيقية للمسلسلات والمسرحيات.
وكان ظهور الفنان أحمد الحجار في حفلات شقيقه الفنان علي الحجار، من اللقطات المُحببة لجمهورهما، إذ كان يجدد ظهورهما سوياً على خشبة المسرح حالة المحبة لعائلة الحجار الفنية، التي بدأها والدهما الفنان الراحل إبراهيم الحجار (1922- 2000). «صوته به كثير من رنة العود»، بحسب وصف الناقد الفني المصري أمجد مصطفى الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»؛ مستدعياً ملامح خصوصية الحالة الفنية للراحل أحمد الحجار: «أحمد الحجار فنان بالفطرة، وُلد لأب يحفظ التراث، وهو الفنان إبراهيم الحجار الذي يعد صوته من أجمل الأصوات على الإطلاق، كما كانت والدته تتمتع بجمال الصوت، رغم أنها لم تحترف الغناء، إلى جانب شقيق أكبر هو علي الحجار، وهو من أهم الأصوات التي أنجبتها مصر والعالم العربي».
وبالإضافة إلى تلك النشأة، فإن «أحمد الحجار كان يمتلك إحساساً دافئاً، وقدرة على تذوق الكلمة والغوص في معانيها، فهو فنان لا يشبه ولم يشبه أحداً في أعماله»، بحسب مصطفى.
وترك الموسيقار والمطرب الراحل رصيداً إنسانياً لافتاً؛ جعل تذكره مقترناً بعبارات عن دماثة خلقه، ووداعة حضوره: «سلوكه الشخصي جعل منه فناناً لا يقدم إلا كل طيب. نجحت له أغنيات بأصوات فنانين مختلفين، وكان يمكنه أن يتلون لكي يجاري السوق، كما فعل آخرون؛ لكنه صمم أن ينحاز لكل ما هو جاد»، وفق أمجد مصطفى.
ويتحدث مصطفى عن عناصر تميز الحجار قائلاً: «هو فنان كان يستطيع أن يرسم صوراً عبر أنغامه، نتذكر مثلاً أغنيتَي (اعذريني)، و(لما الشتا يدق البيبان) اللتين غناهما شقيقه علي الحجار، كلتاهما تجمع صوراً من النغم، قبل حتى أن نستمع لكلمات الأغنية، وكذلك الحال في أغنية (عود)، و(لملمت خيوط الشمس علشان أغزل لك شال). فهذا هو أحمد الحجار، إنسان متصوف، كلماته العادية في أحاديثه مع الناس كانت مثل أوتار عوده، مُستقيمة لا اعوجاج فيها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».