يختلف المسيحيون اللبنانيون بين من يعتبر تعدد القوى السياسية المتصارعة والمتنافسة في ساحتهم تنوعاً وتميزاً، وبين من يرى فيها انقساماً يضعف الدور المسيحي، ويجعل الأحزاب المسيحية منشغلة بخلافاتها بدل الالتفات لتحسين موقعها في السلطة.
وفيما حاول «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» اختزال الطائفة المسيحية سياسياً من خلال «اتفاق معراب» الذي وقع عام 2016 بتكرار لتجربة «الثنائي الشيعي» المتمثل بحركة «أمل» و«حزب الله»، بقيت الخلافات على المواقع أقوى بين الطرفين ما أدى لانهيار اتفاقهما عام 2017.
ويحتدم اليوم الصراع بين القوى المسيحية على عتبة الانتخابات النيابية المرتقبة في مايو (أيار) المقبل والانتخابات الرئاسية المحددة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بحيث يعتبر متابعون عن كثب للوضع المسيحي أن من مصلحة كل طرف ممارسة التصعيد بوجه باقي الأطراف المسيحية، لأن ذلك يخدمه في الاستحقاقين المقبلين. وهكذا قرأ متابعون عن كثب للواقع المسيحي هجوم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، على «القوات» في خطابه الأخير الذي كان موجهاً ضد «أمل» و«حزب الله».
ويعتبر عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون، أن «الساحة المسيحية لطالما شهدت تنافساً وتنوعاً سياسيين وتميزت بهما، ولو أن العماد ميشال عون شكل ظاهرة فريدة في عام 2005 لناحية تحقيق تمثيل قارب الـ75 في المائة من المسيحيين، وهذه التعددية السياسية هي ظاهرة سليمة لأنها تعبر عن حيوية وديناميكية الساحة المسيحية وقدرتها على المحاسبة وعلى تطبيق تداول فعلي للسلطة، وإن كان البعض يرى فيها نقطة ضعف في نظام طائفي حين تكون المجموعات الطائفية الأخرى أحادية التمثيل السياسي فتمسك بحق النقض في النظام التوافقي وتتحول إلى قوة تأثير فاعلة جداً في القرارات السياسية أكان سلباً أم إيجاباً».
ويرفض عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، اعتبار الانقسام المسيحي الذي يصفه بـ«التعددية السياسية عند المسيحيين» مسؤولاً عن الهجرة التي أصابت قسماً كبيراً منهم، فـ«الهجرة حصلت بسبب سوء أحوال البلاد، وهي إما نتجت عن حروب أم عن أزمات اقتصادية، وإما عن مرحلة تهميش المسيحيين وإقصائهم عن السلطة كما حصل في الحقبة السورية»، معتبراً أنه «لا يزعج المسيحيين أن يكون لهم تعددية حزبية، وليس هذا ما يشكل خطراً على وجودهم بقدر ما هو غياب دولة القانون والمساواة بالحقوق والواجبات بين الجميع». وأضاف: «مع أن التنافس على السلطة والأحجام هو من أبرز نقاط الاختلاف بين الأحزاب المسيحية التي تلتقي على الكثير من الملفات، لا سيما المتعلقة بالوجود المسيحي وديمومته في لبنان، إلا أنه تبقى تباينات عديدة قائمة منها ما هو مرتبط بكيفية التعاطي مع الملفات الاستراتيجية الداخلية والخارجية، وكذلك ما تحمله هذه الأحزاب من تاريخ مثقل بتجربة من الصدامات والخلافات وانعدام الثقة فيما بينها».
من جهتها، لا ترى مصادر قيادية في «القوات» لزوماً لاصطفاف من طبيعة مذهبية أو طائفية في المرحلة الراهنة، باعتبار أن «الخلاف في لبنان ليس مسيحياً – إسلامياً، إنما نحن نمر في أزمة وطنية لبنانية، حيث إن هناك فريقاً يخطف الدولة وآخر يدير الدولة بشكل سيئ، وهي أزمة انعكست على جميع اللبنانيين من دون استثناء، لذلك تستدعي وحدة موقف من طبيعة وطنية وليس اصطفافاً من طبيعة مذهبية أو طائفية». وتعتبر المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «داخل البيئة المسيحية هناك اختلافاً في الرؤية الوطنية لا ينسحب على البيئات الأخرى، أضف أن هناك ميزان قوى لا يميل بشكل كبير لفريق أحادي، لذلك فإن المقاربة التي ننطلق منها ليست مقاربة من طبيعة مسيحية ووحدة موقف مسيحي، إنما السعي لوحدة موقف وطني تجاه القضايا الوطنية الأساسية المتعلقة بالدولة والسيادة وتطبيق الدستور وغيرها من القضايا الأساسية. لذلك، لا يهم إذا كانت الأطراف الذين نتوافق معهم على تشخيص أسباب الأزمة وبعدها على كيفية الخروج منها مسيحيين أو ينتمون إلى أي طائفة أخرى».
لبنان: احتدام صراع القوى المسيحية عشية استحقاقي «الرئاسة» و«النيابة»
لبنان: احتدام صراع القوى المسيحية عشية استحقاقي «الرئاسة» و«النيابة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة