السيارات من دون سائق.. ابتكار هائل لا يخلو من عيوب

تساؤلات حول تجاوبها مع أوامر ضابط المرور أو أصوات سيارات الإسعاف

السيارات من دون سائق.. ابتكار هائل لا يخلو من عيوب
TT

السيارات من دون سائق.. ابتكار هائل لا يخلو من عيوب

السيارات من دون سائق.. ابتكار هائل لا يخلو من عيوب

هل تؤيد استخدام آلة تتسبب في مقتل 3.300 أميركي سنويا؟ بالتأكيد ستجيب بالنفي. ولكن، ماذا لو كانت هذه التكنولوجيا هي سيارة تعمل من دون سائق، وماذا لو أن حالات الوفاة البالغ عددها 3.300 ستحل محل حالات الوفاة البالغ عددها 33 ألفا التي تحدث سنويا على الطرقات في الولايات المتحدة بسبب الأخطاء البشرية؟ هل حدوث حالة وفاة واحدة بسبب خطأ صادر عن آلة أفضل من حدوث 10 حالات وفاة بسبب أخطاء البشر؟ من وجهة نظر نفعية، سيبدو أن تفادي حدوث 33 ألف حالة وفاة مقابل 3.300 أمر جيد، مع العلم أن رقم 3.300 مجرد تقدير عشوائي أوردته من أجل مناقشة القضية. نظريا سوف تنقذ السيارات، التي تعمل من دون سائق، الكثير من الأرواح، لكننا لا نعرف عدد تلك الأرواح على وجه التحديد.

* سيارة بلا سائق
* خلال مهرجان «ساوث باي سلوث ويست» التفاعلي منتصف شهر مارس (آذار) الماضي دفع المؤلف مالكولم غلادويل، في خطابه بيل غيرلي، أحد ممولي المشروع، نحو الحديث عن شبكة السيارات «الكارثية غير الفعالة». وركز غيرلي على واحد من أهم عيوب السيارات التي تعمل دون سائق. وقال: «تسامح البشر مع خطأ صادر عن آلة يفضي إلى الوفاة أقل من تسامحهم مع خطأ بشري يؤدي إلى النتيجة نفسها». ويعد غيرلي من أوائل المستثمرين في نظام «أوبر» (لتأجير السيارات) والوسائل التكنولوجية الأخرى التي تقدم كبديل يقوم بمهام البشر. ويصف نفسه بأنه أكثر تشككا من أكثر الناس، في السيارات التي تعمل دون سائق. وأوضح قائلا: «أود القول إنه عند وجود آلة تزن نحو 3 أطنان تتحرك بهذه السرعة، سيكون هناك حاجة إلى سيارات آمنة بنسبة 99.99 في المائة».
قد تحتاج السيارات، التي تعمل من دون سائق، إلى أن تقترب من الكمال والمثالية، لكنها ستواجه قائمة من الظروف نادرة الحدوث التي قد يكون من الصعب التعامل معها. ويطلق أحيانا على هذه الظروف غير الاعتيادية اسم «الحالات الغريبة».
على سبيل المثال، هل يمكن برمجة سيارة بحيث تتعرف على صوت سيارة الإسعاف وتتوقف؟ هل يمكن أن تستجيب لضابط المرور؟ ماذا عن الطقس السيئ، والثلوج الغزيرة، والشوارع التي تغرقها الفيضانات، أو الطرق المغطاة بأوراق الشجر؟ هذه أشياء قد تعيق المستشعرات التي تم تزويد السيارة بها.
وأقر رايان يوستيس، الأستاذ بجامعة ميتشغان، الذي يعمل على تطوير خوارزميات لخرائط ستعتمد عليها السيارات التي تعمل دون سائق، خلال المهرجان، بوجود تحديات في هذا المجال. وأوضح قائلا: «بالنظر إلى إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا في كل أحوال الطقس، وفي ظل وقوع كل الأحداث الممكنة، أعتقد أنه تمت المبالغة في مزايا السيارات عند الحديث مع أفراد الجمهور. لا تزال هناك الكثير من المشكلات الصعبة التي تحتاج إلى حل».
وأشار إلى مشكلة الارتباك، الذي يصيب مستشعرات السيارات، التي تعمل دون سائق، بسبب قطع الثلج التي تحملها معها العواصف الثلجية. وهناك أيضا مشكلة أخرى تتمثل فيما إذا كان ينبغي على السيارة أن تتحرك في الطرقات الأصلية أم تسير وراء السيارة، التي تتحرك أمامها، أثناء العاصفة الثلجية. وربما نعتقد أننا نستطيع الاعتماد على البشر في حال وجود خطر، لكن يوستيس وآخرون لا يؤمنون بصحة هذا الخيار، حيث قال: «هذه الفكرة، التي تعني العودة للاعتماد على الإنسان، تعد وهما؛ فالسيارة يجب أن تتحلى بقدرة على التوقع حتى تتمكن من العودة للاعتماد على الإنسان واكتشاف أنه في غضون 30 دقيقة سوف يحدث موقف لن تستطيع التعامل معه. كذلك لن يكون البشر في السيارات الأخرى منتبهين، فقد يكونون يتحدثون بواسطة الهاتف المحمول، أو شاردي الذهن. لذا لن يستطيعوا تحمل هذا العبء، ويتفاجأون بمن يطلب منهم التدخل».
وأشار إلى عدم وضع «غوغل» لعجلة قيادة أو أداة ضخ البنزين في نموذج السيارة، الذي قدمته، من أجل تفادي هذا التداخل بين الآلة والإنسان، وهو أمر يمثل مشكلة كبيرة في هذا المجال. وأشار غلادويل خلال حديثه مع غيرلي إلى هذا الفرق المذهل بين عدد الأميركيين، الذين يلقون مصرعهم في الحروب، وبين الأميركيين الذين يلقون المصير نفسه على الطرق في الولايات المتحدة. مع ذلك يجب حل الكثير من التحديات الصعبة حتى تصبح الطرق في الولايات المتحدة نموذجا مثاليا في عالم تتحرك فيه سيارات من دون سائق.
* خدمة «واشنطن بوست»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».