«الطفل هو أبو الرجل» هكذا تقول الحكمة الشهيرة المستندة على خلفية علمية، نفسية واجتماعية، مؤكدة أنّ ما نواجهه نحن الرجال الناضجين والسيدات الناضجات ما هو إلا انعكاس مباشر لما عشناه في حياتنا من تجارب مريرة أو سعيدة.
انطلاقاً من هذه الحقيقة، يبني الفيلم المصري «برا المنهج»، الذي يُعرض حالياً في دور السينما المختلفة بمصر، حبكته وهو يتناول عالم الطفولة وما يكتنفها من أزمات وعوائق تحول دون بناء إنسان سوي، متوازن، قادر على إسعاد نفسه وإفادة بلاده.
«نور» يبلغ من العمر 13 عاماً، يعيش مأساته الخاصة طفلاً وتلميذاً في المدرسة على حد سواء، زملاؤه في الفصل الدراسي يجعلونه هدفاً دائماً لموجات لا تنتهي من التنمر. يسخرون من ضعف بصره واضطراره لارتداء نظارة طبية طوال الوقت. إمعاناً في الإهانة يطلقون عليه اسماً كودياً خاصاً هو «عماشة»، لا يكتفي المتنمرون بكل ذلك، بل يذهبون إلى مرحلة أبعد تتمثل في العنف والتطاول عليه بالأيدي. لا يجد «نور»، الذي يجسد دوره الطفل عمر شريف، أي نوع من الحماية من جانب معظم المدرسين، بل إنّ بعضهم يساهم في إفقاد التلاميذ ثقتهم بأنفسهم، حيث يهدّدون الطلبة بإدخالهم إلى «بيت الأشباح»، وهو بيت قديم مهجور يخاف منه معظم الناس وتتردد حوله شائعات مخيفة.
يقرر «نور» أنّه بحاجة إلى عمل كبير، لم يسبقه إليه أحد من قبل، يُكسبه احترام الجميع. يقع اختياره على ذلك البيت. يصمم على اقتحامه رغم ضربات قلبه التي تتصاعد رعباً. وسط جذوع أشجار مجدبة وأدخنة زرقاء وموسيقى حادة تتعالى، ثمة شبح مخيف ضخم يلوح في الأفق، لكن سرعان ما يتبين أنّه مجرد عجوز طيب قرر اعتزال الناس والابتعاد عن صراعات الحياة بحثاً عن معنى.
يصبح لقاء الاثنين: الزاهد الساخر الذي يجسد دوره الفنان ماجد الكدواني والطفل الصغير، بمثابة رحلة مدهشة لإعادة اكتشاف الذات والعالم انطلاقاً من عنوان الفيلم نفسه، حيث تشير عبارة «برا المنهج» في معناها المباشر إلى الأسئلة التي ترد في الاختبارات المدرسية ولا علاقة لها بالمنهج الدراسي إذ تطمح لقياس قدرات خاصة لدى التلاميذ. أما في هذا العمل، فهي تعني تجارب الحياة التي لن يطلعك عليها أحد بسهولة!.
الفيلم في مجمله يعد محاولة ناجحة لتقديم عمل لا يخضع لشروط السوق بمعناها التجاري ويتجاوز ثنائية: الأكشن أو الضحك لمجرد الضحك. هنا نحن إزاء معانٍ عميقة، لكنها مقدمة من خلال حبكة بسيطة ومباشرة تشتغل على قضايا التنمر والتربية والإحساس بالأمان ودروس الحياة الثمينة التي لا ندركها إلا بعد فوات الأوان غالباً.
جاءت الأحداث مغلفة بنزعة كوميدية مما سهّل تمرير رسائل الفيلم بسلاسة، كما أنّ ماجد الكدواني بما حققه من جماهيرية في السنوات الأخيرة أصبح اسمه وحده كفيلاً بضمان الحد الأدنى من الإيرادات في شباك التذاكر.
ويعد الفيلم التجربة الثانية من نوعها التي يُقدم عليها المؤلف والمخرج عمرو سلامة بعد فيلم «لا مؤاخذة»، إنتاج عام 2014. ويكون محور القصة والبطولة أحد الأطفال، فهل تحول الأمر إلى نوع من الشغف رغم ما يعتري هذه النوعية من الأعمال من صعوبات بالغة في التنفيذ؟ طرحنا السؤال على سلامة فأجاب قائلاً: «العمل مع الأطفال قد يكون صعباً من ناحية قدرتك على توجيههم، لكنّه مشوق وممتع إلى أقصى حد، خصوصاً إذا نجحت في اختيار الطفل المناسب».
ويؤكد عمرو سلامة في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أنّه شاهد آلاف الوجوه المرشحة من الأطفال عبر تجارب أداء لا تنتهي حتى استقر في النهاية على الطفل عمر شريف.
وعن اختيار ماجد الكدواني لهذا الدور أوضح سلامة أنّه كتب معالجة العمل من عشر سنوات وأطلع الكدواني عليها فكان متحمساً للغاية ويسأله طوال هذه الفترة عن العمل، حتى أصبح الظرف مواتياً وخرجت التجربة للنور أخيراً.
وبشأن ردود الأفعال حتى الآن، تجاه الفيلم، يؤكد أنّها فاقت توقعاته منذ اللحظة الأولى، خصوصاً حين عرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر في مدينة جدة، وفوجئ بأنّ جميع التذاكر بيعت مسبقاً رغم ضخامة قاعة العرض واتساعها لمئات المتفرجين!.
«برا المنهج»... معالجة سينمائية كوميدية لأزمات الطفولة
ماجد الكدواني والطفل عمر شريف تقاسما بطولة الفيلم المصري
«برا المنهج»... معالجة سينمائية كوميدية لأزمات الطفولة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة