ميخائيل زوشينكو في ترجمة عربية لمختارات من أعماله القصصية

يفضح النظم الاجتماعية في روسيا السوفياتية ويسخر منها

ميخائيل زوشينكو في ترجمة عربية لمختارات من أعماله القصصية
TT

ميخائيل زوشينكو في ترجمة عربية لمختارات من أعماله القصصية

ميخائيل زوشينكو في ترجمة عربية لمختارات من أعماله القصصية

صدر حديثاً عن سلسلة إبداعات عالمية الكويتية مجموعة قصصية تأليف الأديب الروسي ميخائيل زوشينكو (1894 - 1958) بعنوان «قصص مختارة» قدم نسختها العربية عن اللغة الروسية المترجم المصري يوسف نبيل باساليوس، وراجعها الدكتور أشرف الصباغ.
تضمنت المجموعة 28 قصة قصيرة، منها «الفقر» و«النحل والناس» و«العرض المائي الرائع» و«أضواء مدينة ضخمة» و«ما أنشد العندليب»، و«ميشيل سينياجين»، والأخيرة واحدة من القصص الطويلة التي كتبها المؤلف عن شاعر صغير مغمور قضى معه عدداً من الأعوام، وصعقه مصيره، فقرر أن يكتب سيرته الذاتية تخليداً لذكراه، ليس باعتباره واحداً من العظماء، لكن باعتباره شخصاً عادياً مات قبل أن يحقق شيئاً من طموحاته، وقد قسمها زوشينكو إلى عدة فصول، جعل لكل منها عدداً من العناوين الفرعية التي تحدد ما سوف يتناوله بالتفصيل في كل فصل.
وتنضح قصص المجموعة، التي يتعرف القارئ العربي على صاحبها للمرة الأولى، بسخرية لاذعة اتسمت بها كتابات زوشينكو بشكل عام، حيث يتهكم على كل شيء حوله، بداية من القرارات التي اتخذتها الثورة، والأنظمة التي استحدثتها بعد قرارات التأميم واسعة النطاق، وصولاً إلى الرقابة التي فرضها النظام السوفياتي على الأدب والإبداع، ومقاييسه التي وضعها للفن المفيد الذي يخدم المجتمع.
في قلب الثورة الدموية التي اندلعت في عام 1917 انتشر الأدب الساخر في روسيا بشكل غريب، وكان أمراً لافتاً للنظر، وفي هذا السياق في أوائل عام 1922 صدرت المجموعة القصصية الأولى لميخائيل زوشينكو، وضج الناس بالضحك، ونفد الكتاب من السوق خلال عدة أيام، ثم أخذت دور النشر والمجلات تتسابق على نشر قصصه حتى جابت شهرته الآفاق، وفي العشرينيات والثلاثينيات صار من ألمع الأصوات الأدبية في روسيا، وسرعان ما تُرجمت بعض أعماله، ونشرت مجلة «القرص الأحمر» البلجيكية قصته «فكتوريا كازيميروفنا» مترجمة إلى اللغة الفرنسية في عام 1923، وكان ذلك أول عمل أدبي سوفياتي يُنشر في الغرب بعد ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917، ثم تتابعت ترجمة أعماله إلى كثير من لغات العالم.
وفي القصص سخر الكاتب من الشقق المشتركة التي تمت مصادرتها، وجعلها مسكناً لخليط من البشر ينتمون إلى ثقافات ومهن وطباع مختلفة، وانتقد نظام الحمامات العامة، وراح فضلاً عن ذلك يفضح روح وانتهازية الفرد الذي يدعي المثالية وتنصاع حياته تحت شعار الالتزام بقوانين الدولة والمجتمع، وفي محاولاته هذه تنكشف المهزلة، وتظهر عبثية التصرفات الحمقاء التي تجعل أبطال قصصه أضحوكة تدعو للرثاء وهم يخضعون لقوانين وقرارات هزلية ويشيدون بها رغم ما يلاقونه من معاناة وقهر في مواجهتها، وهو ما يظهر واضحاً في قصة «الكلوش»، التي تتحدث عن شخص فقد حذاءه المطاطي في إحدى عربات الترام، ورغم أنه كان مهترئاً إلا أنه قرر البحث عنه، سأل السائق عن الوسيلة التي يمكنه بها استعادته، فنصحه أن يذهب إلى غرفة المفقودات الخاصة بالترام، وهناك بعد أن استفسروا منه عن أوصاف الكلوش، وعثروا عليه، رفضوا أن يمنحوه إياه، وطلبوا منه ما يثبت أنه فقد كلوشا، وأخبروه أنه يجب عليه أن يذهب إلى إدارة المنزل الذي يسكن فيه، ويطلب من المسؤول هناك أن يعطيه إقراراً موثقاً أنه كان يملك كلوشا، ولأن الأمور لدى إدارة المنزل تتسم بالدقة والحرص حتى لا يأخذ أحداً من سكانها غير حقه، فقد قامت هي الأخرى باستجواب الرجل حتى تأكدت من صدق نياته، وأعطته الإقرار المطلوب الذي بموجبه استعاد كلوشه، استغرق الأمر أسبوعين فقد خلالهما كلوشاً آخر، لكنه رغم ذلك راح يمدح النظام ودقة الإجراءات والحرص على تطبيقها! وهكذا تفضح القصة الإجراءات القانونية وسخافاتها، وتشير إلى الجرائم التي كانت ترتكب باسمها وتسحق إنسانية الإنسان.
وفي قصة «الليلك يتورد» يسخر زوشينكو من الرقابة ورجالها، وهم يصفون أعماله القصصية بأنها تمثل وشاية دميمة ضد الإنسان، وراح يسخر منهم ومن ادعائهم أن ما يطرحه من أفكار ليست مهمة على الإطلاق، وأنها تقدم نماذج وأبطالاً لا حيثية لهم، ولا أهمية اجتماعية، ولا تثير تصرفاتهم أي عاطفة مشبوبة لدى الطبقة العاملة، وبالتالي لن تجد في مثل هذه الشخصيات أي قدوة ولن تسعى لتمثلها في أي من المواقف في حياتها.
وفي قصة «مغامرة قرد»، يفضح السطر الأخير منها تصورات النظام التي يعتمدها لتربية مواطنيه، وفيها يرسم تصوراً كاريكاتيرياً للأسلوب الذي يراه صالحاً لتنشئة المواطن الشيوعي المثالي حين يضعه في مقابل قرد لقنه صاحبه بعضاً من التصرفات التي يقوم بها بالتزام تام، لا يحيد عنه، يقول أليوشا بطل القصة بعد أن استأنس قرداً هرب من إحدى حدائق الحيوان، «لقد ربيته كإنسان، ومن الممكن الآن لكافة الأطفال، بل البالغين أن يتخذوا منه مثالاً وقدوة»، وهكذا يستمر زوشينكو في سخريته مما فعلته القوانين التي استعبدت الإنسان وتجاهلت روحه وعقله ولم تضع لإنسانيته أي اعتبار، ومن ثم، تتبلور في قصص زوشينكو مشاعر السخط، يسلطها باستمرار على الواقع الجديد الذي فرضه البلاشفة بعد إطاحتهم بالقيصرية الروسية، وذلك من أجل أن يكشف اضطراباته وتناقضاته وزيفه.
ولد ميخائيل زوشينكو في ليننغراد بطرسبورغ عام 1894، وتوفي 22 يوليو (تموز) 1958، وهو من عائلة فنية، بعد أن أنهى المدرسة الثانوية التحق للدراسة بكلية الحقوق بجامعة بطرسبورغ، لكنه لم يكمل الدراسة بها بعد أن قضى فيها بضع سنوات، وتطوع للذهاب إلى الجبهة، وهناك شارك في الجيش القديم، ثم استمر بعد ذلك في الخدمة في الجيش الأحمر.
تنقل زوشينكو في غضون ثلاثة أعوام بين اثنتي عشرة مدينة وعشر مهن مختلفة. ومنذ عام 1921 بدأ في العمل بالأدب وكان واحداً من جماعة «الإخوة سيرابيون»، وهي جماعة أدبية ظهرت في عام 1921 في بتروغراد أخذت اسمها من أحد أبطال روايات الكاتب الألماني أ. هوفمان، واستهدفت البحث عن أساليب واقعية جديدة مع الأخذ بالتجريب الشكلاني ورفض القوالب وعدم الالتزام بالمذاهب السياسية.
في عام 1935، نشر زوشينكو مجموعة قصص هجائية بعنوان «الكتاب السماوي». واعتبر النقد الأدبي السوفياتي الرسمي وقتها أنه خرج من أطر الهزل والهجاء الإيجابي، الأمر الذي جعل السلطات تفرض الحظر على نشر كتبه في الاتحاد السوفياتي.



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.