انصهار الفن مع الفلسفة أمر ليس سهلاً. بيد أنّ الفنانة السعودية غادة الحسن خاضت هذا التحدي عبر عملها «أبعاد أفقية»؛ وهو أشبه بنص فلسفي على شكل فني، يُعرض حالياً ضمن أعمال النسخة الأولى من «بينالي الدرعية» للفن المعاصر.
وتثير من خلاله غادة الحسن العديد من الأسئلة الوجودية في معنى الحياة والأثر والمصير، في خامات تجمع: المعاجين والورق والجرائد وقصاصات المجلات والكتب والرسومات اليدوية.
في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن عملها، تقول غادة الحسن: «هو مشترك بيني وبين ابنتي الفنانة سارة أبو عبد الله، وهو أول عمل حقيقي نشترك في صنعه بعد سنوات طويلة من وجودنا في الوسط الفني واختلاف مسارنا، ورغم هذا الاختلاف فإنّنا نلتقي في منطقة تخصنا وحدنا، تتمازج فيها رؤانا الفكرية والفنية».
وتتابع غادة الحسن: «هو نص أدبي لنص بصري يتقاطع مع معانيه بشكل مجازي». وتوضح أنّ «فكرة العمل تدور حول الأبعاد الفلسفية للذاكرة المشتركة، خلال حوارات حميمة ودافئة تربط بينها علاقات أثيرية تسافر عبر الزمان والمكان، لتتنوع الأحاديث بين ما كان في الماضي وبين الواقع اليومي المعاش، لتشبه تدويناً أو مخطوطاً لتاريخ يحدث الآن، ونسجله بطريقتنا الخاصة».
وتشير غادة الحسن إلى أنّ التوثيق من خلال العمل الفني هو فكرة بدأت معها منذ أكثر من عشرة أعوام، وتعمل عليها إلى اليوم. وتقول: «هو التساؤل الذي ما يزال يدور حول وجود الإنسان على هذه الأرض والأثر الذي يتركه وراءه». مبينة أنّ «أبعاد أفقية» ليس سوى تدوين وامتداد لهذه الفكرة التي تطرح الكثير من التساؤلات الوجودية.
وعن بدايتها مع هذا المسار، تجيب الحسن: «من الصعب تحديد البداية، لأنّ أي فكرة هي مجموعة من التراكمات المعرفية... ربما كانت الألواح الطينية القديمة وما دوّن عليها الإنسان يوماً ما، هي المحرك الرئيسي لهذه الفكرة، وساعد عليها، قراءتي ودراستي الأكاديمية لتاريخ اللغة ونشأتها».
يبدو حجم العمل لافتاً، إذ يأتي بمقاس 25 متراً في متر ونصف. وتوضح غادة الحسن أنّ التنفيذ العملي لهذه اللوحة استغرق قرابة الشهر ونصف الشهر من العمل المكثف، سبقتها أشهر عدة من التخطيط للعمل ووضع الفكرة وطريقة تنفيذها. وساعد عليها خبرتهما الفنية وتمرّس كل من الفنانتين في التقنيات المستخدمة.
وعن بينالي الدرعية، تقول غادة الحسن: «كان حلماً لدي ولدى أغلب فناني الوطن من جيلي ومن الأجيال السابقة لنا. هذا الحلم يتحقق الآن وبشكل مدهش يتفوق على توقعات الجميع». مؤكدة أنّ بينالي الدرعية الأول لم يبدأ من الصفر، بل من القمة ومما انتهى إليه الآخرون في البلاد الأخرى واستفاد من جميع التجارب والخبرات العالمية.
وغادة الحسن التي درست آداب اللغة عربية، هي ابنة لشاعر، وأخت لمؤلف ومخرج مسرحي، مؤكدة أثر نشأتها في هذا الوسط الثقافي على تجربتها الفنية. وتشير إلى أنّ الجمهور السعودي متعطش للمعرفة ومتشوق لكل ما هو جديد ليواكب العالم من حوله، مضيفة: «أعجبني وجود العائلات مع أطفالهم، الذين يطالعون الأعمال بفضول وتساؤل يبشر بمستقبل واعد لهؤلاء الصغار... البينالي يحدث اليوم ليُنتج جيلاً مختلفاً ومبدعاً غداً».
«أبعاد أفقية»... لوحة تطرح أسئلة وجودية في «بينالي الدرعية»
الفنانة غادة الحسن لـ «الشرق الأوسط» : العمل يدور حول الأبعاد الفلسفيّة للذاكرة المشتركة
«أبعاد أفقية»... لوحة تطرح أسئلة وجودية في «بينالي الدرعية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة