غموض يحيط بتفاصيل مجزرة هزت العراق

راح ضحيتها 20 شخصاً من عائلة واحدة... والكاظمي يأمر بالتحقيق

TT

غموض يحيط بتفاصيل مجزرة هزت العراق

شهدت منطقة جبلة في محافظة بابل مجزرة رهيبة، أول من أمس، راح ضحيتها عائلة مؤلفة من 20 شخصاً، بينهم أطفال رضع، في مؤشر صارخ على دوامة العنف الذي غرقت به البلاد منذ عقود. ورغم الطابع العلني والإجرامي الذي ارتبط بالحادث، إلا أن الروايات الرسمية وغير الرسمية حولها اتسمت بالتضارب والغموض الشديدين، ما يكشف عن الاختلال المهني الذي تعاني منه مؤسسات البلاد، والأمنية منها على وجه الخصوص. وأمر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بإجراء تحقيق عادل في الحادث، ووصل وزير الداخلية عثمان الغانمي، بعد ظهر أمس، على رأس وفد رفيع المستوى إلى موقع الحادث للإشراف على مسار التحقيق.
وفي حين تشير إحدى الروايات الرسمية إلى تلقي بلاغ عن وجود شخصين مطلوبين للقضاء في منزل رحيم كاظم الغريري، الذي فتح النار على مفرزة الاستخبارات بعد وصولها إلى المنزل، تؤكد روايات وشهود عيان أن عائلة الغريري تعرضت إلى إبادة جماعية على يد نسيبه (زوج ابنته) الذي يعمل ضابطاً في إحدى الأجهزة الأمنية ولديه خلافات عائلية معه. وثمة رواية أخرى تذهب إلى أن الغريري هو من أقدم على إبادة عائلته بعد أن قام بمواجهة مع القوة الأمنية استمرت لنحو 3 ساعات، وعند توقف إطلاق النار داهمت القوة الأمنية المنزل فوجدت أن جميع من فيه، من النساء والأطفال، قد قتلوا.
وفي مقابل ذلك، روت شقيقة الغريري المتهم بقتل العائلة، عبر «فيديو»، شهادة مغايرة لما أوردته الأجهزة الأمنية، حيث اتهمت شخصاً آخر (النسيب) بالتسبب في المجزرة، وأكدت أن «الغريري معروف بحب أطفاله وعلاقته جيدة بأهله».
وتظهر إحصائية أولية قدمتها مصادر أمنية عن تمكنها من التعرف على هويات بعض المقتولين وعددهم 20 شخصاً، وضمنهم رب الأسرة رحيم الغريري وزوجته وأربعة أولاد وبنتان، وستة أطفال من بناته.
إلى ذلك، أكد محافظ بابل حسن منديل، أمس الجمعة، وصول لجان أمنية من وزارة الداخلية للتحقيق في جريمة جبلة، وأشار إلى استمرار قائد الشرطة ومدير الاستخبارات في أداء عملهما بعد أن تحدثت أنباء عن حجزهما من قبل وزير الداخلية. وقال منديل لوكالة الأنباء الرسمية، إن «اللجان التحقيقية وصلت من وزارة الداخلية وموجودة الآن في مديرية الاستخبارات ومسرح الجريمة وقائد الشرطة موجود حالياً هناك»، وأكد «عدم وجود أوامر حجز لقائد الشرطة ولا مدير الاستخبارات».
بدوره، انتقد عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، طريقة تعاطي الأجهزة الأمنية مع الحادث - المجزرة. وقال البياتي لـ«الشرق الأوسط»، إن «التضارب في الروايات الرسمية يكشف عن ضعف كبير في المعلومات الاستخبارية، حيث تقول بعض المصادر الرسمية إن قوة كبيرة توجهت لاعتقال شخص مطلوب للإرهاب وسط منطقة سكنية، ويبدو أن ذلك لم يكن دقيقاً». وأضاف: «حتى مع وجود معلومات استخبارية حقيقية عن وجود مطلوبين للقضاء، لم تقم القوات الأمنية بواجبها في حماية المدنيين وهناك تقصير واضح. إن اعتقال أي شخص لا يعني المجازفة بحياة المواطنين الآخرين». وتابع: «من واقع عملنا كهيئة مدافعة عن حقوق الإنسان طالبنا مراراً بتشكيل لجنة عالية المستوى تشمل القضاء والجهات الأمنية والمفوضية لمحاسبة المقصرين داخل الأجهزة الأمنية وتأهيلهم وتدريبهم على طرق التعامل مع المتهمين والمواطنين بشكل عام، وإبعاد العناصر المسيئة بين صفوف الأجهزة الأمنية».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».