أكد المخرج السينمائي المصري داود عبد السيد، أنّ قرار اعتزاله الإخراج والعمل في مجال صناعة الأفلام ليس وليد اللحظة، بل اتخذه منذ فترة إلى أن استقر عليه بشكل نهائي، وليست لديه نية للتراجع عنه بأي حال من الأحوال، وأنه لو كان يعلم أنّ تصريحه باعتزال الفن سيثير كل هذه الضجة لما صرح به، واعتبر الأمر تحصيلاً حاصلاً، لأنّه لا يهوى الوجود الإعلامي المكثف الذي فوجئ به، نافياً أن يكون قراره احتجاجياً كما زعم البعض.
وقال داود في حواره مع «الشرق الأوسط»، إنّه لم يقصد أمراً شخصياً يخصه بهذا القرار، بل أراد التساؤل حول مصير الأجيال الجديدة من السينمائيين، وكيف ستعمل في ظروف غير مواتية، منوهاً إلى عدم وجود مشروع سينمائي في مصر.
وأشار إلى أنّه أدى رسالته عبر الأفلام التي قدمها، وأنّ الأسباب التي دفعته لإعلان اعتزاله طبيعية، ومن بينها تقدمه في العمر، وأنّه لم يعد كالسابق. فضلاً عن تغيّر الجمهور الذي بات مختلفاً، ولا يستطيع أن يقدم له العمل الذي ينال إعجابه بالشكل السينمائي الموجود حالياً.
ووصف عبد السيد ردود الفعل الكثيرة التي أحدثها خبر اعتزاله، ومطالبة السينمائيين والنقاد والجمهور له بالتراجع عن قراره بـ«المدهشة» قائلاً: «فوجئت بها وفخور بذلك للغاية، لا سيما أنّ الأمر لا يمسني بشكل شخصي، لأنّني في النهاية تقدمت في العمر، وقدمت ما أردت من أفلام، ومن الطبيعي، حين يصل الإنسان إلى عمر معين، يتأثر إيقاعه في العمل، فإذا كان ينفذ خمسة أفلام في السنة، سيكتفي بتصوير فيلم واحد فقط. وبالنسبة لي لم أكن أعمل خمسة أفلام في العام، بل كنت أبحث لمدة 10 سنوات عن التمويل».
وتساءل: «هل هناك أنجح من فيلم (الكيت كات) لأنتظر من أجله خمس سنوات كاملة، طرقت خلالها أبواب جميع المنتجين؟ وهل فيلم (رسائل البحر) كان يستحق الانتظار 10 سنوات؟ لا يعني ذلك أنّني قد ضقت الانتظار؛ في الحقيقة لا فرق لدي، فماذا لو صورت فيلماً الآن هل سيغير واقع أننا نعيش في أجواء سيئة للغاية. القضية ليست مرتبطة بي، بل بالأجيال المقبلة والمواهب الموجودة في السينما المصرية، لذلك قراري رسالة للأجيال الشابة».
كان داود قد استفاد من دعم وزارة الثقافة في مصر لبعض أفلامه ومنها «رسائل البحر»، وهذا الدعم توقف قبل سنوات، وهو ما يعتبره «مؤثراً بالفعل على السينما رغم أنّه يظل تمويلاً محدوداً ومشروطاً، إذ كان يتم توجيه 50 مليون جنيه لتسهم في تمويل عشرة أفلام، لكنها تجمدت، فهل هناك إرادة حقيقية لدى الدولة للقيام بأمر مختلفٍ، ولا تتوقف عند الدعم الذي حُجب، بل يجب أن يمتد الحراك إلى الرقابة والحريات، وصالات العرض، وأن تُشجع على إنشاء سينمات الأحياء، ومن ثمّ يجب أن يكون هناك رؤية وأجندة ثقافية وفنية تعيد للسينما المصرية بريقها، لتشكل رقماً مهماً في الدخل القومي، كما كانت في الماضي.
ورغم ظهور صناديق تمويل في بعض المهرجانات السينمائية تقدم دعماً مالياً للأفلام، فإن المخرج الكبير يتحفظ على ذلك، ويقول موضحاً: هذه الصناديق تختار أفلاماً حسب ذائقة من يقرر توجيه الدعم والمنح، فإذا كان يحب أفلام الأكشن فسيوجه الدعم لهذه النوعية، وقد يختار أفلاماً جيدة لكنها لا تحقق إيرادات، أنا مع تمويل الأفلام من تذكرة السينما، بإعادة إحياء الأفلام الاجتماعية، لاستعادة جمهور السينما الذي كانت تمثله طبقة الأسرة بشرائحها المختلفة، مع وضع سعر مناسب لتذكرة قاعة العرض لإتاحة الفرصة للجميع لمشاهدة الأفلام».
ويرى عبد السيد أنّ «الجمهور الحالي يتمتع بثراء مادي وليس لديه هموم تجعله يخشي ألا يكفيه مرتبه، لذا فهو يرغب في مشاهدة أفلامٍ مسلية لا تحتوي على متعة فنية ولا ترهق ذهنه بالتفكير».
وعبّر المخرج الكبير عن رفضه تقديم أفلام لا يُقبل عليها الجمهور، وهو ما وصفه بتقديم الأفلام إلى «المقاعد الخاوية». وعن مدى صعوبة تنفيذ أفلام تجمع بين المتعة والقيمة الفنية، يتوقف المخرج الكبير قائلاً: «بالطبع هناك صعوبة، لكنها الصعوبة الواجبة على أي فنان، أن يقدم فيلماً يمتع الجمهور، دون أن يكون سطحياً، ومن لا يستطيع فعل ذلك لا يصح أن يعمل في مجال السينما، رافضاً أن يرضخ المبدع لما يريده الجمهور، فهو لا يضع مواصفات لما يشاهده». ويؤكد: «لا أؤمن بمقولة (الجمهور عاوز كده) لأنّنا نحن من نقدم له الأفلام، فإذا قدمنا عملاً يحترم عقله وإنسانيته وعواطفه فسيقبل عليه، إنّها مسؤولية المبدع بالدرجة الأولى».
ويتمسك عبد السيد، بكتابة سيناريوهات أفلامه، لكنّه ينفي أن يكون ذلك سبباً في قلة أعماله التي بلغت تسعة أفلام طويلة وثلاثة أفلام وثائقية قدمها في بداياته، مؤكداً أنّ «الكتابة لا تؤخرني بل الإنتاج، بالإضافة إلى رحلة البحث التي أقطعها عن التمويل مع كل فيلم أتحمس له، من ثمّ يأخذ الأمر سنوات كي يجد طريقاً للتنفيذ، ولم يغريني في أي وقت الكم على حساب الكيف، وسعيد بما أنجزته».
منذ فيلمه الأول «الصعاليك» وحتى فيلمه الأخير «قدرات غير عادية»، قدم داود أفلاماً تحمل فكراً خاصاً، وتدعو المتلقي للتفكير والتأمل بعيداً عن صيغة المباشرة، لكنه لا يرى السينما من هذه الزاوية فقط، ولا يرفض التصنيفات الأخرى، قائلاً: «لست ضد شيء، لكن المهم أن يقدم الفيلم بشكل جيد، أنا كمشاهد لو رأيت فيلماً رومانسياً أو أكشن أو كوميدياً جيداً يكون أمراً ممتعاً».
وأقام مهرجان القاهرة السينمائي احتفالاً خلال دورته الماضية، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على إنتاج فيلم «الكيت كات»، شهد جمهوراً كبيراً من الشباب الذين ولدوا بعد سنوات من ظهوره، ما يؤكد مكانة أفلام عبد السيد لدى الأجيال الجديدة، وعلى ذلك يعلق: «هذا الجمهور الكبير كان يجب أن ينعكس لدى المنتجين، وهو لم يشاهد الفيلم في السينما. وهو العمل الوحيد الذي يعرضه لي التلفزيون المصري، وقُدّم مشوهاً بعد حذف مشاهد منه، بينما لم يشاهد هذا الجمهور أفلامي الأخرى، لأنّ التلفزيون لا يعرضها، فيما تهتم بعرضها قنوات عربية، وبالتأكيد هناك أفلام لمخرجين آخرين تعرضوا لذلك، ولا أعرف صراحة معايير العرض لديهم، نحن نعيش في كارثة». على حد تعبيره.
وعما ينوي فعله بعد قرار اعتزاله، قال المخرج الكبير: «الحياة مليئة بالمسرات، وأفكر في السفر إلى الخارج، وقد أبقى هنا بعدما أنهيت مهمتي الأساسية، لكنني مهموم ومهتم بالأجيال القادمة».
وأبدى عبد السيد انزعاجه من فكرة كتابة سيناريوهات لمخرجين آخرين، قائلاً بنبرة حادة: «لست كاتباً ولا مخرجاً بل صانع أفلام، ولدي رؤيتي الخاصة، ولا أقدم سوى ما أؤمن به وأتحمس له، ولا أعمل سوى ما أحبه».
داود عبد السيد: الجمهور بات مختلفاً ولا تراجع عن قرار الاعتزال
قال لـ إنه قدّم ما أراد ولم يتوقف احتجاجاً
داود عبد السيد
داود عبد السيد: الجمهور بات مختلفاً ولا تراجع عن قرار الاعتزال
داود عبد السيد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

