ريتا حايك لـ «الشرق الأوسط» : ترضيني أدوار توقد النار في داخلي

نجمة مسلسل «بارانويا» بشخصية «ميلا» مع قصي خولي

ريتا حايك بشخصية «ميلا» في «بارانويا»
ريتا حايك بشخصية «ميلا» في «بارانويا»
TT

ريتا حايك لـ «الشرق الأوسط» : ترضيني أدوار توقد النار في داخلي

ريتا حايك بشخصية «ميلا» في «بارانويا»
ريتا حايك بشخصية «ميلا» في «بارانويا»

شعرت ريتا حايك بالغياب منذ انتهائها من تصوير مسلسل «من الآخر». لازمت المنزل نحو سنة، حين هجم الوباء مصطحباً معه الضجر والكآبة. اتخذت حينها قراراً يهدئ بعض تهشم الصحة النفسية: «سأغلق كل حساباتي في السوشيال ميديا لسد الباب في وجه الأخبار السيئة». وراحت تتفرغ لريتا الأم، فشغلتها واحتوتها. إلى أن خرج ضوء من العتمة القاسية، فوصلت إلى يديها نصوص درامية. غمرها توق إلى نص يحرك الراكد فيها، موقظاً ريتا الممثلة «المشعوطة»، وتعني باللهجة اللبنانية الباحثة عن الاختلاف الخلاق. تستعيد نجمة «بارانويا» في لقاء مع «الشرق الأوسط»، كواليس الشخصية والحياة المشرعة على الفرص.
يحملها دور «ميلا» في مسلسل «بارانويا» مع قصي خولي إلى الغيم، فقد أوقد النار المشتعلة في أعماقها. يمر وقت، وهذه النار تنتظر مَن يوقظ حريقها. حين عادت من قبرص بعد تصويرها وستيفاني عطا الله فيلم «إيمان»، كنجمتين عربيتين وحيدتين، كان المزاج محلقاً في الأعالي، كأن الفيلم فرصة لعناق الحياة. ولفرط ما بدت متشوقة إليها، أرادت عدم إفلاتها. بهذا الجو، وقعت «ميلا» بين يديها. وصلتها أوراق مسلسل «بارانويا» (14 حلقة عرضتها «شاهد»)، ولم تلمح «ميلا» في أول حلقتين، فأهملت القراءة الجدية، هي المعروفة بأنها قارئة أدق التفاصيل حين يتعلق الأمر بمسلسل يُعرض عليها. الرد المتسرع: «لا أجد نفسي في العمل»، مع اعتذار عن عدم قبول الدور. بعد لفت انتباهها إلى ضرورة مراجعة الأوراق والقرارات، قرأت بتركيز فخفق القلب: «موافقة على الفور».
تُخرجها «ميلا» من الكادر التقليدي للبطلة الكلاسيكية الميالة غالباً إلى تبني دور الضحية. تتكلم عنها بمشاعر متلاطمة: «لم أقدم دوراً درامياً أستطيع أن أسميه منعطفاً مهنياً. تتيح المنصات تحقق النفضة المطلوبة لخروج الممثل من الإطار الرتيب. في (بارانويا)، شعرتُ بأنني على حريتي، خارج النمطية. هذا الشعور أتاحه لي المسرح، واليوم تتيحه (ميلا). أُغرمتُ بها وتساءلت: أحقاً سأُخرج مني هذه الشخصية؟ أحقاً سيولد مسلسل يبدو أمامي كفيلم سينما؟».
تحققت الأماني، وولدت الشخصية كما تخيلتها: «شابة من كوكب آخر، مختلفة في لباسها وتسريحة شعرها ونبرتها وأفكارها الغامضة». تُكمل ريتا حايك أن الشخصية دخلت حياتها في التوقيت المناسب، لحاجتها إليها. كأنها انبثاق الشغف من الملل والحب من فقدان الجدوى: «اشتقتُ إلى أن أكون أنا في المسلسلات. لفحة التمرد تغويني وتحفزني لمراكمة تجارب درامية ثرية».
«ميلا» حبٌ معقد وجنون إنساني يتنقل على قدمين. دخلت صميم ريتا حايك وحفرت فيها، فرافقتها إلى يومياتها. راحت تطيل سهر الليالي، أسوة فيها. ملأتها حد الإحساس بالحاجة إلى الاستماع للموسيقى عينها التي تحبها. سكنتها وعلمت عميقاً.
كل ذلك لرغبة ملحة في الإحساس بالحاجة إلى الفصل بين ريتا الفنانة وريتا الأم في منزلها. تُفسر شعوراً غريباً يصيبها: «الأمومة أروع ما حصل لي، هي السعادة المُتعبة. لا أستطيع تخيل نفسي من دون طفلي، فمعه أتعلم النضج وأكون قوية. مع ذلك، نادتني ريتا ما قبل (كوفيد) وكآبة العزلة وألحت لأكونها. ريتا المشتعلة من الداخل بأدوار تترجم معنى وجودها. فاندفعتُ بكلي إلى الشخصية ومنحتها قلبي».
سمعت عطر السيرة عن قصي خولي، وقال لها صديقها جنيد زين الدين الذي التقى معه في «عشرين عشرين»، وجددا اللقاء في «بارانويا»: «إنه فنان رائع. ستتأكدين بنفسك»، وتأكدت. تخبرنا أنها عادت إلى منزلها بشعور بامتلاء الرأس حين اجتمعا للمرة الأولى لنقاش الشخصيات المكتوبة على الورق. والنتيجة: «صفر مجهود في الثلاثية المكونة مني ومن قصي وجنيد. معهما أكون حقيقية. نشبه بعضنا في الانسياب الفكري والنظرة إلى الحياة». يمازحها قصي خولي: «فيكِ خشة»، قاصداً أنها فنانة من خارج الصندوق المغلق. تجتمع معه ومع جنيد زين الدين في بطولة «بارانويا»، بعد عشر سنوات على اللقاء مع الأخير في دوره التمثيلي الأول بمسلسل «هروب». يغمرها حنين لذكريات التصوير والحكايات الحلوة بعد انطفاء الكاميرا، ولو قُدر لها اختيار نجم لمسلسل مقبل، لأجابت سريعاً: «سأكون سعيدة لو أجدد الثنائية مع قصي». ومن أيضاً؟ المطلوب إجابة صريحة، فترد: «باسل خياط. أشعر بتحليه بجنون الممثل، ما قد يسهل تركيبة الثنائية».
سيطفو على الملامح الرضا المنقوص لو وافقت على شخصية لا توقد النار فيها، فتفضل التضحية باستراحة المنزل وأثمانها النفسية، إلى أن يزورها الدور المجنون. لم تشكل «ميلا» منعطفاً مهنياً فقط، بل أيضاً منعطفاً شخصياً: «جعلتني على صلة بذاتي التي شعرتُ لوهلة أنني أفتقدها».
أسعدها عرض فيلم «بيروت هولدن» من بطولتها في «مهرجان البحر الأحمر» بالسعودية، وتنتظر عرض «إيمان» في مهرجانات دولية العام المقبل. ودرامياً؟ «أقرأ نصوصاً ولا شيء محسوماً بعد». لن تطل في رمضان، وبالنسبة إليها، لا تضبط حضورها بموسم أو مناسبة: «أمثل لأنني أحب المهنة ولأنها تملأني من الداخل، لا لخوض منافسة والدخول في سباقات. أنجح في تحدي نفسي وإخراج أجمل ما فيها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».