تايوان تحض الصين على وقف «مغامراتها العسكرية»

رئيسة تايوان تلقي كلمة في وزارة الدفاع بتايبيه يوم 28 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيسة تايوان تلقي كلمة في وزارة الدفاع بتايبيه يوم 28 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

تايوان تحض الصين على وقف «مغامراتها العسكرية»

رئيسة تايوان تلقي كلمة في وزارة الدفاع بتايبيه يوم 28 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيسة تايوان تلقي كلمة في وزارة الدفاع بتايبيه يوم 28 ديسمبر (د.ب.أ)

حضت رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، الصين، أمس، على وقف «مغامراتها العسكرية»، في حين وصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات.
وتدهورت العلاقات بين بكين وتايبيه منذ عام 2016، حين فازت في الانتخابات الرئاسية في الجزيرة تساي إنغ ون، التي تنتمي إلى حزب يؤيد استقلال الجزيرة. وفي الأشهر الأخيرة، نفذت القوات الجوية العسكرية الصينية عدداً قياسياً من التوغلات في «منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي» (أديز) التايوانية.
وطالبت تساي في خطابها بمناسبة العام الجديد، السلطات الصينية، «بأن تضع حداً للمغامرات العسكرية. استخدام الوسائل العسكرية ليس خياراً على الإطلاق لحل الخلافات بيننا»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وتعد بكين الجزيرة التي لجأت إليها القوات القومية في 1949 بعد هزيمتها على أيدي الشيوعيين، جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ولا بد في نهاية المطاف من إعادة توحيدها مع البر الرئيسي، و«بالقوة إذا لزم الأمر».وفي خطابه بمناسبة العام الجديد، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ، من جانبه، أن «إعادة التوحيد الكامل لوطننا هو طموح مشترك بين شعبي» الصين وتايوان. وحذرت وزارة الدفاع التايوانية في أكتوبر (تشرين الأول) من أن التوترات العسكرية مع الصين بلغت أعلى مستوياتها منذ أربعة عقود.
وفي السنوات الأخيرة، كثفت بكين جهودها لعزل تايوان على الساحة الدولية. وتعتبر الصين أي بيان رسمي يصدر عن تايوان «المستقلة» بمثابة استفزاز، وقد هددت مراراً بعواقب على الدول التي تدعم تايبيه في حق تقرير مصيرها. كذلك، شجعت بكين حلفاء تايوان الدبلوماسيين الذين يتناقص عددهم على تغيير مواقفهم. وأخيراً، أعادت بكين فتح سفارتها في ماناغوا، الجمعة، بعد ثلاثة أسابيع على قطع نيكاراغوا علاقتها بتايوان واعترافها بالصين.
وقال وزير خارجية نيكاراغوا دينيس مونكادا، في حفل بمناسبة إعادة فتح السفارة الصينية، «نرحب بكم في نيكاراغوانا... مع يقيننا بأن أمام بلدينا مستقبلاً حافلاً بالنجاحات والانتصارات». وشارك في حفل افتتاح السفارة السفير الصيني يو بو، ومسؤولون نيكاراغويون من بينهم لوريانو أورتيغا، نجل الرئيس دانيال أورتيغا ومستشاره.
وأعلنت ماناغوا في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، واعترافها بـ«صين واحدة» تمثلها حكومة بكين، لينخفض عدد الدول الحليفة للجزيرة إلى 14 دولة فقط.
وأتى قرار ماناغوا المفاجئ في وقت شددت فيه الولايات المتحدة عقوباتها على رئيس نيكاراغوا إثر الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفاز فيها أورتيغا بولاية رابعة على التوالي، بعد أن اعتقل جميع منافسيه.
وانتزعت بكين من تايبيه الاعتراف الدبلوماسي من قبل ثماني دول، نصفها في أميركا اللاتينية هي بنما والسلفادور وجمهورية الدومينيكان ونيكاراغوا. ولم يعد لتايوان في أميركا الوسطى سوى ثلاث دول تعترف بها، هي هندوراس وغواتيمالا وبيليز.
من جهته، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ، في خطابه عشية العام الجديد، إن توحيد «الوطن الأم» حلم مشترك للناس على جانبي مضيق تايوان، في إشارة إلى الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، التي تعتبرها بكين أرضاً «مقدسة». وأضاف: «يحدوني الأمل، بصدق وإخلاص، في أن يتوحد جميع أبناء الصين وبناتها من أجل مستقبل أكثر إشراقاً لأمتنا».
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، حذر مسؤول في بكين من أن الصين ستتخذ «إجراءات قوية» إذا سارت تايوان، التي تتمتع بديمقراطية راسخة، أي خطوات نحو الاستقلال رسمياً، كما نقلت وكالة «رويترز».
وشدد شي على أهمية مواصلة السير على نهج «التركيز الاستراتيجي» والانتباه «للمخاطر المحتملة»، حسب رؤية الحزب الشيوعي طويلة الأمد بهدف تحويل الصين إلى قوة عالمية. وكان شي أعلن في 2021 أن الصين حققت هدفها المتمثل في بناء ما يسمى بمجتمع «مزدهر على نحو معقول»، في علامة فارقة على طريق البلاد للتحول إلى قوة عالمية رائدة في 2049، في الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وقال شي في خطاب نقله التلفزيون: «ينبغي أن نحمي على الدوام المنظور طويل الأمد، وأن نبقى منتبهين للمخاطر المحتملة، ونحافظ على التركيز الاستراتيجي والعزيمة».وتركز الصين، التي اكتُشف فيها فيروس كورونا لأول مرة في أواخر 2019، على إنجازاتها في الماضي والحاضر، بما في ذلك السيطرة السريعة على «كوفيد - 19».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟