للمرة الأولى... «ديور» تُبدع حقائب يد بخطوط فرنسية وشخصية سعودية

الفنانة منال الضويان لـ«الشرق الأوسط»: أعمالي تصوير لبيئتي وتوثيق لتطورها الإنساني

TT

للمرة الأولى... «ديور» تُبدع حقائب يد بخطوط فرنسية وشخصية سعودية

كيف يمكن أن يتحول الفن إلى موضة تُعيد الاعتبار إلى منطقة بكاملها؟ وكيف يتحول إلى توثيق لمراحل مهمة من التاريخ الإنساني والاجتماعي والسياسي بلغة راقية وأنيقة؟ هذه وأسئلة كثيرة أخرى أجابت عنها الفنانة السعودية منال الضويان في لقائنا الافتراضي عبر كاميرا الـ«واتساب» منذ أيام. تأتي المقابلة نتيجة تعاونها مع دار «ديور» الفرنسية والذي أثمر عن ثلاث حقائب يد بخطوط فرنسية وشخصية سعودية بحتة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن منال هي أول فنانة عربية تدخل عالم الموضة من بوابة دار «ديور»، أو بالأحرى من خلال «ليدي ديور آرت»، وهي مبادرة فنية أطلقتها الدار منذ ست سنوات وتدعو فيها فنانين من كل أنحاء العالم لوضع لمساتهم على تصميمها الأيقوني «ليدي ديور». في شهر سبتمبر (أيلول) من 2020. تلقت منال الدعوة للمشاركة على أن يجهز تصميمها في عام 2021. تقول منال: «أول ما قمت به بعد الموافقة، أني اتصلت بأخواتي أسألهن المساعدة كوني لا أميل إلى الماركات العالمية بمعنى الـ(براندات) وكل أزيائي صناعة محلية. أخواتي في المقابل يتابعن خطوط الموضة العالمي بشغف». تستطرد أن الفكرة لم تكن فقط الاستفادة من خبرتهن، بل أيضاً حجة للتواصل معهن بشكل منتظم للخروج من العزلة الخانقة التي سببها الحجر الصحي. تقول: «صحيح أن عملي كفنانة يتطلب العمل الانفرادي في أغلب الأوقات، إلا أني اجتماعية، وعكس الصورة النمطية للفنان الانطوائي أستمتع بالعمل مع الناس وسماع قصصهم وتجاربهم في الحياة وهو ما تعكسه أعمالي الفنية عموماً». وربما هذا ما أثارها وحفزها للعمل مع فريق «ديور»، مشيرة إلى أن ما أعطى التجربة رونقها ومُتعتها «التعامل مع فريق يقدر الفن ويفهمه». فهو لم يتدخل أو يقم بأي محاولة للتأثير أو تقييد أفكارها، إلى درجة أنها تفاجأت بأن كل فكرة كانت تقترحها تُقابل بالترحاب ولم تكن تسمع سوى «وي... وي أليزي».
عندما بدأت ديور هذا التقليد منذ ست سنوات، كانت توفر للفنانين المتعاونين، وعددهم في كل عام 12 فناناً، فرصة زيارة ورشاتها ومتحفها الخاص إلى جانب معاملها الخاصة بالجلود والأقمشة، لكن في هذه السنة كل شيء جرى عبر عالم افتراضي. ومع ذلك فإن «الدار لم تُقصر أبداً»، حسب قول منال: «لقد تلقيت صناديق وصناديق تحتوي على نماذج وألوان متعددة من الجلود والريش والتطريزات لكي أختار منها. ورغم أنني في كل أعمالي أتعامل مع حرفيين سواء كانوا في مجالات السدو والحياكة أو نساجين ونحاتين، فإن تجربة التعاون مع حرفيي دار ديور وعن بُعد كان متعة من نوع جديد. ما إن كنت أشرح لهم وجهة نظري أو فكرتي حتى أراهم يعودون من المعمل باقتراحات يمكن أن تخدم هذه الفكرة. كانت العملية بالنسبة لي ساحرة على كل المستويات».
عندما أسألها إن كانت التجربة ستُدخلها عالم الـ«براندات» بما أنها استمتعت بالتجربة ترد ضاحكة: «ليس إلى هذا الحد، سأكتفي في الوقت الحالي بالتصميم، علماً بأني لست ضد الموضة ما دامت مصنوعة بحرفية وتتمتع بروح. كل ما في الأمر أني لا أميل إلى فكرة التشابه بدرجة تمحي شخصية الفرد وتميزه عن الآخر وتحول كل شيء إلى رمادي. كفنانة أنا أبحث دائماً عن هذا التفرد سواء كان في منظر طبيعي أو في حالة إنسانية. فمثلاً، لا أجد منظر عشر نساء يحملن نفس الحقيبة أو يلبسن نفس الأزياء في مناسبة ما مثيراً. من هذا المنظور، أفضل موضة تنسجها وتحيكها أنامل حرفيين يدويين وصناع موضة يهتمون بالتفاصيل الدقيقة. وربما هذا ما شجعني على التعاون مع «ديور أرت»، لأني آمنت بأنهم في هذا المشروع يهتمون بالجانب الحرفي والفني أكثر. ورغم أنها حقائب تحمل توقيع الدار، فإن هذا (اللوغو) يأتي في المرتبة الثانية بعد العمل الفني».
أول شيء انطلقت منه منال أنها اقترحت عليهم تغيير حروف «ديور» بأن تكتبها بالعربي. كان الأمر سابقة بالنسبة للدار الفرنسية، لكنهم وافقوا عليها دون تردد. «في البداية حاولنا استعمال الخط العربي لكني شعرت بأنه رغم كل جمالياته يبدو مفتعلاً لا يعبر عني، لهذا كتبت الحروف بخط يدي حتى تكون النتيجة أكثر واقعية ومصداقية» حسب قولها. كان الاتفاق الأولي أن تقدم تصميماً واحداً، لكنها وما إن بدأت برسم الاسكيتش، حتى تولدت لديها عدة أفكار وأشكال. الرسمة الأولى لم تتجسد كحقيبة في أرض الواقع لكنها فتحت الباب «لولادة ثلاث أفكار قدمتها لاختيار واحدة منها، ليأتيني الرد بأنهم أعجبوا بكل الاقتراحات، وإن كانت هناك إمكانية لتنفيذها كلها». ليس هذا فحسب، بل وافقوا على فكرة مختلفة تماماً لم تتوقع منال أن يتقبلوها، وكانت عبارة عن تصميم بعيد كل البُعد عن «ليدي ديور» التي تعتبر النجم الأول في مشروع «ليدي ديور آرت». تصميم على شكل منحوتة استلهمتها الفنانة من وردة الصحراء، وهو تكوين رملي نادر يتكون طبيعياً بفعل المحاليل المحملة بأكاسيد المعادن، التي عندما يتبخر الماء منها يترك أكاسيد على هيئة زهرة ببتلات متلاحمة. لا تخفي منال أن هذا الكريستال جزء من تاريخها الفني والإنساني كونه متجذراً في الذاكرة منذ الطفولة. فهو لا يوجد سوى في الصحاري، ومنها المنطقة الشرقية حيث وُلدت وترعرعت.
تقول: «وردة الصحراء كانت دائماً حاضرة في حياتي فلقد تربيت في أسرة يعمل معظم أفرادها في مجال البترول بأرامكو، فهم إن لم يدرسوا أو يتخصصوا في الجيولوجيا فهم يعشقون الصخور وأحجار الكريستال، لهذا كان من الطبيعي أن أسمعهم منذ طفولتي وهم يتغنون بخصائص هذه الأحجار وأشكالها. الآن أستعملها في العديد من أعمالي الفنية، لما توحيه لي من أنوثة وخصوبة وقدرة على التغير والتحول إضافة إلى أشياء أخرى كثيرة». تقول هذا وهي تشير إلى أن حالات التغير جزء من فنها المستمد من بيئة سعودية غنية تركز فيه على تطور دور المرأة في المجتمع. وهذا ما تؤكده كل من حقيبتي «ذي بويز» أي الأولاد و«مشهد من طبيعة الفكر». هذه الأخيرة تتحدث فيها عن علاقة الإنسان بالمكان، استوحتها من صور لـ«تنكات» بترول التقطتها من منزل والدتها بالظهران منذ سنوات. وحتى تُخفف من صرامتها، أضفت عليها أشكال نخيل وحمامة، وكتبت على ظهرها كلمات «أموت في اللحظة وأعيش فيها». أما حقيبة «الأولاد» والتي يظهر فيها مجموعة من الشبان بالثوب السعودي، فلا تقل خصوصية أو احتفالاً بالهوية السعودية. عندما أذكرها بأن هناك خيطاً رفيعاً بين الاحتفال بالهوية والوقوع في مطب الفولكلور ترد باستنكار: «كامرأة سعودية وكفنانة، لا أنكر أن كل أعمالي مستلهمة من البيئة السعودية. في بداية حياتي العملية، أتذكر أن بعض الناس كانوا ينصحونني بأن أبتعد عن هذه البيئة إن أردت أن أكون عالمية، وكنت دائماً أرفض هذا النوع من التفكير لأنه يمحو الأثر أو الجانب الإنساني في العمل الفني». وتتابع: «الطريف في نظري الآن أنني مصنفة كفنانة معاصرة إلا أن أعمالي لم تعد معاصرة بقدر ما هي توثيق لتاريخ متطور سواء كان عن قيادة المرأة، أو عن المرأة والأمل وغيرها. وكما ترين فإني أستمد أعمالي من تجاربي الإنسانية لم يضطرني للتنازل، بل العكس أعتقد أن العالم تقبلني لهذا السبب تحديداً، بدليل أني دخلت هذا الميدان منذ عقود طويلة ولي معارض في كل أنحاء العالم. كل هذا من دون أن أنسلخ عن جلدي وبيئتي».
الصورة التي تجسدها حقيبة «ذي بويز» أو «الأولاد» أكبر دليل على قولها. فهي صورة تنتمي إلى مجموعة أعمال صدرت لها في عام 2016 وتلعب فيها على مفهوم الهوية السعودية الجديدة وعلاقتها بالماضي. بيد أن قصة هذه الصور الحقيقية تعود إلى عام 1962، عندما التقطها والدها ولاحقاً قدمها لها هدية ضمن صور أخرى بالأبيض والأسود وعمرها لا يتعدى الـ12 عاماً. أثارت اهتمامها منذ الوهلة الأولى، حيث كانت تلعب بها بتصنيفها حسب مواضيعها «مثلاً أضع صور الأفراد على حدة، وصور الطبيعة على حدة، وأخرى التقطها والدي في السعودية وأخرى في أميركا وهكذا... هذه الصورة كانت ولا تزال مصدر إلهام لا ينضب، وظهرت في الكثير من أعمالي ومعارضي. وكانت دائماً توقظ بداخلي تساؤلاً مُلحاً: «ماذا يحدث للذاكرة عندما تفقد القصة معناها أو صاحبها؟. هناك حلان لا ثالث لهما: إما أن تموت أو تعود للحياة بصوت جديد. هذه الصورة اكتسبت أهمية كبيرة بالنسبة لي في هذه الفترة تحديداً لما يشهده بلدي من تغيرات جُذرية. فعندما التقط والدي هذه الصور كان متوجهاً للدراسة في الولايات المتحدة، في فترة كانت فيها هوية جيله كلها موضع تساؤل. وأذكر أنه عندما عاد منها بدأ مثل العديد من أبناء جيله يلبس أزياء أوروبية. كان الاعتقاد السائد آنذاك، أنك إذا ارتديت أزياء تقليدية، فأنت إما غير متعلم أو تنتمي لطبقة فقيرة. الآن استرجعنا هويتنا بمعانقتنا موضة نابعة من تراثنا الإنساني. لم يعد ارتداء الأزياء التقليدية رمزاً للتخلف بقدر ما أصبحت منبع فخر ورسالة تحدٍ». تستدل على قولها بالعباءة التي تشهد حالياً إقبالاً كبيراً من قبل الفتيات رغم أنها لم تعد مفروضة عليهن اجتماعياً. الأزياء الرجالية وعلى رأسها الثوب أيضاً واكبت هذه النهضة والحركة الشبابية التي نجحت في استعادة هويتها.


مقالات ذات صلة

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».