مصر: الأمطار الغزيرة تهدد مباني رشيد التاريخية

انهيار سقف «مبنى عثمان طبق» الأثري

بعض مباني رشيد الأثرية (الصور من وزارة السياحة والآثار)
بعض مباني رشيد الأثرية (الصور من وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الأمطار الغزيرة تهدد مباني رشيد التاريخية

بعض مباني رشيد الأثرية (الصور من وزارة السياحة والآثار)
بعض مباني رشيد الأثرية (الصور من وزارة السياحة والآثار)

رغم وجود مشروع لتطويرها وتحويلها إلى متحف إسلامي مفتوح منذ سنوات، لكن يبدو أن مباني مدينة رشيد الأثرية والتاريخية التابعة لمحافظة البحيرة (260 كيلومتر شمالي القاهرة) تعاني من تأثيرات الأمطار الغزيرة وسوء الأحوال الجوية، التي تتسبب بين الحين والآخر في سقوط أجزاء منها أو غرق بعضها في المياه الجوفية.
وتسببت الأمطار الغزيرة، أول من أمس، في انهيار جزئي لدورة السطح بمنزل عثمان طبق الأثري المسجل أثراً إسلامياً.
ونقل بيان عن «المجلس الأعلى للآثار» في مصر، عن الدكتور أبو بكر أحمد عبد الله، نائب رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية في المجلس، أنّ «الأعمال الهندسية والترميم بدأت، لحماية المبنى الأثري، والمنطقة المحيطة به، وجرى صلب المبنى ونصب حاجز أمني من الخشب والصدّات المعدنية في الطريق بالتنسيق مع وحدة مرور رشيد، تمهيداً للبدء الفوري في أعمال الترميم والصيانة»، موضحاً أنّ «المعاينة المبدئية تشير إلى أن الانهيار قد يكون ناتجاً عن سوء الأحوال الجوية التي تعرضت لها البلاد خلال الأيام الماضية».
وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد المبنى انهياراً لجزء منه، ففي منتصف العام الماضي أعلنت وزارة السياحة والآثار عن سقوط سقف حديث من الخشب الأبيض لحجرة بالدور الثاني، كان قد نُصب في أثناء ترميم المنزل عام 2000، ويقع المنزل في «شارع الشيخ قنديل» برشيد، وهو مسجل في عداد الآثار الإسلامية منذ عام 1951. وفي بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي أعلنت وزارة السياحة والآثار عن ارتفاع منسوب المياه الجوفية في قلعة قايتباي بمحافظة رشيد، نتيجة غزارة الأمطار التي تزامنت مع عطل في الطلمبات المسؤولة عن التحكم في مستوى المياه الجوفية، ولكن المسألة عُولجت بسرعة، حيث سُحبت المياه وفُتحت القلعة للزيارة في اليوم ذاته؛ لكنّ عبد الله أكد أنّ «الوزارة شكّلت غرفة عمليات للتحرك سريعاً لدرء المخاطر عن أي أثر على مستوى الجمهورية».
وتتبع مدينة رشيد محافظة البحيرة، وتتميز بموقعها الجغرافي حيث مصب نهر النيل في البحر الأبيض المتوسط؛ وأطلق الرحالة والمؤرخون أسماء عدّة على المدينة من بينها «روزيتا»، و«رخيت»، وهي المدينة الثانية بعد القاهرة من حيث عدد الآثار الإسلامية، حيث تضم 39 مبنى أثرياً.
الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف، أستاذ الآثار الإسلامية ومساعد وزير السياحة والآثار السابق، أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «مدينة رشيد من المدن الغنية بالآثار، حيث تضم آثاراً ترجع لفترات تاريخية تمتد من العصر المملوكي مثل قلعة قايتباي، مروراً بالعصر العثماني وعصر أسرة محمد علي»، مشيراً إلى أنّ «المدينة تضم مباني شهدت على أحداث تاريخية مهمة من بينها مبنى متحف رشيد، الذي كان منزلاً لمحافظ رشيد الذي قاد حركة المقاومة ضد حملة فريزر عام 1807، إضافةً إلى منزل الميزوني، الذي نشأت فيه زبيدة، زوجة مينو قائد الحملة الفرنسية على مصر، ومنزل علوان أحد أثرياء رشيد، الذي نزل به الزعيم أحمد عرابي، خلال فترة حشده للمتطوعين لصد هجوم الإنجليز عن مصر».
وأطلقت مصر عام 2017، مشروعاً لترميم مدينة رشيد وتطويرها، وتحويلها إلى متحف مفتوح للآثار الإسلامية بالتزامن مع أعداد ملف خاص عن مدينة رشيد التاريخية لتقديمه إلى منظمة اليونيسكو للمطالبة بوضع المدينة على قائمة التراث العالمي، إذ إنّها على القائمة التمهيدية للمنظمة منذ عام 2003. وأعلنت الوزارة في منتصف عام 2018 الانتهاء من وضع حرم لعدد 20 أثراً من إجمالي 39، وتكليف أحد المصورين المتخصصين بالتوثيق الفوتوغرافي للحالة الراهنة لجميع آثار المدينة التاريخية.
وفي نهاية عام 2017 عقدت اللجنة المسؤولة عن إعداد ملف مدينة رشيد وتطويرها، أول اجتماعاتها، الذي أكد خلاله الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، أنّ «تطوير مدينة رشيد مشروع قومي بوصفها ثاني أكبر تجمع للآثار الإسلامية في مصر بعد مدينة القاهرة، وهي من المدن القليلة التي لا تزال تحافظ على طابعها الإسلامي والتراثي الفريد»، لكن «هذه اللجنة لم تنعقد مرة أخرى»، حسب الدكتور عبد الطيف، ولا تزال المدينة بمبانيها التاريخية تنتظر استكمال المشروع ووضعها على قائمة تراث اليونيسكو.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».