فهرس رقمي يوثق تاريخ وجماليات الآثار المصرية

مشهد زينب الحصواتي في حي الإمام الشافعي
مشهد زينب الحصواتي في حي الإمام الشافعي
TT

فهرس رقمي يوثق تاريخ وجماليات الآثار المصرية

مشهد زينب الحصواتي في حي الإمام الشافعي
مشهد زينب الحصواتي في حي الإمام الشافعي

في محاولة منهم لتوفير المعلومات التاريخية للهواة وعشاق الحضارة المصرية، وتسهيل الوصول إلى أماكن المعالم الأثرية وخصوصاً غير المعروفة، بدأ عدد من الشباب المهتمين بالتراث، إعداد «دليل رقمي شامل للآثار والبنايات التراثية في مصر عبارة عن «فهرس» مرتب وفق الحروف الأبجدية لتسهيل البحث عن أي أثر، كما تم تقسيم «الفهرس» إلى تصنيفات فرعية، منها المساجد، القصور، والأسبلة، والمدرجات، والحدائق، والقلاع، والمحالج والمصانع الأثرية، ووكالات ومدارس وخانات وحمامات أثرية وغيرها.
«الفهرس الرقمي» أعده شباب مبادرة «القاهرة التاريخية»، وهي عبارة عن تجمع إلكتروني لعشاق الآثار المصرية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» والتي تضم أكثر من 250 ألف متابع، ويستهدف «الفهرس» الهواة وعشاق الحضارة المصرية، وخصوصاً الأجيال الجديدة من الشباب الذين يسعون إلى معرفة المعالم الأثرية والسياحية وتاريخها، وكذلك طلاب كليات الآثار والتاريخ. تقسيم «الفهرس» وفق ترتيب الحروف الأبجدية يسهل عملية البحث عن أي أثر، حيث تم تخصيص رابط مستقل لكل بناية أو معلم أثري يحتوي على معلومات تاريخية مبسطة، منها تاريخ الأثر، وتاريخ إنشائه، وموقعه ومواصفاته، وعناصر تميز عمارته وفنونه التراثية، إضافة إلى ألبوم صور فوتوغرافية حديثة تبرز العناصر والمكونات الجمالية للأثر وتميز عمارته.
وتوفر التقسيمات الفرعية سهولة أكثر في البحث، إذا تم تقسيم «الفهرس» إلى 42 مصنفاً فرعياً، ويضم «الفهرس» توثيقا لـ936 أثراً وبناية تراثية بكافة معلوماتها التاريخية والتراثية، حتى الآن وألبوم صور فوتوغرافية حديثة لكل بناية، ويجري إضافة معالم أثرية جديدة بألبوماتها الفوتوغرافية إلى «الفهرس» تباعاً وفق صلاح الناظر مؤسس «مبادرة القاهرة التاريخية».
ويقول الناظر لـ«الشرق الأوسط» إن «فكرة (الفهرس) تستهدف الهواة وعشاق الحضارة المصرية، والأجيال الجديدة من الشباب، بجانب طلاب كليات الآثار والسياحة والتاريخ وطلاب الدراسات العليا، فهو يوفر معلومات عن كل أثر بدءاً من موقعه بشكل محدد، وتاريخه ومواصفاته الفنية، وقيمته التاريخية والمعمارية، إضافة إلى ألبوم صور حديث لكل أثر أو بناية قام بالتقاطها مصورون متطوعون يتعاونون مع المبادرة».
ويشير الناظر إلى أن: «ما تم رفعه في الدليل الإلكتروني وصل إلى 936 أثراً يتوزعون في محافظات مختلفة، ونضيف ألبومات جديدة تباعاً، حيث نأمل أن يضم أكبر عدد من الآثار لأنه لا يمكن تحديد جدول زمني للانتهاء من توثيق كل المعالم والبنايات فهذا مستحيل».
وقد سهل ترتيب (الفهرس) وفق الحروف الهجائية عملية البحث عن أي أثر، إذ يمكن الوصول لمعلوماته بسهولة، وفق الناظر الذي يلفت إلى أن «التصنيف الفرعي يمكن المستخدم من الوصول إلى نوع الأثر الذي يبحث عنه بسهولة، فمثلاً إذا اخترت تصنيف المساجد ستجد مجموعة روابط متتابعة لكل المساجد التي تم توثيقها، ويضم كل رابط كافة المعلومات المتعلقة بالمسجد، وهو ما يحدث في التصنيفات الأخرى على غرار الأسبلة والقباب والحمامات التاريخية والمتاحف والقصور».
ومن بين 936 أثراً وثقها «الفهرس» برز اسم العديد من المساجد التاريخية المصرية التي لم يحظ بعضها بشهرة كبيرة منها، مسجد الخديوي إسماعيل، المعروف باسم «صالح أبو حديد» بحي السيدة زينب بالقاهرة، ومساجد الأمير عابدي بك درويش بحي مصر القديمة، والأمير علي بك، المعروف باسم المرزوقي الأحمدي بحي الجمالية، والأمير أحمد المهمندار بالدرب الأحمر، ومسجد الأمير سنقر الفرقاني بالأزهر، ومساجد عديدة في محافظات مصر، بينها مسجد إنجي هانم بحي محرم بك في الإسكندرية، ومسجد أبو شعرة بمدينة كفر الشيخ، وأبو مندور بمحافظة البحيرة، ومسجد الأشرف برسباي بمحافظة القليوبية.
وبجانب المساجد والقصور والمتاحف والتكايا تضم قائمة التصنيفات الفرعية للفهرس تسميات أثرية غير دارجة، منها المشاهد، مثل مشهد إخوة يوسف أسفل جبل المقطم بحي الإباجية، ومشهد زينب بنت الشريف هاشم بحي الإمام الشافعي، والإيوانات، منها إيوان ريحان في قرافة سيدي جلال بحي السيدة عائشة، وإيوان الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار بحي الخليفة «جنوب القاهرة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».