ثالوث الجوع والخوف والمرض ينهش صنعاء في عهد الانقلاب الحوثي

«الشرق الأوسط» تجولت في شوارع المدينة وأسواقها ورصدت معاناة سكانها

صنعاء تعيش في خوف في ظل حكم الانقلابيين الحوثيين (الشرق الأوسط)
صنعاء تعيش في خوف في ظل حكم الانقلابيين الحوثيين (الشرق الأوسط)
TT

ثالوث الجوع والخوف والمرض ينهش صنعاء في عهد الانقلاب الحوثي

صنعاء تعيش في خوف في ظل حكم الانقلابيين الحوثيين (الشرق الأوسط)
صنعاء تعيش في خوف في ظل حكم الانقلابيين الحوثيين (الشرق الأوسط)

لا يزال ملايين اليمنيين القاطنين في العاصمة صنعاء الخاضعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية يعيشون منذ سبع سنوات من عمر الانقلاب حالة من الإحباط والبؤس والحرمان جراء ما وصلت إليه أوضاعهم المعيشية من تدهور جراء استمرار سياسات الفساد الحوثية وأعمال العبث والنهب والتجويع والإفقار.
فحين تتجول في طرقات وشوارع وأزقة العاصمة صنعاء يتضح جلياً حجم المعاناة والأوجاع التي لا يزال يكابدها ملايين السكان هناك، إذ يُكرس جل حديثهم اليومي المثقل بالهموم والمتاعب حول الأوضاع المتدهورة على مختلف المجالات معيشياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وصحياً وتعليمياً.
«الشرق الأوسط» رصدت من قلب العاصمة، تحديداً من شارع الستين (أكبر شوارع صنعاء)، مروراً بمنطقة عصر، وصولاً إلى أحياء شميلة وباب اليمن، البعض من معاناة السكان وما يدور في خلجاتهم من أحزان خلفتها سبع سنوات من الانقلاب، يصفها كثيرون بـ«السبع العجاف».
على متن إحدى حافلات نقل الركاب في شوارع صنعاء استوقفتنا حكايات عدة لبعض المواطنين من مختلف الأعمار أنهكتهم الحرب التي خلفتها الجماعة، وحولت البعض منهم إما إلى باعة أرصفة أو متسولين يبحثون عن لقمة العيش لإعالة أطفالهم، كما أن جل أحاديثهم لم تخرج عن إطار صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار وفساد الحوثيين وانقطاع الرواتب وتدهور الحالة الأمنية وتفشي البطالة وغيرها.
ويقول «أحمد. ع»، أحد الركاب وكان يعمل مدرساً في صنعاء، إنه ذاهب كعادته كل يوم إلى أحد التجار في حي شميلة للعمل لديه في حمل البضائع بأجر يومي لا يتعدى 3000 ريال، ما يعادل 5 دولارات.
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أنه انقطع عن مهنة التدريس منذ عامين تقريباً نتيجة عدم صرف الرواتب، واضطر منذ ذلك الوقت للبحث عن فرصة عمل أخرى للإنفاق على أسرته المكونة من ستة أفراد، حيث تقطن بالإيجار في حي السينية بصنعاء.
وفي ظل عجز كبير لملايين السكان في العاصمة، بينهم موظفون حكوميون، عن توفير أدنى المتطلبات الضرورية لأسرهم نتيجة استمرار فساد الجماعة وسرقتها للرواتب، يقول أحمد: «إنه لم ير البؤس والجوع والفقر والمجاعة والحرمان إلا في الفترة التي أعقبت سنوات الانقلاب والحرب الحوثية».
ويشير إلى أن لسان حال الجميع في صنعاء يقول: «لم تعد عاصمتنا كما كانت عليه قبل الاجتياح الحوثي لها، حيث لا مقومات للعيش فيها، لا ماء، لا كهرباء، لا غاز، لا أعمال، لا رواتب، لا أمن، لا استقرار، لا شيء يُذكر على أرض الواقع سوى آلة النهب والقتل الحوثية».
مقابر وغلاء:
ولعل أبرز ما استنتجته «الشرق الأوسط» من خلال جولتها وتتبعها لحكايات ومصاعب عشرات المواطنين على متن عدد من حافلات النقل بشوارع وطرقات صنعاء هو الاستياء والغضب الكبير جداً اللذان أبداه غالبيتهم من أمرين، الأول يتمثل بانشغال الميليشيات حالياً بافتتاح مقابر جديدة، ومعارض صور قتلاها في الجبهات، عوضاً عن افتتاح المشاريع الخدمية، والثاني هو الاستياء من تأخر استكمال تحرير المدن والمناطق اليمنية، بما فيها عاصمتهم صنعاء، من قبضة الجماعة الحوثية.
ومن خلال حكايات بعض السكان ممن كانوا على متن تلك الحافلات، لفت انتباهنا رجل سبعيني وهو يتحدث بصوت منخفض عما سماه الهم الكبير الذي قتل عامة المواطنين في صنعاء، في إشارة منه إلى ما شهدته العاصمة خلال الأيام القليلة الماضية من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية، وعدم قدرة الناس على تأمين، ولو حتى وجبة طعام واحدة يومياً.
ويقاطع الرجل السبعيني بعض الشبان داخل الحافلة ذاتها، بالقول: «فعلاً لقد جبنا الكثير من الأسواق والمتاجر في صنعاء لشراء متطلبات أسرنا الأساسية، وتفاجأنا بالارتفاع المهول وغير المعلن لأسعار المواد الضرورية من قمح وسكر وزيت وسمن وأرز وخضراوات وغيرها».
وعند وصولنا إلى باحة أحد أكبر الأسواق التجارية في صنعاء، تفاجأنا بالعدد المحدود جداً للمتسوقين، بعد أن كانت جميع ساحاته تكتظ في السابق بمئات السيارات والمركبات الخاصة بالمتسوقين الذي يأتون تباعاً لشراء حاجياتهم الضرورية. وهو الأمر الذي يشير، وفق مراقبين، إلى التراجع الكبير للقدرة الشرائية لدى غالبية سكان صنعاء نتيجة الأوضاع المعيشية المتدهورة بفعل الانقلاب وآلة الحرب الحوثية.
وفي هذا السياق، أفاد عدد من المواطنين في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأنهم جابوا أسواقاً ومحال بيع المواد الغذائية لشراء ما يحتاجونه، لكنهم صدموا بذلك الارتفاع الكبير لأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية كالقمح والسكر والزيت والأرز وغيرها، في كل المحال التي زاروها.
ووجه البعض منهم اتهامات عدة للانقلابيين بوقوفهم خلف ارتفاع أسعار السلع الغذائية في صنعاء إلى أرقام مفزعة، نتيجة حملات الإتاوات والجباية غير القانونية المفروضة على كبار التجار.
وأكد مالك متجر في صنعاء، فضل عدم نشر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، أن معظم السلع الغذائية والضرورية ارتفعت أسعارها في العاصمة صنعاء خلال الآونة الأخيرة، بما في ذلك الخضراوات والألبان والمعلبات واللحوم بمختلف أنواعها وغيرها من السلع الضرورية.
وقال التاجر، «إن كيس دقيق القمح 50 كجم كان في أغسطس (آب) بسعر 12800 ريال، وارتفع خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي ليصل إلى 18500 ريال، بزيادة قدرها 5700 ريال. فيما كان سعر قنينة الزيت 20 لتراً في السابق بـ16500 ريال، وتجاوز سعرها حالياً 21800 ريال، بزيادة بلغت 5800 ريال. كما قفزت أسعار السكر من 15500 ريال للكيس الواحد سعة 50 كجم، إلى نحو 22000 ريال خلال الشهر الحالي».
وحسب مالك المتجر، فقد وصل سعر كيس الأرز متوسط الجودة عبوة 50 كجم إلى 32000 ريال، بينما كان سعره يتراوح قبل 4 أشهر ما بين 20 و22 ألف ريال. في حين ارتفع سعر جالون السمن (عبوة كبيرة) هو الآخر إلى مبلغ 22000 ريال، بعد أن كان سعره في أغسطس المنصرم لا يتعدى مبلغ 16 ألف ريال.
وأرجع التاجر في صنعاء الأسباب التي تقف وراء ارتفاع الأسعار، إلى أنها نتائج طبيعية لعمليات النهب والابتزاز التي تنفذها الميليشيات الحوثية بحق كبار التجار والمستوردين في نقاط التفتيش، وفرضهم مبالغ ضخمة على الحاويات والناقلات التي تحمل بضائع مستوردة من الخارج، ما ضاعف من تكاليف البضائع، وعمل على ارتفاع جنوني في أسعارها.
تحذيرات من المجاعة:
تأتي تلك السلسلة التي لا حصر لها من المعاناة التي خلفتها الميليشيات بحق ملايين اليمنيين، تحديداً القاطنين في العاصمة المختطفة صنعاء، في وقت تؤكد فيه أحدث الإحصاءات والتقارير الأممية والمحلية أن أكثر من 80 في المائة من اليمنيين بحاجة اليوم إلى نوع من المساعدات الإنسانية العاجلة. وكان برنامج الغذاء العالمي أطلق قبل أيام تحذيراً جديداً من انزلاق اليمن نحو المجاعة مع اشتداد المعارك بين الجيش اليمني وميليشيات الحوثي، وعدم قدرة البرنامج على الوصول لملايين المحتاجين.
وقال البرنامج في تحديث جديد عن الحالة الإنسانية في اليمن، إن أكثر من خمسة ملايين شخص معرضون لخطر المجاعة في بلد لا يزال يشكل إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وأكد البرنامج أن الاستهلاك الغذائي غير الكافي، وهو أحد مقاييس الجوع التي يتتبعها البرنامج آخذ في الارتفاع، ما يعكس مدى أهمية المساعدة الغذائية للأسر - ومدى عدم استقرار حالة الأمن الغذائي.
وذكر البرنامج أن سبع سنوات من الصراع لم تظهر أي علامة على انحسار الجوع، مع استمرار القتال في تشريد عشرات الآلاف وتعطيل وصول الملايين من الأشخاص إلى الغذاء. ولفت إلى أن أكثر من نصف السكان (16.2 مليون شخص) يواجهون جوعاً حاداً، مع وجود 5.1 مليون شخص معرضين لخطر المجاعة، ونصف الأطفال دون سن الخامسة (2.3 مليون) معرضون لخطر سوء التغذية هذا العام.
ونبه البرنامج لأنه وحيثما يحدث ذلك «فإن الاستهلاك الغذائي غير الكافي، وهو أحد مقاييس الجوع التي يتتبعها برنامج الأغذية العالمي، آخذ في الارتفاع، ما يؤكد مدى أهمية المساعدة الغذائية للأسر، ومدى عدم استقرار حالة الأمن الغذائي».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.