بغداد تتحدى الإرهاب بالأزهار والألوان

أكبر مهرجان دولي وسنوي للزهور الطبيعية.. فلاحون وفنانون يفضحون إرهاب «داعش» بلوحات فنية من الورد الطبيعي

لوحات فنية كبيرة من أنواع الزهور الطبيعية بمختلف الألوان والأشكال في المهرجان الدولي والسنوي السابع للزهور في بغداد ({الشرق الأوسط})
لوحات فنية كبيرة من أنواع الزهور الطبيعية بمختلف الألوان والأشكال في المهرجان الدولي والسنوي السابع للزهور في بغداد ({الشرق الأوسط})
TT

بغداد تتحدى الإرهاب بالأزهار والألوان

لوحات فنية كبيرة من أنواع الزهور الطبيعية بمختلف الألوان والأشكال في المهرجان الدولي والسنوي السابع للزهور في بغداد ({الشرق الأوسط})
لوحات فنية كبيرة من أنواع الزهور الطبيعية بمختلف الألوان والأشكال في المهرجان الدولي والسنوي السابع للزهور في بغداد ({الشرق الأوسط})

ضحايا مجرزة «سبايكر» الشهيرة، وحرب العراقيين ضد عصابات «داعش»، وانتصارات قواته الأمنية، تجسدت هذه المرة على الأرض أمام حشود من الزائرين عبر لوحات فنية كبيرة من أنواع الزهور الطبيعية بمختلف الألوان والأشكال، حاول فيها منظمو المهرجان الدولي والسنوي السابع للزهور في العاصمة بغداد أن يلفتوا انتباه العالم إلى ما يواجهونه من تحديات ويخلدوا بعضا من صور الصمود والمواجهة أمامها.
مهرجان بغداد للزهور تقليد سنوي اعتادت أمانة العاصمة تنظيمه كل عام في الخامس عشر من أبريل (نيسان) ويستمر عشرة أيام، وقد افتتح هذه المرة بمشاركة ثماني دول عربية وأجنبية، وممثلين عن المحافظات العراقية وعشرات الشركات الزراعية، وذلك على مساحة كبيرة من أرض المتنزه الأكبر في بغداد، متنزه «الزوراء» العائلي، تفرد هذا العام بلوحات فنية خلدت قصصا مهمة في حياة العراقيين من أهمها ضحايا مجزرة سبايكر وإرهاب «داعش» وانتصارات القوات الأمنية، ولوحات تمثل حمائم السلام، وأخرى ترمز إلى القوة، فضلا عن صف مجموعة من الزهور على شكل أعلام عراقية، كما تخلله معارض للرسم والفلكلور العراقي والعزف والغناء.
يقول الخطاط العراقي أحمد إبراهيم أحد المشاركين في المهرجان لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت تجسيد مناظر مهمة من طبيعة بلادي في لوحات فنية من الزهور، كذلك لوحات عن صبر وتضحية العراقيين أمام الإرهاب وتحديهم المواجهة بالزهور والسلاح معًا». بدورها حاولت إدارة بلدية الغدير في بغداد، تجسيد معالم النصر والتحدي أمام «داعش»، كذلك تنسيق مجموعة من الزهور على شكل أعلام عراقية، فيما استغلت بعض الدول والشركات حضورها في المهرجان بهدف الترويج لمنتجاتها، ومن الدول المشاركة سوريا ومصر والسودان والولايات المتحدة وهولندا وتركيا وإيطاليا وألمانيا، إلى جانب محافظات النجف وأربيل والعتبة الحسينية في محافظة كربلاء. وشهد المهرجان الذي نظمته دائرة المتنزهات والتشجير التابعة لأمانة بغداد، في أيامه الأولى، حضورًا لافتًا لمسؤولين محليين، وأعضاء في البرلمان العراقي، إضافة إلى مواطنين استغلوا فرصة المهرجان للتنزه والتقاط الصور التذكارية بالقرب من اللوحات الفنية الجميلة.
أمينة بغداد، ذكرى علوش، التي تسلمت مهامها قبل فترة قصيرة، أكدت خلال كلمتها الافتتاحية على إصرار كوادر الأمانة على تنظيم المعرض بنسخته السابعة وبإمكانيات متواضعة على الرغم من الوضع الأمني الذي يعيشه العراق، مشيرة إلى أن «بغداد تفتح ذراعيها لجميع أشقائها لإتاحة الفرصة للاطلاع على آخر ما توصلت إليه الزراعة الحديثة من تقدم، خاصة في مجال زراعة الزهور وتنسيقها».
بدوره، دعا رئيس الوفد المصري عماد عبد الحليم إلى إقامة مثل هذا المهرجان مرتين في كل عام؛ لأن الزهور تمثل أبلغ رسالة حب بين الشعوب. فيما أوضح سفير دولة السودان محمد عمر أن هذا المهرجان يمثل رسالة بليغة إلى أعداء الإنسانية من الإرهابيين، مفادها أن بغداد عاصمة الحب والجمال والزهور على الرغم من التحديات والتهديدات الأمنية التي تواجهها.
المواطنة تضامن عبد المحسن حضرت لزيارة المهرجان مع عائلتها، قالت: «أتمنى أن تكون بغداد كلها بمثل هذا الجمال والتنسيق والنظافة»
وأضافت: «المهرجان عبارة عن لوحة فنية غاية في الجمال، تحمل إبداع فنانين جمعوا بين مهنة البستنة والفن في آن واحد».
يذكر أن مهرجان بغداد الدولي للزهور الذي تقيمه أمانة بغداد أصبح تقليدًا سنويًّا يقام في شهر أبريل (نيسان) من كل عام، حيث تتم دعوة عدد كبير من دول العالم للمشاركة فيه، فضلاً عن الشركات والمكاتب الزراعية المتخصصة بالمجال الزراعي وبفن تنسيق الزهور.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».