«المسألة الأوكرانية» معضلة روسيا في علاقاتها بأميركا والغرب

المواجهة العسكرية ليست في حسابات بايدن... وتكرار سياسات أوباما وترمب ليس وارداً

«المسألة الأوكرانية» معضلة روسيا في علاقاتها بأميركا والغرب
TT

«المسألة الأوكرانية» معضلة روسيا في علاقاتها بأميركا والغرب

«المسألة الأوكرانية» معضلة روسيا في علاقاتها بأميركا والغرب

يشير حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون بصدد التحضير لمغامرة «شخصية» جديدة. البعض يرى أنها قد لا تكون بعيدة عن محاولته تفادي نتائج انتكاسات سياساته الخارجية في كثير من بؤر التوتر المنخرطة بلاده فيها. وهي انتكاسات تترافق مع «توتر» داخلي، في ظل أوضاع اقتصادية مقلقة، بعدما فشلت إدارته في إخراج البلاد من اعتماد نموها على النفط، وكذلك تأثيرات جائحة «كوفيد - 19». في المقابل، يرى آخرون أنها قد تكون نتيجة «استشعاره» بالخطورة على مستقبل، ليس فقط حكمه الذي دأب على بناء نموذجه السلطوي فيه منذ توليه السلطة عام 2000، بل على مستقبل وحدة روسيا نفسها، في ظل ما تعنيه «القضية الأوكرانية» بالنسبة إليها.
إن الحديث عن مطالبته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بضمانات أمنية لحدوده الغربية الجنوبية، ومنع تمدد الحلف إلى تلك الحدود، ليس كافياً لتبرير هذا التوتر. فأبواب الحلف، كان بوتين مَن بادر إلى طرقها للانضمام إليه، كما أن الطرف الذي دأب على رفع منسوب التوتر معه، كان سلوكه هو منذ توليه السلطة. والحلف لم يقدم على أي عمل عسكري أو حدث متسارع، كالتدخل مثلاً في سوريا، أو عرض حديثاً فتح أبوابه لانضمام أوكرانيا، أو سعى الاتحاد الأوروبي لشراكة اقتصادية وسياسية على كييف، كما حدث عام 2013. حتى الكلام عن أن إحباط بوتين مردّه قلة التزام أوكرانيا بـ«اتفاقيات مينسك» لعامي 2014 و2015 لمنح منطقة الدونباس، ذات الغالبية الروسية، حق النقض على علاقة أوكرانيا بالغرب، ليس تطوراً جديداً.

بين التهديد بعمل عسكري وتنفيذه فارق كبير، وبما يخص روسيا وأوكرانيا، يعتقد كثيرون أن فلاديمير بوتين يدركه. مع هذا، في تصريحات لنواب أميركيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إثر زيارتهم أخيراً لأوكرانيا، قال هؤلاء إنهم مقتنعون بأن بوتين «كان يفكر جدياً» في غزوها. ومع مطالبتهم إدارة الرئيس جو بايدن بفرض «عقوبات وقائية» على موسكو، وإرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، قال أحدهم، هو النائب الديمقراطي سيث مولتون: «يجب أن ننهمك بردع بوتين أكثر بدلاً من استفزازه». وأضاف: «إذا أقدم بوتين على غزو أوكرانيا، فعليه أن يعلم أنه سيجد صعوبة خلال الدقائق الخمس التالية في شراء مشروب غازي من آلة بيع، لا أن حلف الناتو سيدعو لاجتماع عاجل لمناقشة خطواته في الأسابيع التالية».
غير أن تصعيد بوتين لتهديداته، وتلويح عدد من المسؤولين الروس باستخدام أسلحة «نووية تكتيكية»، في أي مواجهة مع الجيش الأوكراني، يراه البعض تعبيراً واضحاً عن مخاوفه من الكلفة العالية التي سيتكبدها. فالمعلومات تؤكد حصول كييف على أسلحة أميركية نوعية، وفق المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، واستخدامها طائرات مسيّرة للمرة الأولى في حربها مع الانفصاليين، حصلت عليها من تركيا. ثم إنه في ظل هشاشة أوضاع روسيا الاقتصادية، قد يكون بوتين عاجزاً عن تمويل حرب. تشير كل المعطيات إلى أنها ستكون حرباً طويلة ومفتوحة، لا قدرة لبلاده على تحملها. وحربه في سوريا ما تزال دليلاً ماثلاً على حدود ما يمكن أن يحققه، بينما يحافظ فيه على «توازن» دقيق لتورطه فيها، واضطراره للاتكال على شريكته إيران في إنجاز الأعمال «القذرة» الأخرى، والأثر الذي تتركه على قيادته للحرب في سوريا ومستقبلها.
مقابل هذا التصعيد، استعجل بوتين أخيراً عقد «مفاوضات أو محادثات فورية» مع الولايات المتحدة و«الناتو»، حول الضمانات التي ينبغي تقديمها لروسيا بشأن «أمنها ومنع أي توسع مستقبلي للحلف شرقاً أو نشر منظومات أسلحة تهدد روسيا في أوكرانيا أو أي دولة أخرى مجاورة». وثمة من يقول إن بوتين «صدم» بموقف واشنطن والعواصم الغربية الحازم القائم على أساس أن تجربة العامين 2014 و2015، حين اجتاح شبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا، لن تتكرّر. وكذلك، من بيان مجموعة الدول السبع الاقتصادية الكبرى، المنحاز تماماً لواشنطن، في تحميل روسيا «ثمناً باهظاً»، إذا ما اجتاحت أوكرانيا. وهناك تجديد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان التأكيد في اتصال مع نظيره الروسي يوري أوشاكوف أن واشنطن ستواصل التنسيق عن كثب مع حلفائها الأوروبيين، سعياً إلى معالجة المسائل الأمنية والاستراتيجية بالدبلوماسية، ما كشف أيضاً أن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية كارين دونفريد، التي زارت كييف وموسكو أخيراً، اتفقت مع حلفاء «الناتو» على توحيد الجهود وتنسيقها في هذا الملف.
هذا، وتحدثت أوساط أميركية عن تقديمها «خريطة طريق» مقبولة ومتوازنة للطرفين، للخروج من الأزمة. وإذ يحمل البعض الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مسؤولية تهاونه في الرد على اجتياح القرم، يرى آخرون أن موقف أوباما كان تطبيقاً لبدء سياسات «تريح» واشنطن من المشكلات الإقليمية، في الشرق الأوسط وأفغانستان وأوروبا نفسها، بعدما وصف روسيا بأنها «قوة إقليمية»، لم تعد تشكل نداً آيديولوجياً، ولا تهديداً استراتيجياً كالصين. بل سمح لبوتين بالانغماس في «مستنقع» سوريا، التي دخلها بموافقة أميركية موصوفة.
اليوم، يقول محللون أميركيون إن بايدن لن يكرّر سياسات سلفيه أوباما وترمب، لا في غض النظر أو المحاباة، ولا في تعريض روسيا لأخطار «وجودية». وهو يحاول خلال تنفيذ استراتيجيته «التنافسية» مع الصين، استمالة روسيا، في ظل إدارته ورهانه على تأثرها الحتمي بمحيطها «الديمقراطي» وحراكها الداخلي. وهو يرى أنه رغم نجاح سياسات بوتين القومية والشعبوية في تأليب جزء كبير من الرأي العام الروسي ضد أميركا، لا يزال الشعب الروسي بمكوناته العرقية المختلفة يطمح للالتحاق بركب الغرب، إسوة بتجارب شعوب أوروبا الوسطى.

إشكالية التاريخ

يطرح البعض إشكاليات تاريخية، لطالما قضّت مضاجع صناع القرار في روسيا، منذ تأسيس القيصرية عام 1470، مروراً بالحقبة السوفياتية، وصولاً إلى عهد بوتين.
روسيا التي كانت دولة «المُسكوب» قبل هذا التاريخ، كانت ولا تزال، يسكنها هاجس العودة إلى تلك الحقبة، في حال خسرت أوكرانيا التي ضمها «القيصر» إيفان الثالث، في ذلك العام. وإبّان الحرب العالمية الثانية، كان «السوفيات» يعتقدون أن اجتياح ألمانيا النازية لأوكرانيا بهدف سلخها عنهم، يشكل حجر الزاوية في استراتيجية ألمانيا لكسب الحرب على روسيا. فسلب أوكرانيا من روسيا يؤسس لزوال روسيا نفسها، ويعيدها إلى تشكيلاتها السابقة من دول صغيرة، كما كانت قبل إعلان القيصرية.
غير أن هزيمة ألمانيا، أسست في المقابل لعقيدة روسية - لم يكتب لها النجاح في نهاية المطاف - تدعو إلى ضمان «حيادية» ألمانيا، في تناقض مع الخوف من أن تؤدي حياديتها واستقلاليتها عن الولايات المتحدة، إلى إحياء طموحات نازية جديدة، بعدما عادت ألمانيا قوة اقتصادية هائلة. وغني عن القول إن تلك السياسات لم تؤدِ فقط إلى خسارة ألمانيا التي تمسكت أكثر بانحيازها للولايات المتحدة، بل انهيار «التجربة السوفياتية» كلها، فضلاً عن انهيار «حلف وارسو» وانضمام غالبية دوله إلى «ناتو» (حلف شمال الأطلسي). ويرى البعض أن تلك العقيدة ما تزال تهيمن على «العقل» الروسي، في محاولة لضمان «حيادية» أوكرانيا، الأمر الذي قد يفسّر أسباب تمسك بوتين بأوكرانيا، وما تعنيه بالنسبة إلى وحدة روسيا نفسها، وليس لأسباب عقائدية أو اقتصادية أو تنافسية مع الغرب.
في مقال نُشر في يوليو (تموز) الماضي، بعنوان «حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين»، جادل بوتين بأن البلدين يشكلان «شعباً واحداً» وأن «السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا». والآن، في العقد الثالث من حكمه، قد يعتبر بوتين أنه ما لم يتخذ إجراء حاسماً، فإن أوكرانيا ستبتعد أكثر عن روسيا. ولكن إذا كان كذلك، يتساءل البعض عن مستقبل هذه «العقيدة»، التي تبين أن تحقيقها يستلزم توفر عوامل كثيرة، ليست عسكرية بالتأكيد. فالاتحاد السوفياتي الذي كان «القطب» العالمي في مواجهة الولايات المتحدة، لم تحمِه ترسانته العسكرية من الانهيار، بعدما تحوّل الحصول على علبة سجائر «مارلبورو» حلماً للروس. كما أن حجم الغضب من النموذج السوفياتي السابق، واليوم من نموذج «البوتينية» - ليس فقط في أوكرانيا ودول «المعسكر الاشتراكي» السابق، بل داخل روسيا - يهدد بنزعات انفصالية قد تطيح بوحدتها نفسها. فروسيا العاجزة عن كسر تخلف نموذجها السياسي والاقتصادي، وانسداد أفق تقدمها، بحاجة للخروج من هذه السياسات، رغم «نجاحات» بوتين الخارجية، من الانتخابات الأميركية، إلى تعزيز النزعات القومية اليمينية في القارة الأوروبية.
إن الدول التي خرجت من عباءة موسكو، فتح تقدمها الديمقراطي الأفق نحو مستقبل، قد يكون واعداً، على الأقل إذا نظرنا لإنجازات حققتها دول أوروبية صغيرة. ناهيك من كوريا الجنوبية وتايوان وبعض دول جنوب شرقي آسيا، التي كانت ميداناً تنافسياً مع الولايات المتحدة... لكنها تتقدم اليوم عن روسيا سنوات ضوئية من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي؛ حيث يجهد الباحثون للعثور على أي منتج روسي، بخلاف صواريخ «إس 400».
ويرى بعض المحللين أن اندفاع روسيا إلى أحضان الصين، قد يقود إلى خطأ استراتيجي أكبر. فهو لا يهدد فقط بتبعيتها لها، في ظل تفوق بكين في مختلف المجالات الاقتصادية والتقنية. بل قد يكون مفتوحاً على عوامل استراتيجية واقتصادية تلوح في الأفق القريب والمتوسط، عن احتمال انهيار اقتصادي تتجه إليه الصين حثيثاً، بعد اندلاع الأزمة العقارية فيها وتباطؤ الإنتاج وبدء كبار المستثمرين والمنتجين الدوليين التفتيش عن سلاسل إمداد جديدة. وهذا أمر يلعب بلا شك دوراً رئيساً في امتناع بكين عن الدخول في مغامرة استعادة تايوان بالقوة، إذ ما الذي ستكسبه من تدميرها؟

عواقب الاحتماء بالصين

بعض التحليلات الغربية تضيف أن الإصرار الروسي والصيني على التمسك بسياسات التهديد والضم، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. فقبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، شعرت أوكرانيا بالتشتت بين الغرب وروسيا. وبعد ذلك، بدأت أوكرانيا بالتحرك بثبات باتجاه الغرب من الناحية الجيوسياسية.
وبالمثل، فإن حملة القمع التي شنتها الصين على هونغ كونغ عزّزت المواقف في تايوان ضد التوحيد السلمي، بحسب نموذج «دولة واحدة ونظامان». لكن المحللين يحذرون أيضاً من أن هذه العوامل قد تقوي رغبة بوتين بالغزو رداً على المشاعر المعادية لروسيا. وعندها ستكون المغامرة كبيرة إذا لم تهزم روسيا القوات الأوكرانية بسرعة، في بلد تعداد سكانه يفوق 40 مليون نسمة، وتحمل غالبيته مشاعر تاريخية معادية للسيطرة الروسية. وقد يطول الصراع، مع تدفق المساعدة العسكرية الغربية على أوكرانيا، وإذ ذاك ربما تؤدي الخسائر المتوقعة في صفوف المدنيين وتدمير الممتلكات، إلى تأجيج الرأي العام، حتى في الجزء الشرقي الانفصالي من أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى اندلاع تمرد. وعندها لن يكون باستطاعة روسيا اللجوء إلى الإنكار الرسمي، كما فعلت منذ ضمت شبه جزيرة القرم، في حين ستقول أوكرانيا ببساطة إنها تقود «انتفاضة وطنية»، وليس صراعاً على قطعة أرض متنازع عليها.

كيف تدهورت العلاقات الروسية مع الغرب؟
> بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسنوات من محاولات التقارب بين روسيا والغرب، حاول رئيسها فلاديمير بوتين عام 2000 التحرك بسرعة لتعزيز تلك العلاقات، واختبار احتمال انضمام روسيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، غير أن اللورد جورج روبرتسون، الذي شغل منصب الأمين العام للحلف بين 1999 - 2004، استذكر أخيراً كيف سأله بوتين عن موعد دعوة الحلف لروسيا، وكيف شعر الأخير بالإهانة، عندما ردّ روبرتسون بأن على موسكو التقدم بطلب للحصول على العضوية، تماماً مثل أي دولة أخرى، بحسب وكالة «أسوشيتدبرس».
وأثناء استكشافه إمكانية الانضمام لـ«ناتو»، تحرك بوتين أيضاً لإقامة علاقات سياسية وأمنية أوثق مع واشنطن وحلفائها. وكان أول زعيم أجنبي يتصل بالرئيس الأميركي جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، عارضاً تقديم المساعدة. وسرعان ما رحّب بالانتشار العسكري الأميركي في قواعد الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى للحرب في أفغانستان. وأيضاً أغلق بوتين قواعد الحقبة السوفياتية في كوبا وفيتنام. ورغم أن روسيا لم تنضم لـ«ناتو»، فإنها اتفقت معه عام 2002 على إنشاء مجلس لتنسيق السياسات والتعاون في مكافحة الإرهاب وقضايا أخرى. لكن منذ ذلك العام بدأت العلاقات بين موسكو وواشنطن بالتدهور، بعدما قررت الأخيرة الانسحاب من معاهدة تعود إلى حقبة الحرب الباردة، تحظر نشر دفاعات ضد الصواريخ الباليستية، وهي خطوة اعتبرتها موسكو تهديداً محتملاً لردعها النووي.
بعدها، أثارت الحرب الأميركية في العراق عام 2003 انتقادات شديدة من موسكو، وزادت من توتر العلاقات. وتصاعد غضب موسكو عندما انضمت بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا ودول البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، إلى «ناتو» عام 2004. ومع اندلاع «الثورات البرتقالية» في أوكرانيا وجورجيا، التي أطاحت بالمرشح الرئاسي الذي تدعمه روسيا في كييف، وبالرئيس الجورجي المدعوم منها أيضاً في ذلك العام، عدّ الكرملين تلك الاحتجاجات تدخلاً غربياً في «الفناء الخلفي» لروسيا. وشكّل خطاب بوتين في مؤتمر أمني في ميونيخ بألمانيا عام 2007 حداً فاصلاً ونقداً شديداً للتحركات الأميركية. وقال إن واشنطن «تجاوزت حدودها الوطنية بكل الطرق»، واصفاً توسيع «ناتو» باتجاه الشرق بأنه «استفزاز خطير».
وعندما وعد «ناتو» في قمة له عقدت في رومانيا عام 2008 أوكرانيا وجورجيا بالانضمام إليه، اعتبرت روسيا ذلك بمثابة ضربة لمصالحها الأمنية الحيوية. وبعد 4 أشهر، شنت روسيا هجوماً دام 5 أيام على جورجيا، إثر محاولة الأخيرة استعادة السيطرة على مقاطعة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية التي تدعمها موسكو.
ثم عام 2014، أطاحت مظاهرات شعبية بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش «صديق الكرملين» احتجاجاً على تخليه عن اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، لمصلحة علاقات أوثق مع موسكو. وردّت موسكو بضم شبه جزيرة القرم ودعم المتمردين الانفصاليين في المنطقة الصناعية والمنجمية شرق أوكرانيا، المعروفة باسم «حوض الدونباس».
وأدى الصراع الذي دخل عامه الثامن إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص، وفشل الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية، ثم فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات على موسكو، وأوقفت كل تعاون لها مع «ناتو»، ونشرت تعزيزات عسكرية بالقرب من روسيا. ومنذ ذلك الحين، يندد الكرملين بهذا الانتشار وبالتدريبات بالقرب من حدوده، واصفاً إياها بأنها تهديد أمني.
وفي الشهر الماضي، تصاعدت التوترات بعد تقارير استخبارية وصور أقمار اصطناعية عن حشد روسيا نحو 170 ألف جندي ومعدات عسكرية بالقرب من أوكرانيا. وبينما نفى بوتين التخطيط لهجوم على أوكرانيا، فإنه يسعى للحصول على تعهد غربي بأن «ناتو» لن يضمها إلى عضويته، أو ينشر قواته هناك، وهو توسع وصفه بأنه «خط أحمر» لموسكو. وفي قمة افتراضية بين بوتين وبايدن جرت الأسبوع الماضي، حذّر الرئيس الأميركي من «عواقب وخيمة» إذا غزت روسيا أوكرانيا، لكنه وعد بإجراء مشاورات لمعالجة المخاوف الروسية، مكرّراً في الوقت نفسه موقف أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ، رفض أن يكون لروسيا أي دور في تحديد مَن ينضم إلى «ناتو».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.