عيد الميلاد يمر كسائر أيام السنة في بلدة القريتين السورية

هجرها معظم سكانها المسيحيين بعد سيطرة «داعش» عليها عام 2015

TT

عيد الميلاد يمر كسائر أيام السنة في بلدة القريتين السورية

يقف مطانيوس دلول وحيداً وسط جدران متفحمة في دير أثري كان يعج عادة بالزوار في بلدة القريتين السورية، قبل أن يفر منها غالبية سكانها المسيحيين، ولا يبقى منهم سوى قلة بات عيد الميلاد بالنسبة لهم كغيره من أيام السنة، حسب ما جاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من هذا البلد الواقع بريف حمص الشرقي.
ودلول (62 عاماً) واحد من عشرين مسيحياً على الأقل لا يزالون يقطنون في البلدة في ريف حمص الشرقي في وسط سوريا، التي كان عدد المسيحيين فيها يتجاوز 900 شخص قبل اندلاع النزاع في 2011 ثم سيطرة جماعات متشددة عليها.
ويقول دلول، «العيد يحتاج إلى ناس، إلى شبان وشابات وليس مجرد حجارة». ويضيف هذا الرجل الذي يهتم بالرعية ويعيش وحيداً بعدما هاجر أبناؤه الثلاثة: «الحجارة كثيرة، لكن الناس هي التي تخلق بهجة العيد، وإذا لم يعد الناس فليس هناك عيد».
يسير دلول بصعوبة فوق ركام كنيسة اعتاد على زيارتها، ويمر إلى جانب أخرى لم يبق منها سوى جدران وباب حديدي ملأه الصدأ. وداخل الدير المهجور الذي لا تزال آثار الحرائق تغطي جدرانه، يصلي دلول كي «يُطيل الله بأعمار» آخر عشرين مسيحياً في البلدة، وغالبيتهم من كبار العمر، حسب تحقيق الوكالة الفرنسية.
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه قبل اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، كان عدد سكان القريتين نحو ثلاثين ألف شخص بينهم 900 مسيحي، إلى أن سيطر تنظيم «داعش» عليها في 2015، وفر منذ ذلك الحين غالبية سكانها المسيحيين دون عودة برغم استعادة القوات الحكومية السيطرة على البلدة في عام 2017.
خرب عناصر «داعش» دير مار إليان للسريان الكاثوليك، الذي يعود إلى القرن السادس ميلادي، وأحرقوا ودمروا عدداً من الكنائس. كما خطفوا إثر سيطرتهم على البلدة 270 من سكانها المسيحيين، واحتجزوهم في قبو تحت الأرض لمدة 25 يوماً.
يتذكر دلول أعياد الميلاد التي كان يقضيها مع أولاده وأبناء القرية في التزيين والإعداد للحفلات وموائد العشاء.
ويقول، «احتفلت كنائس القريتين بعيد الميلاد المرة الأخيرة في 2015 قبل دخول تنظيم (داعش)، وبعد ذلك غابت الاحتفالات نهائياً». ويضيف: «لا يوجد كنيسة مفتوحة، ولا كاهن يُشرف على مراسم العيد، ولا شباب ولا شابات».
أما بسام دباس (61 عاماً) فهو لا يُخطط لأي شيء لسهرة عيد الميلاد لهذه السنة أيضاً، بل سيقضي يومه في ورشته الصغيرة لصناعة دبس الزبيب، التي قسمها بين جزء مخصص لتخمير الزبيب، وآخر لنشره وتجفيفه قبل طهيه.
ويقول دباس أثناء تحريكه لعصارة الزبيب على نار ساخنة، «الأعياد اختلفت بشكل كامل منذ دخل (داعش) ودخل الحزن إلى قلوب الناس». ويضيف: «ذهب (داعش) وبقي الحزن».
يعيش دباس هو الآخر وحيداً في البلدة، بعدما نزح وهاجر كافة أفراد عائلته. وبرغم ذلك، فضل أن يعود ليستقر العام الحالي في القرية ليتابع العمل في مهنة ورثها عن أجداده. ويحاولُ اليوم الحفاظ على حد أدنى من إنتاجه السنوي بعدما حول جزءاً من منزله إلى ورشة، مستغلاً ساعات قليلة يتوفر خلالها التيار الكهربائي للعمل. ويقول «ليس لدي أحد، لا أب ولا أم ولا أقارب... أقضي العيد وكأنه أي يوم آخر، يوم عامل عادي».
يسود الهدوء الشارع حيث يقع منزل دباس، ولا يمر منه أحد إلا ما ندر، فيما لا تزال مخلفات المعارك تعم الأرجاء، وتملأ آثار الرصاص والقذائف معظم جدران المنازل. لكن دباس يأمل بأن يتغير الوضع العام المقبل ربما بعودة السكان المسيحيين إلى القرية أو حتى زيارتهم لها، إذ إن «البلاد من دون ساكنيها عبارة عن خراب».
دباس ليس الوحيد الذي سيمضي عيد الميلاد من دون احتفال، إذ قررت سميرة خوري (68 عاماً) وأخواتها الثلاث أن يكتفين هذا العام أيضاً بإضاءة شمعة داخل منزلهن إلى جانب رموز دينية، من دون زينة ولا شجرة ولا حلويات.
وكانت خوري وشقيقاتها من بين عشرات المسيحيين الذين خطفهم تنظيم «داعش» بعد سيطرته على البلدة.
وتقول وقد جلست قُبالة مدفأة في غرفة صغيرة، «منذ ذلك اليوم اختفى الفرح من منزلنا بشكل كامل». وتضيف: «كل شيء تغير (...) من الطبيعي أن يتغير طعم الفرح وشكل العيد، وألا نحتفل لوحدنا بدون الأهل والجيران».
وبعينين دامعتين وشوق لأهله وجيرانه، يجثو فيليب عازر (49 عاماً) على ركبتيه ويضع الحطب داخل مدفأة في الغرفة التي يكتفي بالعيش فيها، في منزله الضخم المؤلف من عشر غرف على الأقل. ويقول «الأهل هاجروا، والأصدقاء ماتوا». ويضيف بحزن: «هذا العام أيضاً، سأمضي عيد الميلاد قرب هذه المدفأة».
لم يضع عازر شجرة ميلاد في منزله منذ بدء الحرب في سوريا. ويقول «شجرة عيد الميلاد لا تزال في العلبة منذ 2011... لمن أضعها؟ لماذا أحتفل بالعيد وحدي إن لم يكن معي إخوتي وجيراني وأصدقائي». ويضيف: «هل هناك عيد من دون صوت جرس الكنيسة؟».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.