«المسار السياحي» يُعيد اكتشاف معالم «الدرب الأحمر» التاريخية بالقاهرة

TT

«المسار السياحي» يُعيد اكتشاف معالم «الدرب الأحمر» التاريخية بالقاهرة

في مشهد فولكلوري تتداخل تفاصيله مع عبق التراث، تنطلق يومياً مجموعة سيارات مكشوفة «جولف كار» أو ما يطلق عليها شعبياً «الطفطف» من أمام حديقة الأزهر الشهيرة، في رحلة مختلفة عبر شوارع القاهرة التاريخية للوصول إلى وجهتها في حي الدرب الأحمر التاريخي، لتبدأ جولات مشروع «المسار السياحي» لزيارة أهم المعالم الأثرية من مساجد وأسبلة وبنايات تراثية بالحي الذي يتمتع بخصوصية تراثية فريدة تجتذب المصريين والعرب والأجانب.
مشروع «المسار السياحي» تنفذه مؤسسة «أغاخان للخدمات الثقافية» بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ويهدف إلى نشر الوعي الأثري، وتسليط الضوء على المعالم الأثرية غير المعروفة بحي الدرب الأحمر التاريخي، وكذلك التأسيس لنوع مختلف من الزيارات السياحية والأثرية يتضمن عناصر إبهار الزوار، وتتسع العربة المكشوفة لـ12 فرداً إضافة إلى المرشد السياحي، وتنقسم الجولات إلى نوعين؛ جولات المسار الطويل، وتستغرق الجولة 3 ساعات، والمسار القصير يكون ما بين ساعة إلى ساعة ونصف الساعة، يعود بعدها الزوار إلى نقطة البداية بحديقة الأزهر. وتنطلق الجولات يومياً من أمام حديقة الأزهر التي تطل على مدينة القاهرة التاريخية من مكان مرتفع، عقب عرض فيلم وثائقي مدته 20 دقيقة عن المسار السياحي وتاريخ المنطقة ومعالمها الأثرية، وتتحرك المركبات في مسار محدد إلى شارع باب الوزير، ومنه إلى شارع درب اللبانة، وصولاً إلى شارع الدرب الأحمر، لتبدأ مرحلة زيارة أهم المعالم الأثرية بالمنطقة.
وتم تحديد المعالم الأثرية التي يتم زيارتها وفق بروتوكول مع وزارة السياحة والآثار، وحسب ناجي حنفي، مدير عام تفتيش المنطقة الجنوبية بالقاهرة التاريخية، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأماكن الأثرية التي يتم زيارتها خلال الجولات تم تحديدها بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية، ويقوم المشرفون على المسار السياحي بمؤسسة (أغاخان) بإبلاغنا بالجولات، حيث نقوم بمتابعتهم يومياً، والتنسيق لتسهيل التجول بالمنطقة»، مشيراً إلى أن «هذه الجولات تساهم في نشر الوعي الأثري بين المواطنين، والتعريف والترويج للمعالم الأثرية بمنطقة الدرب الأحمر».
ومن أبرز المعالم الأثرية التي يتم زيارتها خلال الجولات، منطقة باب زويلة، وقصبة رضوان، وبيت الرزاز، والجامع الأزرق، ومجموعة خاير بك، والسور الأيوبي الشرقي بداخل حديقة الأزهر، والمثلث الأثري، ومسجد أحمد المهمندار، وجامع أبو حريبة، ومسجد الصالح طلائع، وزاوية فرج بن برقوق، ومسجد أم السلطان شعبان، وكذلك زيارة عدد من ورش الحرف اليدوية التراثية بالمنطقة لمشاهدة منتجاتها والتعرف على تاريخ هذه المهن وأهميتها الحرفية والأثرية.
وتضمن المشروع تدريب أكثر من 600 من أهالي المنطقة على مهارات وثقافة التعامل مع السائحين والزوار، وتقول مارينا عزت، المشرفة على مشروع المسار السياحي بمؤسسة أغاخان للخدمات الثقافية لـ«الشرق الأوسط»، إن «تدريب أهالي المنطقة شمل أصحاب المتاجر والورش وعمال المطاعم والمقاهي وأطفال المدارس وسائقي (التوك توك) على مهارات وثقافة التعامل مع السائحين والزوار، وأيضاً تدريب نحو 70 مرشداً سياحياً ممن يصاحبون الزوار في الجولات، حيث يقوم هؤلاء المرشدون بدور آخر تلقائياً وهو الترويج للمنطقة ومعالمها الأثرية في الشركات السياحية التي يعملون بها لتضعها ضمن برامجها للسياحة الثقافية للوفود التي تستقبلها، وتجتذب الجولات مصريين وأجانب وعرباً، وتبلغ نسبة الأجانب نحو 25 في المائة من المشاركين».
وتشير عزت إلى أن «ثقافة أهالي المنطقة تغيرت كثيراً في التعامل مع السائحين والزوار عقب التدريب، ولمسنا ذلك بين عمال أصحاب المتاجر وورش الحرف التراثية وعمال المطاعم والمقاهي، حيث يستقبلوننا بطريقة مختلفة خلال الجولات، ويخصصون لنا ركناً خاصاً بنا في المقهى أو المطعم، ويحرصون على السلوكيات الحضارية وعبارات الترحيب المشجعة للسائح».
وشاركت مؤسسة «أغاخان للخدمات الثقافية» في ترميم وصيانة عدد من المعالم الأثرية والبنايات التراثية بحي الدرب الأحمر بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، منها الجامع الأزرق، ومسجد أصلم السلحدار، ومدرسة أم السلطان شعبان، وقصر الأمير إلين آق، ومجموعة خاير بك، وقبة طرباي الشريفي، وجامع الطنبغا المارداني الذي افتتح مؤخراً عقب ترميمه، والسور الأيوبي الشرقي بداخل حديقة الأزهر.


مقالات ذات صلة

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

يوميات الشرق الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

احتفت مصر باللغة القبطية التي يجري تدريسها في المعهد العالي للدراسات القبطية التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصري، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».