بيان قمة الرياض الختامي يشدد على أهمية تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك

قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في صورة تذكارية بعد ختام أعمال اجتماع الدورة 42 (واس)
قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في صورة تذكارية بعد ختام أعمال اجتماع الدورة 42 (واس)
TT

بيان قمة الرياض الختامي يشدد على أهمية تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك

قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في صورة تذكارية بعد ختام أعمال اجتماع الدورة 42 (واس)
قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في صورة تذكارية بعد ختام أعمال اجتماع الدورة 42 (واس)

صدر أمس في الرياض البيان الختامي عن المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الـ42 (قمة الرياض الخليجية)، التي عقدت تلبية لدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ورأس اجتماعاتها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وبمشاركة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وفهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عمان، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ولي عهد دولة الكويت، والدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقال البيان إن المجلس الأعلى أشاد بجولة ولي العهد السعودي بدول المجلس خلال الشهر الحالي، ورحّب بالنتائج الإيجابية التي تُوصل إليها لتعزيز التعاون والترابط والتنسيق بين دول المجلس، وتحقيق تطلعات مواطنيها، وتأكيد التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين لتحقيق أعلى درجات التكامل، بما يكفل تضامن وتماسك دول المجلس وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، وأكد دعمه الكامل لـ«مبادرة السعودية الخضراء» و«مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، التي أطلقتهما المملكة، مثمناً جهودها ومبادراتها في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، وأشاد المجلس الأعلى بالدور الرائد الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وجهودها في استضافة أبوظبي «COP28» عام 2023م لدعم الجهود الدولية في هذا الإطار، وهنأ الإمارات على النجاح الذي يشهده معرض «إكسبو 2020»، مؤكداً في الوقت ذاته دعمه الكامل لطلب المملكة العربية السعودية استضافة معرض «إكسبو 2030»، وعدّ ذلك ترسيخاً لمكانة دول المجلس كمركز دولي للأعمال.
وأشاد بنتائج الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي - البحريني، برئاسة ولي العهد السعودي، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء بمملكة البحرين، ورحّب بافتتاح الطريق البري السعودي - العماني الذي يبلغ «725» كيلومتراً، وثمّن المجلس رفع مستوى رئاسة مجلس التنسيق القطري - السعودي إلى مستوى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، ورحّب بالنتائج الإيجابية لاجتماع مجلس التنسيق في تاريخ 8 ديسمبر (كانون الأول) 2021. وأشاد بإنشاء مجلس التنسيق الكويتي السعودي، الذي يأتي من رغبة قيادتي البلدين في الارتقاء بالتعاون في جميع المجالات إلى المستوى الذي يعكس عمق وتجذر العلاقات الأخوية التاريخية.
كما أشاد بنجاح تنظيم بطولة كأس العرب FIFA قطر 2021، التي تستضيفها دولة قطر خلال الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 18 ديسمبر، وبالتنظيم المتميز والجهود التي بذلتها في إنجاح هذه البطولة، ويتطلع لمونديال كأس العالم 2022م، مجدداً دعم دول المجلس لدولة قطر في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إنجاح استضافتها.
- رؤية خادم الحرمين الشريفين
اطلع المجلس الأعلى على تقرير الأمانة العامة بشأن التقدم المحرز في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتعزيز العمل الخليجي المشترك، التي أقرّها المجلس الأعلى في دورته الـ36 في ديسمبر 2015م.
وأكد مضامين إعلان العُلا الصادر في 5 يناير (كانون الثاني) 2021م، والتنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الـ36 في ديسمبر 2015م بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتنسيق المواقف، بما يعزز من تضامن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
- العمل الخليجي المشترك
اطلع المجلس الأعلى على ما وصلت إليه المشاورات بشأن تنفيذ قرار المجلس الأعلى في دورته الـ32 حول مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتوجيه المجلس الأعلى بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتكليفه المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته المقبلة.
- جهود دول مجلس التعاون في مواجهة جائحة فيروس كورونا
أشاد المجلس الأعلى بنجاح الإجراءات الصحية والوقائية لاحتواء جائحة فيروس كورونا، التي اتخذتها دول مجلس التعاون للحد من آثار الجائحة على الأصعدة كافة، مجدداً تقديره لجميع العاملين في مجال احتواء الجائحة.
- العمل العسكري والأمني المشترك
بارك المجلس الأعلى افتتاح مقر القيادة العسكرية الموحدة بمدينة الرياض برعاية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، متمنين لها التوفيق والنجاح وتحقيق الأهداف المنشودة لتعزيز التكامل الدفاعي والأمن الجماعي المشترك بين دول المجلس.
وصادق المجلس الأعلى على قرارات مجلس الدفاع المشترك في دورته الـ18، وأكد دعم جهود التكامل العسكري المشترك؛ لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس، وصادق على قرارات وزراء الداخلية في اجتماعهم الـ38، الذي عقد بمملكة البحرين بتاريخ 14 نوفمبر 2021م، معرباً عن ارتياحه لما تحقق من إنجازات في المجال الأمني، مؤكداً أهمية تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك؛ لضمان أمن واستقرار دول المجلس، وأخذ علماً بتحضيرات التمرين التعبوي «أمن الخليج العربي 3» المقرر تنفيذه في السعودية خلال شهر يناير 2022م.
- القضايا الإقليمية والدولية
جدد المجلس الأعلى حرص دول المجلس على الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة ودعم رخاء شعوبها، وتعزيز علاقات المجلس مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الإقليمية والدولية انطلاقاً من دور مجلس التعاون كركيزة أساسية للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي، وتعزيز دور المجلس في تحقيق السلام والتنمية المستدامة وخدمة التطلعات السامية للأمتين العربية والإسلامية، وأكد المجلس على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، استناداً للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية.
- مكافحة الإرهاب
أكد المجلس الأعلى مواقفه وقراراته الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف أياً كان مصدره، ونبذه أشكاله وصوره كافة، ورفضه لدوافعه ومبرراته، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، ودعم الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، وأكد أن مواصلة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران للأعمال العدائية والعمليات الإرهابية بإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المفخخة لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية، ومخالفة القانون الدولي والإنساني باستخدام السكان المدنيين في المناطق المدنية اليمنية دروعاً بشرية، وإطلاق القوارب المفخخة والمسيّرة عن بعد، يمثل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي. مؤكداً الحق المشروع لقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن لاتخاذ وتنفيذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتعامل مع هذه الأعمال العدائية والإرهابية، وضرورة منع تهريب الأسلحة إلى هذه الميليشيات، ما يشكل تهديداً لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، مشيداً بكفاءة قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي في اعتراض تلك الصواريخ والطائرات، والتصدي لها، والتي بلغت أكثر من 423 صاروخاً باليستياً، و834 طائرة مسيّرة مفخخة، و98 زورقاً مفخخاً.
وأدان المجلس الأعلى مواصلة إيران دعمها للأعمال الإرهابية والتخريبية في مملكة البحرين، ما يشكل تهديداً خطيراً لأمن واستقرار دول مجلس التعاون والمنطقة، منوهاً بإلقاء القبض على عناصر إرهابية في مملكة البحرين مؤخراً، لها ارتباطات بمجموعات إرهابية في إيران، وبحوزتها أسلحة ومتفجرات مصدرها إيران، مؤكداً دعم مملكة البحرين في كل ما تتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها، ومجدداً دعوته لإيران للتوقف عن دعم الإرهاب وإثارة النعرات الطائفية في دول المجلس.
وأدان المجلس الأعلى استمرار إيران في دعم الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، ما يهدد الأمن القومي العربي ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ويعيق عمل التحالف الدولي لمحاربة «داعش».
- القضية الفلسطينية
أكد المجلس الأعلى مواقفه الثابتة من مركزية القضية الفلسطينية، ودعمه لسيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو (حزيران) 1967م، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حقوق اللاجئين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، مؤكداً ضرورة تفعيل جهود المجتمع الدولي لحل الصراع، بما يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق وفق تلك الأسس.
ودعا المجلس المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف استهداف الوجود الفلسطيني في مدينة القدس، وطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية، ومحاولات تغيير طابعها القانوني وتركيبتها السكانية والترتيبات الخاصة بالأماكن المقدسة الإسلامية، ومحاولات فرض السيادة الإسرائيلية عليها، في مخالفة صريحة للقانون الدولي والقرارات الدولية والاتفاقات القائمة المبرمة بهذا الشأن، كما أدان استمرار إسرائيل في بناء الوحدات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وطالب المجتمع الدولي بضرورة الضغط على السلطات الإسرائيلية للرجوع عن قراراتها الاستيطانية المخالفة للقوانين والقرارات الدولية.
وأدان المجلس الأعلى اقتحام الرئيس الإسرائيلي للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، إذ يُعد ذلك تعدياً سافراً على المقدسات الإسلامية، واستفزازاً مستمراً لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم.
- الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث التابعة للإمارات العربية المتحدة
أكد المجلس الأعلى مواقفه الثابتة وقرارته السابقة بشأن إدانة استمرار احتلال إيران للجزر الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى» التابعة للإمارات العربية المتحدة، مجدداً تأكيد ما يلي؛ ‌دعم حق السيادة للإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى»، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الثلاث، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الإمارات العربية المتحدة، و‌عدّ أي قرارات أو ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث باطلة ولاغية، ولا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية التي تُجمع على حق سيادة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، ودعوة إيران للاستجابة لمساعي الإمارات العربية المتحدة لحل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
- إيران
أكد المجلس الأعلى مواقفه وقراراته الثابتة بشأن العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مؤكداً ضرورة التزامها بالأسس والمبادئ الأساسية المبنية على ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي، ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحلّ الخلافات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ونبذ الطائفية، متطلعاً أن يكون للإدارة الإيرانية الجديدة دور إيجابي في العمل على ما من شأنه تخفيف حدة التوتر وبناء الثقة بين مجلس التعاون وإيران، وفقاً للأسس التي سبق أن أقرها المجلس وتم إبلاغ الجانب الإيراني بها.
أعرب المجلس الأعلى عن القلق من الخطوات ‏التصعيدية التي تتخذها إيران لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي ورفضه لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وإدانته لأي أعمال تهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، مؤكداً ضرورة الكفّ والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار لاستهداف المدنيين، وتهديد خطوط الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي.
وأكد المجلس الأعلى استعداد دول المجلس للتعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي الإيراني، بما يسهم في تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة في إطار احترام السيادة وسياسات حسن الجوار، واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية لضمان تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وأكد المجلس ضرورة مشاركة دول المجلس في أي مفاوضات مع إيران، وجميع المباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية المتعلقة بهذا الشأن، نظراً لما لهذا الملف من أهمية قصوى تتعلق بأمن وسلامة واستقرار دول المنطقة.
وأعرب المجلس الأعلى عن استنكار استمرار إيران في عدم الوفاء بالتزاماتها وتجاوزاتها في رفع نسب تخصيب اليورانيوم، بما يتجاوز حاجة الاستخدامات السلمية، وطالب إيران بالتراجع عن هذه الخطوة والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكد أهمية الحفاظ على الأمن البحري والممرات المائية في المنطقة، والتصدي للأنشطة التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، بما في ذلك تهديد خطوط الملاحة البحرية والتجارة الدولية، والمنشآت النفطية في دول المجلس.
- اليمن
أكد المجلس الأعلى مواقفه وقراراته الثابتة بدعم الشرعية في اليمن، ممثلة بفخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحكومته، لإنهاء الأزمة اليمنية، والتوصل إلى حل سياسي، وفقاً للمرجعيات المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216، بما يحفظ لليمن الشقيق وحدته وسلامته واحترام سيادته واستقلاله ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، مشيداً بالجهود المتواصلة التي تبذلها سلطنة عمان في هذا الخصوص.
ودعا المجلس طرفي اتفاق الرياض إلى استكمال تنفيذ ما تبقى من بنود الاتفاق، وتقديم الدعم للحكومة اليمنية لممارسة أعمالها، وتهيئة الأجواء لدعم الحكومة اليمنية في ممارسة أعمالها، وانطلاق عجلة التنمية في المناطق المحررة، كما رحب بنتائج الاجتماع الوزاري المشترك الخليجي اليمني الذي عقد في مدينة الرياض بتاريخ 16 سبتمبر (أيلول) 2021م، مؤكداً الحرص على تطوير العلاقات بينهما في جميع المجالات. أدان المجلس الأعلى الأعمال الإرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية والاغتيالات السياسية التي تستهدف المسؤولين بالحكومة اليمنية، لضرب الأمن والاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن، والمحافظات اليمنية المحررة، والتأكيد بأن هذه الأعمال الإرهابية موجّهة للحكومة اليمنية الشرعية والشعب اليمني الشقيق بكامل أطيافه ومكوناته السياسية.
ورحّب المجلس الأعلى بالبيان الصادر عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بتاريخ 10 نوفمبر 2021م، وما تضمنه من إدانة لهجمات الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية، وتأكيد ضرورة خفض التصعيد ووقفه الفوري في مأرب، والدعوة إلى الانخراط في حوار حقيقي من أجل الوصول إلى حل سياسي شامل لإنهاء الأزمة في اليمن، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن شعبه. ورحّب المجلس الأعلى بإدراج مجلس الأمن الدولي لعدد من قيادات ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران ضمن قائمة العقوبات، لتهديدهم بشكل مباشر للسلام والأمن والاستقرار في اليمن، متطلعاً أن يُسهم ذلك في وضع حدٍ لأعمالها وداعميها وتحييد خطرها عن الشعب اليمني الشقيق ودول الجوار والملاحة الدولية.
وأدان المجلس الأعلى استمرار عرقلة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران وصول الفريق الفني التابع للأمم المتحدة لإجراء الفحص والصيانة لخزان النفط العائم (صافر) في البحر الأحمر قبالة ساحل الحديدة، ما قد يتسبب في حدوث كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية خطيرة تتخطى آثارها اليمن؛ في حال استمرار الميليشيات الحوثية في رفض مناشدات المجتمع الدولي بالسماح للفريق الفني المتخصص التابع للأمم المتحدة بالوصول إلى الخزان.
وأدان المجلس الأعلى استمرار تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للجمهورية اليمنية، وتهريب الخبراء العسكريين، والأسلحة إلى ميليشيات الحوثي في مخالفة صريحة لقرار مجلس الأمن 2216.
وأشاد المجلس الأعلى بالإنجازات التي حققها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من خلال فروعه الميدانية في المحافظات اليمنية، وبالمشروعات التنموية التي ينفذها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن داخل المحافظات اليمنية، وبالدعم الإنساني الذي يقدمه مكتب تنسيق المساعدات الإغاثية والإنسانية المقدمة من مجلس التعاون للجمهورية اليمنية، وبما تقدمه دول المجلس كافة من مساعدات إنسانية وتنموية لليمن، منوهاً بدعم دول المجلس لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2021م، البالغة 1.67 مليار دولار، قدمت منها دول المجلس أكثر من 670 مليون دولار، (المملكة العربية السعودية 430 مليون دولار، دولة الإمارات العربية المتحدة 230 مليون دولار، دولة الكويت 10 ملايين دولار)، كما أشاد بجهود المشروع السعودي لنزع الألغام (مسام) لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، الذي تمكن منذ تدشينه من نزع أكثر من «291» ألف لغم وذخيرة وعبوة ناسفة زرعتها ميليشيات الحوثي بشكل عشوائي في المحافظات اليمنية.
وأشاد المجلس الأعلى بالدعم المُقدم من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر «حفظه الله»، المتمثل بتبرع سموه بمبلغ 90 مليون دولار لليمن من خلال برنامج الغذاء العالمي.
- المغرب
أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها، مشيداً بقرار مجلس الأمن 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2021م بشأن الصحراء المغربية.
- الأردن
أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمية، ووجّه بتكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمية.
- مصر
أشاد المجلس الأعلى بنتائج الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون وجمهورية مصر العربية، الذي عقد في مدينة الرياض بتاريخ 12 ديسمبر 2021م، ما يسهم في تعزيز العلاقات بينهما في جميع المجالات، وأكّد المجلس الأعلى دعم أمن واستقرار جمهورية مصر العربية، مثمناً جهودها في تعزيز الأمن القومي العربي، والأمن والسلام في المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز التنمية والرخاء والازدهار للشعب المصري الشقيق.
- العراق
أكد المجلس الأعلى مواقفه وقراراته الثابتة تجاه العراق الشقيق، ودعم الجهود القائمة لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق، مشدداً على أهمية الحفاظ على سلامة ووحدة أراضي العراق وسيادته الكاملة وهويته العربية الإسلامية ونسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية، ومساندته لمواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة تكريساً لسيادة الدولة وإنفاذ القانون.
وأدان المجلس الأعلى العمل الإرهابي الذي استهدف مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء في العراق، بتاريخ 7 نوفمبر 2021م، وجميع العمليات الإرهابية المتكررة التي يتعرض لها العراق، والتي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيه. وجدد المجلس الأعلى دعمه لقرار مجلس الأمن رقم 2107 (2013م)، بشأن إحالة ملف الأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية والأرشيف الوطني إلى بعثة الأمم المتحدة (UNAMI)، وأعرب عن تطلعه لاستمرار العراق بالتعاون لضمان تحقيق تقدم في هذه الملفات.
- سوريا
أكد المجلس الأعلى مواقفه الثابتة تجاه الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية الشقيقة، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية. كما أكد قراراته السابقة بشأن الأزمة السورية والحل السياسي القائم على مبادئ «جنيف 1»، وقرار مجلس الأمن رقم 2254.
- لبنان
أكد المجلس الأعلى تضامنه الثابت مع الشعب اللبناني الشقيق لتحقيق كل ما من شأنه أن يحفظ للبنان أمنه واستقراره، ودعوة الأطراف اللبنانية لتحمّل المسؤولية الوطنية، لتحقق الأمن والاستقرار والتنمية، كما عبّر المجلس الأعلى عن أسفه لاستمرار التصريحات المسيئة تجاه دول مجلس التعاون وشعوبها، ما يتنافى مع عمق العلاقات التاريخية الأخوية بين لبنان ودول المجلس.
وطالب المجلس الأعلى لبنان باتخاذ الإجراءات كافة الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على مؤسساته كافة، ومنع «حزب الله» الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية.
- ليبيا
أكد المجلس الأعلى مواقفه وقراراته الثابتة بشأن الأزمة الليبية، مجدداً حرص دول المجلس على الحفاظ على مصالح الشعب الليبي الشقيق، وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في ليبيا، وضمان سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها ووقف التدخل في شؤونها الداخلية.
- تونس
رحّب المجلس الأعلى بتشكيل الحكومة التونسية، وعبّر عن أمله في أن تحقق هذه الحكومة تطلعات الشعب التونسي في كل ما يحقق له الرفاه والتقدم، وأكد وقوف مجلس التعاون مع الجمهورية التونسية في كل ما من شأنه أن يدعم أمنها واستقرارها.
- السودان
أكد المجلس الأعلى مواقفه الثابتة تجاه جمهورية السودان الشقيق، ودعمه المتواصل لتعزيز أمنها واستقرارها وتحقيق طموحات الشعب السوداني الشقيق وآماله المشروعة في الاستقرار والتنمية والازدهار.
ورحّب المجلس الأعلى بإعلان التوقيع على الاتفاق السياسي لتسوية الأزمة في السودان الصادر في 21 نوفمبر 2021، وبما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في السودان من اتفاق حول مهام المرحلة المقبلة واستعادة المؤسسات الانتقالية، والإسهام في تحقيق تطلعات الشعب السوداني، بما يحافظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية، ويحمي وحدة الصف بين جميع المكونات السياسية السودانية.
- سدّ النهضة
أكد المجلس الأعلى أن الأمن المائي لجمهورية السودان وجمهورية مصر العربية هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ورفض أي عمل أو إجراء يمس حقوقهما في مياه النيل. كما أكد دعمه ومساندته لجميع المساعي التي من شأنها أن تسهم في حلّ ملف سد النهضة، بما يراعي مصالح الأطراف كافة، وأهمية استمرار المفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل وملزم، وفق القوانين والمعايير الدولية.
- أفغانستان
أكد المجلس الأعلى حرص دول المجلس على استعادة الأمن والاستقرار في جمهورية أفغانستان الإسلامية، والوصول إلى حل سياسي توافقي يأخذ بعين الاعتبار مصالح مكونات الشعب الأفغاني كافة، بما يحقق تطلعات الشعب الأفغاني الشقيق، ويعود بالنفع على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، والإسهام في حشد الدعم الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني وتحسين الأوضاع الاقتصادية. ورحّب المجلس الأعلى بمبادرة المملكة العربية السعودية بالدعوة إلى عقد الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي في 19 ديسمبر 2021م لإغاثة شعب أفغانستان.
- الشراكات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات الأخرى
وجّه المجلس الأعلى بتعزيز علاقات التعاون والحوار والشراكة بين مجلس التعاون والدول الشقيقة والصديقة، والمنظمات الإقليمية والدولية الفاعلة، واستكمال تنفيذ خطط العمل المشترك، وما تم الاتفاق عليه في مجموعات العمل واللجان المشتركة التي شُكلت لهذا الغرض.


مقالات ذات صلة

السعودية وإيران تبحثان تكثيف اللقاءات التشاورية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه حسين أمير عبداللهيان في نيويورك السبت (الخارجية السعودية)

السعودية وإيران تبحثان تكثيف اللقاءات التشاورية

واصل الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي عَقْد سلسلة من اللقاءات الثنائية في مدينة نيويورك،

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج ولي العهد الكويتي يتوجّه للصين في زيارة رسمية

ولي العهد الكويتي يتوجّه للصين في زيارة رسمية

يبدأ ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الأربعاء، زيارة رسمية إلى الصين تلبية للدعوة الموجهة له من قِبل الرئيس الصيني شي جينبينغ.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج الامير فيصل بن فرحان رأس الاجتماع الوزاري إلى جانب وزراء دول عربية وممثل الاتحاد الاوروبي (واس)

اجتماع وزاري في نيويورك يناقش جهود السلام بالشرق الأوسط

شارك الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في رئاسة اجتماع وزاري لمناقشة جهود تنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الخليجي - الأميركي (واس)

«الوزاري الخليجي – الأميركي» يشدد على توطيد التنسيق المشترك

أكد الاجتماع الوزاري الخليجي - الأميركي، أهمية توطيد التنسيق المشترك بما يعزز الأمن والسلم الدوليين، مستعرضاً جهود الجانبين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الخليج وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأمين العام للمجلس عقب اجتماعهم التنسيقي بنيويورك (كونا)

«الوزاري الخليجي» يدعو العراق لمعالجة قرار المحكمة بشأن خور عبد الله

دعت دول مجلس التعاون الخليجي العراق إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة الآثار السلبية لقرار المحكمة العليا بشأن الاتفاقية مع الكويت لتنظيم الملاحة في خور عبد الله.

ميرزا الخويلدي (الكويت) حمزة مصطفى (بغداد)

السعودية تجدد دعوتها إلى إصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر عدالة وكفاءة

الأمير فيصل بن فرحان لدى إلقائه كلمة السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
الأمير فيصل بن فرحان لدى إلقائه كلمة السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
TT

السعودية تجدد دعوتها إلى إصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر عدالة وكفاءة

الأمير فيصل بن فرحان لدى إلقائه كلمة السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
الأمير فيصل بن فرحان لدى إلقائه كلمة السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

جددت السعودية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، السبت، دعوتها لإصلاح مجلس الأمن للاضطلاع بدوره ليكون أكثر عدالة في «تمثيل واقعنا اليوم وأكثر فاعلية في مواكبة تحولات وتطورات المجتمع الدولي وأكثر كفاءة في معالجة تحدياته المشتركة».

جاء ذلك في كلمة السعودية بالدورة الـ78 للجمعية، انطلاقاً من حرصها الدائم على تحقيق أهداف وغايات الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، التي ألقاها نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية.

وأكد الأمير فيصل بن فرحان «أهمية وقوف المجتمع الدولي بحزم أمام دعم ورعاية الإرهاب والتطرف، وضرورة عدم التساهل ونبذ ورفض جميع أشكال المساس بالمقدسات وترويج أفكار الكراهية والإسلاموفوبيا تحت أي حجة كانت، وتكرار حوادث حرق نسخ من القرآن الكريم».

الأمير فيصل بن فرحان لدى إلقائه كلمة السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

وشدد على أن السعودية «تحذر من خطورة هذه الأعمال التي تقوّض الاحترام المتبادل والوئام بين الشعوب، وتتعارض مع الجهود الدولية لنشر قيم التسامح والاعتدال ونبذ التطرف، وانتهاج الوسطية وترسيخ ثقافة السلام العالمي».

ونوه وزير الخارجية السعودي بتأكيد بلاده على «ضرورة التزام الدول بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ الشرعية الدولية، وتطلعها نحو مستقبلٍ أفضلٍ للبشرية، على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدول واستقلالها، وقيمها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم اللجوء للقوة أو التهديد بها».

وأضاف: «رؤية المملكة 2030 تهدف إلى تعزيز الجهود في البناء والتطوير بما يلبي تطلعات أجيالنا المقبلة، ويسهم في تمكين المرأة والشباب وينمي قدرات الإبداع والابتكار، ويرسّخ قيم الانفتاح والحوار والتسامح والتعايش».

الأمير فيصل بن فرحان يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

كما أكد الأمير فيصل بن فرحان أن «المملكة تولي ملف حقوق الإنسان أهمية بالغة؛ حيث تضمنت أنظمتها نصوصاً صريحة تهدف إلى تعزيز وحماية تلك الحقوق».

وأشار إلى أن السعودية تهدف من خلال النهج التنموي لصنع «نهضة شاملة ومستدامة محورها وهدفها الإنسان الذي سيقود عجلة تنمية الحاضر ويصنع تنمية المستقبل بالمعرفة».

ولفت الأمير فيصل بن فرحان إلى حرص السعودية «على دعم كل الجهود الهادفة إلى ترسيخ الأمن والاستقرار، والتركيز على التنمية الشاملة، وإتاحة المجال للحوار والتهدئة وتخفيف التوترات، وحث دول المنطقة على تجنب التصعيد، والتركيز على تبادل المصالح والمنافع بما يحقق آمال وتطلعات شعوب المنطقة».

وأفاد بأن «السعودية عملت على ترسيخ مبدأ العمل الجماعي في سبيل بناء مستقبل أفضل للمنطقة والعالم من خلال استضافتها لعدد من القمم الإقليمية المشتركة في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية بمشاركة الدول كافة بما فيها الجمهورية العربية السورية، إيماناً منها بأن حل الأزمة في سوريا سيسهم في استقرار المنطقة والعالم».

وقال وزير الخارجية السعودي إن «المملكة تؤكد على أهمية الجهود التي تحقق غايات إزالة الأسلحة النووية، والتي تبدأ بإدراك ضرورة تنفيذ المجتمع الدولي بأكمله التزاماته تجاه المعاهدات والأُطر القانونية الموجودة، بهدف الوصول إلى عالم خالٍ من السلاح النووي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط».

وأضاف: «تجدد المملكة تأكيدها على أهمية حفظ وصون الأمن والسلم الدوليين، وتبذل مساعيها الحميدة لحل النزاعات الدولية والإقليمية، وفق المبادئ والأعراف الدولية».

وأكدت السعودية أن استتباب الأمن والاستقرار في أي منطقة لا يتحقق إلا من خلال التعاون والتشاور بين الدول والسعي نحو تحقيق التنمية والتقدم وتجنب السباق لامتلاك هذا السلاح المدمر للبشرية.

وحول الأوضاع الاقتصادية، قال وزير الخارجية السعودي: «يُعد استقرار أسواق الطاقة العالمية ركيزة مهمة للاقتصاد العالمي ونموه، وحرصت المملكة العربية السعودية على الحفاظ على استقرار أسواق البترول العالمية وموثوقيتها واستدامتها وأمنها وتلبية احتياجات المستهلكين، لضمان اقتصادٍ عالمي سليم يعود بالنفع على المنتجين والمستهلكين».

وبشأن البيئة، قال: «إدراكاً من السعودية لأهمية التعامل مع تحديات التغير المناخي، فإنها تولي اهتماماً بالغاً للمساهمة في تخفيض الانبعاثات والتكيف مع آثاره، وتدعم متطلبات الانتقال المتدرج والمسؤول نحو نظم طاقة نظيفة ومنخفضة الانبعاثات تستخدم جميع المصادر لتكون أكثر استدامة، ويتطلب تحقيق هذه الأهداف استمرار التعاون الدولي وتضافر الجهود للوصول للأهداف المنشودة».

وتابع: «قدمت المملكة مبادرتي (السعودية الخضراء) و(الشرق الأوسط الأخضر)، من أجل قيادة الجهود العالمية لحماية البيئة، وتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتعزيز الصحة العامة وجودة الحياة، ورفع معدلات الطاقة المتجددة، وتقنيات الحد من الانبعاثات وإزالتها، وتحقيق التنمية المستدامة».

وأشار الأمير فيصل بن فرحان إلى إعلان السعودية عن رفع إسهاماتها بتخفيض الانبعاثات إلى الضعف مقارنة بعام (2015): «وذلك بمقدار (278) مليون طن سنوياً بحلول عام (2030)، واستهداف الوصول للحياد الصفري كما أعلن عنه بتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون».

وأضاف: «لتعزيز الجهود الدولية لتأمين الموارد المائية في جميع أنحاء العالم، فقد أعلن مؤخراً الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عن تأسيس منظمة عالمية للمياه تهدف إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لضمان استدامة موارد المياه، تعزيزاً لفرص وصول الجميع إليها من أجل معالجة تحديات المياه بشكل شمولي».

ولفت الأمير فيصل بن فرحان إلى أن المملكة «تقدمت بطلب استضافة معرض إكسبو 2030 تحت شعار (حقبة التغيير: المضي قدماً بكوكبنا نحو استشراف المستقبل) وستعمل المملكة لتحقيق فكرة المعرض المتمثلة باستشراف مستقبل الكوكب وما يحمله ذلك المستقبل من تكنولوجيا متقدمة مع التركيز على أهداف التنمية المستدامة».


السعودية وإيران تبحثان تكثيف اللقاءات التشاورية

الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه حسين أمير عبداللهيان في نيويورك السبت (الخارجية السعودية)
الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه حسين أمير عبداللهيان في نيويورك السبت (الخارجية السعودية)
TT

السعودية وإيران تبحثان تكثيف اللقاءات التشاورية

الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه حسين أمير عبداللهيان في نيويورك السبت (الخارجية السعودية)
الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه حسين أمير عبداللهيان في نيويورك السبت (الخارجية السعودية)

بحث وزيرا الخارجية السعودي والإيراني أوجه تكثيف اللقاءات التشاورية على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، بما يحقق المزيد من الآفاق الإيجابية، ويخدم مصالح البلدين والشعبين.

جاء ذلك، خلال لقاء الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، السبت، مع حسين أمير عبداللهيان وزير خارجية إيران، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب الخارجية السعودية، جرى خلال اللقاء، استعراض العلاقات المشتركة وسبل تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة بشأنها.

ويواصل وزير الخارجية السعودي عَقْد سلسلة من اللقاءات الثنائية في مدينة نيويورك، يوم السبت؛ إذ التقى هاكان فيدان وزير الخارجية التركي، وبانبري فاهيتثانوكورن نائب رئيس الوزراء وزير خارجية تايلاند، ودينيس مونكادا وزير خارجية نيكاراغوا، كلا على حدة، على هامش أعمال الجمعية العامة. وناقش الوزير مع نظرائه أوجه توطيد العمل الثنائي والمتعدد الأطراف، وبحث مستجدات الأوضاع تجاه أبرز القضايا الدولية والجهود المبذولة بشأنها.

وزير الخارجية السعودي خلال استقباله الوزير دينيس مونكادا في نيويورك (واس)

وزيرا خارجية السعودية وتركيا استعرضا سبل تعزيز العلاقات الثنائية (واس)

الأمير فيصل بن فرحان خلال لقائه الوزير التايلاندي بانبري فاهيتثانوكورن في نيويورك (واس)


الملك سلمان: ذكرى اليوم الوطني تجسد مكانتنا بين الأمم

 خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
TT

الملك سلمان: ذكرى اليوم الوطني تجسد مكانتنا بين الأمم

 خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، السبت، إنه «في ذكرى اليوم الوطني، تتجسد مكانة هذا الوطن بين الأمم ماضياً وحاضراً وأبداً».‏

وسأل الملك سلمان، الله، عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، أن يحفظ أمن واستقرار البلاد، ويديم عليها وحدتها.

واحتفى السعوديون، السبت، بيومهم الوطني الـ93، الذي يوافق 23 سبتمبر من كل عام، وهو اليوم الذي شهد إعلان المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود توحيد البلاد وتسميتها المملكة العربية السعودية.


الملك عبد العزيز نجح في فرض سلطته وأجبر بريطانيا على تغيير سياستها

الملك عبد العزيز وابنه الملك سعود
الملك عبد العزيز وابنه الملك سعود
TT

الملك عبد العزيز نجح في فرض سلطته وأجبر بريطانيا على تغيير سياستها

الملك عبد العزيز وابنه الملك سعود
الملك عبد العزيز وابنه الملك سعود

بعد فتح الرياض عام 1902م على يد الملك عبد العزيز وهو الحدث الأهم لقيام المملكة العربية السعودية، بدأ الملك عبد العزيز مرحلة أخرى من الكفاح لتأمين حدود دولته الناشئة من قوى كبرى تحيط بدولته من جميع الجهات، وقد تعامل الملك المؤسس مع هذه القوى بكل قوة وحكمة واستغل أحداثاً وظروفاً لصالح وطنه. «الشرق الأوسط» طرحت على الأميرة الدكتورة جواهر بنت عبد المحسن بن عبد الله بن جلوي آل سعود، تساؤلات حول كل هذه الظروف التي أحاطت بالدولة الناشئة وكيف تعامل معها الملك عبد العزيز، وجاء الحوار كما يلي:

كيف كان المشهد أو الواقع عندما استرد الملك عبد العزيز الرياض اللبنة الأولى لقيام الدولة السعودية الثالثة؟

إن الإنجازات التي حققها الملك عبد العزيز خلال عقدين، بدأها باسترداده الرياض عام (1319هـ - 1902م)، ما جعله مطوقاً من الشمال والغرب بالولايات العربية العثمانية، وفي وسط الجزيرة حكم العثمانيون من خلال القوى المحلية، وفي الشرق والجنوب يكمن الوجود البريطاني، أما القبائل العربية التي ارتبط الأمن بتحركاتها، والتي إما أن تكون حربة في يد الحاكم القوي يضرب بها أعداءه ويستخدمها لتحقيق أهدافه، أو أن تكون حربة في ظهره إذا فشل في إدارتها. قُدر للملك عبد العزيز التعامل مع هذه القوى التي أثار قلقها عودة السلطة السعودية من جديد على يده خوفاً من تنامي النفوذ السعودي، كما كان حاله في عهد أسلافه في بداية القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي.

الملك عبد العزيز ويقف خلفه ابناه الملك سعود والملك فيصل (واس)

القوة الذاتية حركت الأحداث

كيف قرأ الملك عبد العزيز هذا الواقع وكيف تعامل معه؟

كان عام 1333هـ - 1915م هو العام الذي بدأت فيه بريطانيا بإجراء مراسلات سرية مع شريف مكة الحسين بن علي، التي عرفت بمراسلات الحسين – ماكماهون، تعهدت فيها بريطانيا بإقامة دولة عربية مستقلة بزعامة الشريف حسين، وتقديم الحماية الكاملة لها ضد أي تهديدات خارجية، مقابل ذلك تعهده بإعلان الثورة المسلحة ضد الأتراك العثمانيين في المناطق العربية.

كشفت مراسلات 1334 – 1335هـ - 1916م التوتر في العلاقات بين الملك عبد العزيز والحسين، الذي طلب مشاركة القوات النجدية، ولكن الملك عبد العزيز كان يسعى لصالح قضيته، فاشترط تحديد الحدود بينهما، إلا أن الشريف رفض. ورغم ذلك أعلن الملك عبد العزيز تأييده الصريح للثورة العربية، إلا أنه لم يشارك فيها رغم بغضه الشديد للأتراك العثمانيين لماضيهم الاستعماري في المنطقة العربية.

وجد الملك عبد العزيز أن العلاقات بينه وبين الشريف ستتحول في يوم ما إلى صدام مسلح، وأن الشريف لن يتردد في استغلال الثورة العربية ليعلن نفسه ملكاً على العرب، وهذا ما حدث في 2 محرم 1335هـ- 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1916م، ما أدى إلى استياء الملك عبد العزيز كما هو حال الحكام والزعماء العرب. في حين أن الحكومة البريطانية وجدت أن تصريح الحسين أمر مربك لها لوجود حكام آخرين يمارسون سلطة لا تقل عن سلطته في المنطقة؛ لهذا اقتصرت على الاعتراف به ملكاً على الحجاز.

أدرك الملك عبد العزيز أنّ القوة الذاتية هي القادرة على تحريك الأحداث المحليــة والحدّ من تأثير القــوى العالمية ومنع الانقياد وراء أهدافها على غرار ما حدث لكّل شيوخ المنطقة؛ ولذلك حاول إيجاد نوع من التوازن بين القوى الدولية والأهداف المحلية، بعكس الحكام العرب وقادة الجمعيات العربية الذين بحثوا عن حلول لقضيتهم العربية في دهاليز الخارجية البريطانيـة والفرنسية، غير مدركين لمقدرات الأمة العربية وطبيعة الأطماع الأوروبية في القرن الثالث عشر – الرابع عشر الهجري - النّصف الثاني من القرن التاسع عشـر الميلادي، وما ترتّب على ذلك من نشوء كيانات سياسية متفرّقة أخذت تُقاوم الاستعمار في مرحلة ما بين الحربين العالميتين.

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن خلال تدشينه أحد المشاريع (واس)

الخرمة وتربة في قلب الأحداث

توتر العلاقات بين السعوديين والأشراف كيف تعاملت معها بريطانيا؟

كان على بريطانيا التعامل مع أزمة توتر العلاقات بين الشريف والملك عبد العزيز، التي تعود بجذورها إلى الصراع الذي كان قائماً بين أئمة الدولة السعودية الأولى والأشراف، والذي تجدد في قضية الخرمة، تلك القرية الصغيرة التي لم تدخل حيز التاريخ إلا بعد أن تنافس على سيادتها الملك عبد العزيز والشريف حسين. وكانت الشرارة التي فتحت باب الخصومة بينهما عام 1327 – 1328هـ - 1910م، بعد أسر الأمير سعد بن عبد الرحمن شقيق الملك عبد العزيز الأصغر من قبل الشريف حسين في أثناء تأديته لإحدى المهام، ورفض الشريف تسليمه إلا مقابل أمرين، الاعتراف بالحكم العثماني بالقصيم ودفع الضريبة السنوية له التي توقف الملك عبد العزيز عن دفعها منذ ثلاث سنوات، وقَبِل الملك عبد العزيز تلك الشروط مقابل تخليص شقيقه، تلا ذلك هدوء بين الطرفين بسبب انشغال الملك عبد العزيز في ترتيب بيته الداخلي. عاد الشريف ليمارس عمليات استفزازية بقصد إثارة الملك عبد العزيز، وتلاها بهجمات فاشلة على الخرمة، رغم إرسال بريطانيا تعليمات للشريف حسين بالكف عن استفزاز الملك عبد العزيز. وفي الوقت نفسه تم إبلاغ الملك عبد العزيز باستياء الحكومة البريطانية لتحديه للحسين وضرورة إيقاف العمليات العسكرية ضد الهاشميين والتخلي عن الخرمة. إلا أن الملك عبد العزيز لم يصغ لهذه التهديدات، وصمم على تصديه لتجاوزات الحسين على أراضيه، وأظهر استياءه من تجاوزات الحسين واللهجة التي استخدمتها السلطات البريطانية في تهديده، ما دفع بريطانيا إلى عقد مؤتمر دوائر الشرق الأوسط الأول في لندن في 7 جمادى الآخرة 1337هـ - 10 مارس (آذار) 1919م، بهدف إعادة النظر في السياسة البريطانية تجاه المنطقة العربية، وتحديد موقفها تجاه النزاع بين الحسين والملك عبد العزيز. وقد ظهر أن الخلاف بينهما قد انتقل إلى الدوائر السياسية البريطانية، بعد أن انعكس على علاقة الإدارتين اللتين يتم الاتصال بهما، فالسيد ريجنالد وينغيت والكرنل لورنس يدافعان عن ادعاءات الحسين، بينما تحظى ادعاءات الملك عبد العزيز بتأييد الكرنل ويلسن والمستر فيلبي. وقد اتضح ذلك في مرئيات المؤتمر الذي تفاوتت توقعاته، فرأى البعض أن الملك عبد العزيز لن يصمد أمام قوات الحسين النظامية التي تم تدريبها من قبل خبراء وعسكريين بريطانيين وتم تزويدها بأسلحة بريطانية متطورة ولها خبرة قتالية معروفة، والبعض الآخر ذكر أن قوة جيش الملك عبد العزيز وحسن تدريبه سيؤديان إلى تحقيق انتصاره على الهاشميين وشاركهم الرأي ضباط وزارة الحرب الذين بينوا شكوكهم بإمكان تغلب القوات الحجازية على النجدية. وخرجت القرارات الختامية للمؤتمر بتمكين الحسين من واحة الخرمة، وإبلاغ الملك عبد العزيز وتحذيره من مغبة القيام بأي أعمال عدائية ضد الحسين، وتوجيه إنذار للملك عبد العزيز بأن الحكومة البريطانية ستعمل على حرمانه من الامتيازات في حال رفضه. إلا أن الملك عبد العزيز الذي كان يعتمد في مطالبه في الخرمة على مسوغات دينية وإقليمية وتاريخية وإدارية وعشائرية، تجاهل التحذيرات البريطانية وواصل حشد قواته للدفاع عن الخرمة ومنع أي اضطرابات، ما سيترتب عليه نشوب مواجهة جديدة بينه وبين الحسين. في الوقت الذي طالب فيه الحسين من الحكومة البريطانية بتزويده بالدبابات والطائرات لمواجهة الملك عبد العزيز في الخرمة.

تجاهل الحسين مرة أخرى النصائح البريطانية، وأمر ابنه الشريف عبد الله بمهاجمة تربة والتوغل في الأراضي النجدية، ما أدى إلى إرسال الملك عبد العزيز قواته إلى تربة وإلحاق هزيمة ساحقة بقوات الحسين نجا منها عبد الله بن الحسين بأعجوبة. وقد ذكر غارنلد في مذكراته بتاريخ 5 رمضان 1337هـ - 4 يونيو (حزيران) 1919ه أن الحقيقة المؤسفة هي أن قوات الشريف حسين اندحرت اندحاراً سيئاً، وأنه أخفق في تحقيق توقعات الضباط البريطانيين بعد خبرة سنتين ونصف، وأخفق جيش عبد الله النظامي المجهز بالمدافع والرشاشات في الانتصار على جيش غير مدرب اقتصر تسليحه على البنادق فقط. سارع الشريف حسين بحثّ الحكومة البريطانية بالضغط على الملك عبد العزيز حتى وصلت إلى تهديدات بقطع العلاقات ونقض اتفاقية 1334هـ - 1915م. ونتيجة للمخاوف البريطانية من تقدم الملك عبد العزيز تجاه الأراضي الحجازية، سارعت بريطانيا لعقد مؤتمر دوائر الشرق الأوسط الثاني في لندن في ذي الحجة 1337هـ - سبتمبر (أيلول) 1919م، وانتهى المؤتمر بقطع الامتيازات عن الملك عبد العزيز، وإرسال ست طائرات حربية إلى جدة لدعم الحسين، وإرسال مبعوث إلى الملك عبد العزيز، وطلب الانسحاب حتى تتم المفاوضات بين الطرفين، وأنه في حال عدم التزامه ستعد اتفاقية 1334هـ- 1915م ملغاة.

وافق الملك عبد العزيز على انتظار المفاوضات، أما الحسين فقد رفض التعامل مع الملك عبد العزيز. واستمرت بريطانيا في دعم الحسين والتضييق على الملك عبد العزيز، وقد كشفت تلك الأحداث الأخيرة ما بين عامي 1336هـ – 1338هـ - 1918 – 1919م عن التحيز البريطاني في هذه الأزمة للحسين ومدى قوة الملك عبد العزيز العسكرية والضعف الذي تعانيه القوات الهاشمية؛ ما دفع بريطانيا لإعادة نظرتها لمكانة وإمكانيات الملك عبد العزيز العسكرية ومدى نفوذه.

وجه وزير المستعمرات ونستون تشرشل دعوة إلى السياسيين والعسكريين البريطانيين لحضور مؤتمر القاهرة رجب 1339هـ - مارس 1921م، بهدف انتهاج سياسة جديدة لإعطاء استقلال اسمي للمناطق التابعة لبريطانيا في محاولة لإثبات صدق نياتها حول الوعود باستقلال العرب، ومن ذلك إقامة حكم ملكي في العراق، ورغم ورود اسم الملك عبد العزيز بصفته أحد المرشحين، فإنه تم استبعاده للحفاظ على مبدأ التوازن السياسي في الجزيرة العربية وعدم قيام اتحاد عربي.

لهذا تم ترشيح فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، وعبد الله بن الحسين ملكاً على شرق الأردن بعد طلبه في ظل الدعم البريطاني. وبهذا قسمت بريطانيا عرشي العراق وشرقي الأردن على أبناء الحسين بن علي، أما الملك عبد العزيز فقد وجد نفسه محاصرا بالعروش الهاشمية، ولم يعد أمامه سوى الاستمرار في تثبيت أقدامه ومد نفوذه وتحقيق أهدافه لمواجهة هذا التكتل الهاشمي المدعوم من بريطانيا.

كان الملك عبد العزيز العقبة الحقيقية التي وقفت في وجه المخططات البريطانية لتقسيم الجزيرة العربية لكيانات صغيرة متنابذة يسهل السيطرة عليها، خاصة بعد وضع وزير المستعمرات ونستون تشرشل خريطة سياسية للجزيرة العربية أبقى فيها على جميع الكيانات السياسية ما عدا حكومة الملك عبد العزيز فلم يكن مرحباً ببقائها؛ خوفاً من تنامي سلطته وأنه قد يعمل على توحيد عرب الجزيرة وأوصى بضرورة الحد من تفوقه على جيرانه. وصدق حدس ونستون تشرشل، فلم يلتزم الملك عبد العزيز ببنود اتفاقية دارين نتيجة لازدياد نفوذه، خاصة بعد فشل مؤتمر الكويت عام 1342هـ- 1923 – 1924م، الذي اشترط فيه الملك عبد العزيز شرطاً ينم عن دهاء وفطنة، وهو أن يقتصر كل وفد على تمثيل مصالح بلده، بهدف ألا يصبح ممثلو الحجاز وشرقي الأردن والعراق كتلة ضده. ورغم الدعم السياسي والعسكري الذي تلقاه الحسين من الحكومة البريطانية، فإنها لم تقف عائقاً أمام ضم الملك عبد العزيز للحجاز، بعد أن خيب توقعات رجالات السياسة البريطانيين والعسكريين، الذين كانوا يتوقعون حصول قوات الحسين على انتصار سهل، إلا أن الملك عبد العزيز قد حيرهم حيرة أذهلت الجميع بدخول قواته مكة المكرمة واسترداد الحجاز عام 1344هـ - 1925م ثم عسير. عندها أدركت الحكومة البريطانية أنه لا بد من إيقاف طموح الملك عبد العزيز خوفاً من مواصلة تطلعاته التي قد تصل إلى العراق وشرقي الأردن؛ ما عجل تحرك الحكومة البريطانية بعد أن ثبت أن معاهدة دارين مع الملك عبد العزيز لم تعد فاعلة كأساس لعلاقتها معه نظراً للقوة والمكانة والتأثير على محيطه الإقليمي، لهذا كانت الحكومة البريطانية بحاجة إلى وضع أسس ثابتة لعلاقاته بالدول المحيطة بغرض حمايتها.

وبذلك اتجهت بريطانيا نحو توطيد الصداقة المحايدة، بعد فشلها في تكبيله بمعاهدات مشابهة لتلك التي فرضتها على حكام وشيوخ المنطقة، فكانت «معاهدة جدة» في 18 من ذي القعدة 1345هـ- 20 مايو (أيار) 1927، التي نجح فيها الملك عبد العزيز في فرض سلطته حاكماً مستقلاً، وذلك يعد تحولاً كبيراً في السياسة البريطانية في المنطقة، فلم تكن مطالبه تقاس فقط بما يقدمه من التزامات، ولكن أيضاً بمدى النفوذ الذي يمارسه هذا الكيان القوي الذي فرض على بريطانيا تغيير سياستها في المنطقة واضطرارها ولأول مرة لتقديم تنازلات لنجاح المفاوضات والتوصل إلى معاهدة معه.

كان الملك عبد العزيز العقبة الحقيقية التي وقفت في وجه المخططات البريطانية لتقسيم الجزيرة العربية (واس)

مخاوف بريطانية من النفوذ السعودي القادم

هل امتدت المخاوف البريطانية من الملك عبد العزيز إلى الخليج؟

لم تنته المخاوف البريطانية بتوقيع معاهدة جدة، فما زالت تخشى على مشيخاتها في الخليج العربي وعلى قاعدتها الاستراتيجية في عدن، خاصة بعد أن أرسل المقيم البريطاني في الخليج العربي (1345 – 1347هـ) - (1927 – 1928م) إلى وزارة الهند ما يفيد بقلقه الشديد من ازدياد نفوذ الملك عبد العزيز في شبه الجزيرة العربية وخشيته على القواعد الجوية البريطانية في ساحلها الشرقي نتيجة لتدخل الملك عبد العزيز في شؤون مشيخات ساحل عُمان.

كما أكدت الوثائق البريطانية أن نشاط جباة أمير الأحساء داخل قطر دفعها إلى تقديم شكوى إلى بريطانيا بتاريخ 11 صفر 1342هـ - 21 سبـتمبر 1923م، وأدّى ذلك إلى إرسال تحذير إلى الملك عبد العزيز في 1 ربيع الآخـر عام 1343هـ - 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1923م. وكانت الإدارة البريطانية متخوفــة من صلاحيات أمير الأحساء، الذي أثار نشاطه من خلال عملية جباية الزكاة وبعض العمليات التأديبية للقبائل القنصل البريطاني في بوشهر الذي توقع «... أن يكون الهدف هو احتواء ساحل عمان المهادن وعمان المستقل، وأنَ ابن جلوي قد يستخــدم حماية القبائل الساكنة فيه. كما أنه قد يعمل على ضم جزء كبير من سلطنة عمان المناوئة للملك عبد العزيز، وكذلك شرق الضفرة والمناطق الساحلية التابعة لإمارة أبوظبي. وفي هذه الحالة سيبحث شيوخ المهادن عن أنسب الحلول مع الملك عبد العزيز ويعرضون الانضمام لنجد خاصة إذا حصلوا على اعتراف بحكمهم الوراثي لمناطقهم...». وعلى هذا نبّهت القنصلية البريطانية إلى ضرورة زيادة النفوذ السياسي البريطاني في الساحل المهادن للحد من الضغـط الذي يستخدمه ابن جلوي على حدود الساحل. وتجددت مخاوف المقيم السياسي في الخليج العربي في تقريره إلى سكرتير دولة المستعمرات بتاريخ 4 من ذي الحجة 1344هـ - 14 يونيو 1926م حول نشاط ابن جلوي في عمان.

كما نَبّه القنصل البريطانـي فـي بوشهر إلى أنّه في حالة حرص حكومته على حفظ استقـلال شيوخ المهادن وحماية مسقط من نشاط ابن جلوي، فلا بُدّ من مساءلة حاكم نجد للضغط عليه لقصـر نشاطه عن شيوخ المهادن والمحافظة على الحدود المتفق عليها في عام 1348هـ - 1929م.

واجهت بريطانيا مشكلة جديدة مع الملك عبد العزيز بعد تقدمه بشكوى في شعبان 1334هـ- يونيـــو 1916م حول تهريب البضائع من الكويت إلى نجد، ووصلت إلى فرضه حصارا اقتصاديا على الكويت بعد تعنت شيخها.

أكدت التقارير البريطانية أن الحصار التجاري لم يكن برياً فحسب، بل امتد إلى عمليات بحرية بإيعاز من ابن جلوي. وقد تزايدت المخاوف البريطانية حول مصير الكويت التي قد يؤدي التطويق الاقتصادي النجدي إلى إذابتها ضمن الحدود النجدية، وهذا ما دفع حكومة بريطانيا إلى إعطاء حاكم الكويت وعداً بتسوية مرضية والدفاع عن مصالح الكويت.

لهذا وجهت الحكومة البريطانية تحذيرا للملك عبد العزيز الذي أكّد بدوره أنه يحرص في المقام الأول على حفظ أمن حدوده، وأنّه ليس لديه نيات للتدخل فـي شؤون الكـويت، وأنّه لن يتنـــازل عن مطالبه خصوصاً بعد الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تعرّض لها بسبب تهريب البضائع.

لم تقبل بريطانيا موقف الملك عبد العزيز الذي قد ينعكس سلباً على ثقلها السياسي في مشيخات الخليج العربي؛ خصوصاً أن منع التبادل التجاري بين السعودية والكويت قد يكون موجهاً ضد بريطانيا، ولكن عملياً ليس مخالفاً للقانون الدولي الذي يعطي أي دولة الحقّ في تنظيم وارداتها واستيفاء الرسوم الجمركية. ورغم الضغــوط التي مارستها الحكومة البريطانية على الملك عبد العزيز، فإنّها كانت تُدرك الفرق بين الصّداقــة معه وسياستها تجــاه محمياتها في الخليج، كما أنها لا ترغب في تأزّم جديد في علاقاتها بالملك عبد العزيز بعد إدراكها مدى تشدده، ما دفعها إلى تغيير سياستها بغية إيجاد تسوية مرضية للطرفين. وبقي الملك عبد العزيز حجر عثرة في طريق المخططات البريطانية في المنطقة.


السعودية في يومها الوطني... شموخ وتاريخ فريد

سعوديون يشاهدون عرضا جويا أمس ضمن احتفالات اليوم الوطني (واس)
سعوديون يشاهدون عرضا جويا أمس ضمن احتفالات اليوم الوطني (واس)
TT

السعودية في يومها الوطني... شموخ وتاريخ فريد

سعوديون يشاهدون عرضا جويا أمس ضمن احتفالات اليوم الوطني (واس)
سعوديون يشاهدون عرضا جويا أمس ضمن احتفالات اليوم الوطني (واس)

في الذكرى السنوية لليوم الوطني السعودي يفتح التاريخ نافذة من نوافذه، ويعرض شريطاً لذكريات عمرها أكثر من قرن ومحطات مهمة في تاريخ الدولة السعودية الثالثة التي تعيش في هذه الذكرى اليوم في أبهَى صورها في مرحلة «العصرنة» و«رؤية 2030» وبناء دولة المستقبل في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث تحوَّلت البلاد في غضون سنوات إلى ورشة لتحقيق المستهدفات.

ورغم حجم التحديات في المشهد الحالي فإنَّ السعودية رسمت سياستَها في توازن وتميّز اتَّسم بالعزم والحزم في مواجهة الأحداث، مع الحرص على إحقاق الحق، وإرساء العدل، وإقرار مشروعات مختلفة للوصول بالبلاد إلى آفاق رحبة من التنمية.

ومثلما سجَّل الملك المؤسس عبد العزيز مواقفَ تنمُّ عن امتلاكه الحكمة، وأدوات ومقومات القائد الناجح والمحنك والشجاع، وقراءة الأحداث والوقائع بشكل دقيق بعيداً عن الانفعال والعواطف والمغامرات غير المحسوبة، سجَّل الملك سلمان توجّه والده المؤسس، واستخدم الأدوات نفسها التي سار عليها تبعاً للظروف والأحداث والمعطيات، وهو ما أكده منذ توليه مقاليد السلطة في بلاده، حين قال، إنَّ «أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها. وسنواصل في هذه البلاد التي شرفها الله بأنَّ اختارها منطلقاً لرسالته وقِبلة للمسلمين، مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف، وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا، مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ارتضاه المولى لنا، وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال».

«الشرق الأوسط» تنشر ملفاً حول التأسيس الثالث للسعودية على يد الملك عبد العزيز وحتى اليوم وما مرَّت به البلاد خلال نحو قرن من الزمن، وكيف حافظ أبناء وأحفاد عبد العزيز على هذا النموذج الفريد للدولة، وقدَّموا النسخة المعاصرة للتراث السياسي العربي والإسلامي.


الفيديوهات والأفلام القصيرة ترسم احتفالات السعوديين بمناسباتهم الوطنية

TT

الفيديوهات والأفلام القصيرة ترسم احتفالات السعوديين بمناسباتهم الوطنية

تم توسيع نطاق جائزة التميّز الإعلامي لليوم الوطني بداية من نسختها الرابعة هذا العام لتصبح سنوية على امتداد العام (واس)
تم توسيع نطاق جائزة التميّز الإعلامي لليوم الوطني بداية من نسختها الرابعة هذا العام لتصبح سنوية على امتداد العام (واس)

ترسم الفيديوهات والأفلام القصيرة والأغاني الوطنية احتفالات السعوديين في مناسباتهم الوطنيّة، إذ تتنافس المؤسسات والهيئات الحكومية وشركات القطاع الخاص في تسجيل مشاركتها في المناسبات الوطنية والأحداث العامة، ليس من خلال التسويق لمنتجاتها أو تقديم عروض موسمية، بل في إنتاج فيديوهات ذات محتوى وطني بأشكال وسيناريوهات مختلفة، بما يعزز شعور الفرح والانتماء كجزء من مسؤوليتهم الاجتماعية والوطنية.

والمحتوى الذي ينتج في هذه المناسبات، خصوصاً اليوم الوطني، يدرج في إطار القوة الناعمة الهادفة إلى تعزيز وبناء الصورة الذهنية لهذه الجهة أو تلك بهدف اكتساب نسبة أكبر من الجمهور والوصول إلى شرائح المجتمع كافة، من خلال أعمال تعكس هويّة كل قطاع في مكانه، ويقدّم سيناريوهات أعمال تبرز المزايا التقليدية لتاريخ السعودية وتراثها.

المعطيات أوضحت أن معظم الجهات كانت تعتمد في إنتاج محتواها المرئي الذي يرتبط بالمناسبات الوطنية أو الفيديوهات الترويجية الخاصة بالمؤسسات - حكومية كانت أو خاصة - على شركات إنتاج أجنبية في الغالب، غير أن هذا الواقع تغير إلى حد كبير مع دخول شركات إنتاج محلية إلى السوق، ليصبح من إنتاج أياد سعودية، حيث يرتفع الطلب في فترة المناسبات الوطنية، أو في أحداث ذات تأثير واسع مثل جائحة كوفيد-19 والإغلاق العالمي الذي صاحبها، لتصبح تلك الأعمال جزءاً من حملة إعلانية واتصالية للمؤسسة أو تكون هي بذاتها العملية الاتصالية التي تقوم بها المؤسسة بهذه المناسبة الوطنية.

 

جائزة التميز الإعلامي

إلا أن هذا الجهد لم يعد مقتصراً على القطاع الخاص، بل دخلت عليه الجهات الحكومية لرفع مستواه وجعله أكثر تنافسية، إذ أطلقت وزارة الإعلام، في سبتمبر (أيلول) 2019، جائزة سنوية تكريمية لأفضل الأعمال الإبداعية المشاركة في احتفالات البلاد باليوم الوطني، تحت اسم «جائزة التَّميُّز الإعلامي لليوم الوطني»، وذلك بهدف زيادة تفاعل الأفراد والمؤسسات مع هذه المناسبة الجليلة وإثرائه من خلال المشاركات الإعلامية الإبداعية، وإبراز دور الإعلاميين والمبدعين خلال المناسبة، وتسليط الضوء على أفضل الحملات والمنتجات الإعلامية، التي قدمتها الجهات الحكومية والقطاع الخاص وأفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين بهذه المناسبة.

مسارات الجائزة تضمّنت عددا من المجالات الإعلامية إلى جانب «أفضل فيديو من القطاع الخاص» و«أفضل منتج إذاعي»، ما يكشف عن الأهمية التي باتت تلقاها الإنتاجات المرئية وحتى الصوتية القصيرة في المناسبات الوطنية.

 

«الإنتاج العالي» يتجاوز مليون ريال

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادرها أنه بالنسبة لإنتاج الفيديوهات الوطنية سواءً الأفلام القصيرة أو الفيديوهات من خلال «الإنتاج العالي» الذي يتطلب معدات تقنية متقدّمة وحديثة في سوق الإنتاج، فإن تكلفته تبدأ من 200 ألف ريال سعودي وتتجاوز مليون ريال في عدد من الأعمال، وهذا يعدّ متوسّط التكاليف الطبيعية.

وعلق في أذهان مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي السعوديين عدد من الأفلام القصيرة والفيديوهات التي عكست الكثير من القصص السعودية، ونتيجةً لذلك حصدت عدداً من الجوائز على غرار «جائزة التميز الإعلامي»، كما سجّلت أرقام مشاهدات عالية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

 

غازي القصيبي في جائزتين

ومن تلك الفيديوهات فيديو «لأنها المجدُ، نحن منها، وهي منّا» الذي جعل «مايسترو بيتزا» تحصل على جائزة في مسار «فيديو القطاع الخاص وغير الربحي» لعام 2019. ويصوّر الفيديو عدداً من الشخصيات السعودية ذات الأولوية عبر التاريخ مثل خميّس بن رمثان، وغالية البقمي، والطيّار عايض الشمراني، واخوان شمّا، وطيور شلوى، ثم يجمعهم في إطار واحد، على أنغام مغنّاة لقصيدة الوزير والسفير السعودي الراحل غازي القصيبي «أجل نحن الحجاز ونحن نجد».

وفي مسار «الحملة الإعلامية من الجهة الحكومية»، حصلت مبادرة «تتخيل الوطن بدونهم؟» للاتحاد السعودي للأمن السيبراني، التي انطلقت عبر فيديو مدته دقيقة و10 ثوانٍ، واستعرضت جانبا من جهود المبرمجين السعوديين فيما وصلت إليه البلاد من تقدم تقني بات ينعكس على الحياة العامة، على جائزة التميّز الإعلامي في العام ذاته.

وفي العام التالي، حصلت وزارة الرياضة على جائزة عام 2020 في مسار «الحملة الإعلامية من جهة حكومية» عن حملتها «ما بعده وطن» التي أظهرت، التقدم الحاصل في قطاع الرياضة السعودية مقارنةً بما كان عليه في سنوات سابقة قبل أن «تصبح الأحلام واقعا».

وحقّق فيديو «نبني وطناً يسكن فينا» لشركة «رتال للتطوير العمراني» جائزة التميز الإعلامي في مسار «فيديو القطاع الخاص وغير الربحي» لعام 2020، الذي يظهر مراحل الدعم والتمكين الوطني للشاب السعودي وصولاً إلى ما هو عليه الآن، وفي الإطار حديث صوتي للوزير والسفير الراحل غازي القصيبي يطالب فيه بمنح الشاب السعودي الثقة في العمل، ليسجّل القصيبي حضوره في جائزة التميّز الإعلامي للمرة الثانية على التوالي ولكن بصوته هذه المرة.

وحقّقت كل تلك الأعمال انتشارا واسعا، كما سجّلت نسب مشاهدات عالية على عدد من المنصات مثل منصة «إكس» و«يوتيوب» وغيرهما.

«الشرق الأوسط» حاولت الدخول في كواليس هذه الصناعة الإعلامية ذات التأثير الذي تكشفه وسائل التواصل الاجتماعي ونسب المشاهدات والإحصاءات المتوافرة، والتقت بعدد من المرتبطين بالتفاصيل من منتجين وجهات رسمية مستفيدة وشركات إنتاج ونقّاد.

 

تأثير في خانة القوّة الناعمة

مدير قسم التواصل والتسويق بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) يوسف المطيري، أكّد أنهم عندما قدموا في «إثراء» العمل الفني «هاتها» مع الفنان السعودي «عايض» خلال الاحتفال باليوم الوطني الـ91، وجدوا أن «العمل ما زال رائجاً حتى الآن، وهو ما يفسر أن تكون هذه الأغنية حاضرة وبقوة أثناء احتفاء نادي النصر السعودي باستقبال كريستيانو رونالدو الذي حظي بنقل تلفزيوني عالمي، وهو ما يصب في تأثير القوة الناعمة أيضاً، كذلك العمل الوطني الذي قدم العام الماضي (نغنّي للوطن) والذي جاء بروح الأوبريت وبألحان الفلكلور السعودي الثريّ بتنوعه، التي عكست الجمال والثراء الموجود في مناطق السعودية كافة».

وأضاف المطيري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الأفلام القصيرة والأعمال الفنية على اختلاف أشكالها «باتت جزءاً من نكهة الاحتفال باليوم الوطني، والتي تتسابق على تنفيذها الجهات والعلامات التجارية المختلفة، ما جعلها محط أنظار الجمهور داخل البلاد وخارجها، والذي بدوره بات ينتظر الإبداعات الفنية التي تعبّر من خلالها هذه الجهات عن فخرها وتعكس الثراء الثقافي والحضاري للسعودية والتطور الذي تعيشه بلادنا، وكذلك التنوع في توظيف الأفكار الذي نلمسه كل عام والذي يضفي قيمة لهذه الأعمال ما يجعلها خالدة ومتداولة لدى الجمهور على مدى طويل (...) وهو ما يفسر استعراض كل جهة قدرتها على تقديم محتوى ثري فنياً وثقافياً ومطعّم بلمسات من هوية هذه الجهات».

وسلّط عبد الرحمن السبيعي الرئيس التنفيذي لشركة «مكانة» للإنتاج، الضوء على المقارنة بين شركات الإنتاج المحليّة والأجنبية في أعمال اليوم الوطني، وعدّ أن السنوات القليلة الماضية بيّنت تفوّق الشركات المحلية مقابل نظيرتها الأجنبية «بسبب ارتفاع جودة الإنتاج لدى الشركات السعودية ومعرفتها الجيدة بأبعاد اليوم الوطني لدى السعوديين وطبيعة وذائقة المجتمع ومع تطور جودة إنتاجها أصبحت تتصدر السوق، ولكن في جانب الخبرة فإنها نقطة تفوّق لصالح شركات الإنتاج الأجنبية»، كاشفاً في الوقت ذاته أن هناك مشاريع «تكون بالتعاون بين شركات محلية وشركات أجنبية كبيرة لإنتاج أعمال في اليوم الوطني السعودي».

 

الأغاني الوطنية أسرع انتشاراً من غيرها

وبالسؤال عن السيناريو الذي يجد رواجاً لدى شرائح المجتمع السعودي في المحتوى الوطني، كشف السبيعي لـ«الشرق الأوسط» أن الأغاني الوطنية «في الغالب تجد انتشاراً أسرع من غيرها، لكن مع ارتفاع المنافسة تداخلت الأعمال، وأصبحت الأغاني والقصائد تأتي أيضاً مع الأفلام القصيرة وتجد انتشاراً جيداً»، خصوصاً مع المميّزات التي باتت تبتكرها كثير من شركات الإنتاج غير الاستعانة بشخصيات مشهورة في المجتمع أو ذات وجود في الذاكرة، مثل «الانتقال إلى تقنية الـ cgi والتصاميم ثلاثية الأبعاد عالية الجودة» وفقاً للسبيعي.

وطبقاً لتقديرات السبيعي، فإن «الأعمال جيدة الإنتاج تكون مجمل تكاليفها بمعدل 700 ألف ريال سعودي للعمل الواحد، بينما تكون الأعمال عالية الإنتاج بمعدل مليون ونصف المليون ريال للعمل الواحد، وهناك أعمال قليلة جداً وربما نادرة وصلت ميزانيتها من 3 إلى 5 ملايين ريال».

من جهته قال الناقد والمهتم بالتسويق وصناعة الإعلانات أحمد هليّل، إن عملية الوعي «زادت عند فرق التسويق الداخلية لدى الجهات والشركات الكبيرة والصغيرة وزادت أهمية الفيديوهات والإنتاج المرئي، وهذا ديدن السوق بالعرض والطلب، وفي الوقت نفسه هناك تزامن بعملية الوعي عند الجمهور والمتلقي وتوسعت قنوات التواصل الاجتماعي»، ما يجعل هذه الأمور من أهم النقاط الكبيرة في عملية ازدهار الأعمال.

 

دعم حقيقي لشركات الإنتاج المحلية

واستطرد هليّل بالقول إن هناك دعما حقيقيا لشركات الإنتاج المحلية التي لا تتجاوز بحسب آخر إحصائية 250 شركة، ما أوجد شركات مبدعة في «عملية الكتابة والتخطيط والإنتاج، وهي أعلم بفهم سلوك المستهلك وعملية الوصول له من خلال الحياة اليومية وتستطيع أن تضع لمسة خفيفة لا يمكن أن تكون حاضرة لدى الشركات الأجنبية، وهذه نقطة قوة لدى الشركات المحلية وتحتاج لدعم وثقة أكبر من الشركات والجهات في التعامل معها»، مضيفاً أنه فضلاً عن الفكرة الجيدة والجديدة التي تعدّ الفارق، فإن هناك سمات كثيرة وصفات عامة تضع الشركات المحلية لمستها عليها بنجاح مثل «الزي السعودي، وأداء الرقصات الشعبية، والتفاصيل التاريخية لدى كل مدينة ومنطقة».

ويرى أنه في فترة مبكّرة كان القطاع الخاص هو الأكثر طلباً على إنتاج الفيديوهات القصيرة والأفلام والإنتاجات المرتبطة بالمحتوى الوطني أو غيره، وذلك لأن القطاع الخاص يخاطب العميل والمستخدم ويحتاج لوصول مباشر وسريع إليه، لكن مع مرور الوقت أصبح الطلب متساويا بين الجهات الحكومية والخاصة للوصول إلى الجمهور والشريحة المستهدفة.

هليّل أوضح أنه بغض النظر عن تكاليف إنتاج الفيديوهات، فإن هناك أعمالا «تُنتج بتكلفة منخفضة جداً وجودتها ضعيفة لكنها تنجح في إيصال الفكرة، وهناك أعمالا يُدفع لها مبالغ ضخمة ولكن تفشل في إيصال الفكرة المرجوّة، وفي العموم فإن الهدف من أي إنتاج هو إيصال الفكرة»، وتابع بأن هناك عوامل تصنع الفارق اليوم، وعلى سبيل المثال «التصوير السينمائي أفضل من تصوير الكاميرا الصغيرة، والمعدات والأصوات تصنع الفارق أيضاً، وكذلك المواهب المشاركة في الإنتاج، سواءً كانوا ممثلين أو مخرجين، يمنحون فارقا في العمل».

ومن المنتظر أن يشهد اليوم الوطني السعودي الـ 93، الذي يحلّ السبت، استمراراً لتلك الأعمال المرئية وابتكارات جديدة في الظاهرة التي باتت أحد الأشكال الرئيسية لاحتفالات السعوديين أفراداً وجهات بمناسبات بلادهم الوطنية.


توحيد الوطن منجز يحتفي به الشعر

الملك عبد العزيز وكفاحه وتأسيسه للدولة السعودية الثالثة ألهمت الشعراء إلى مديحه بما قدمه للأمة (غيتي)
الملك عبد العزيز وكفاحه وتأسيسه للدولة السعودية الثالثة ألهمت الشعراء إلى مديحه بما قدمه للأمة (غيتي)
TT

توحيد الوطن منجز يحتفي به الشعر

الملك عبد العزيز وكفاحه وتأسيسه للدولة السعودية الثالثة ألهمت الشعراء إلى مديحه بما قدمه للأمة (غيتي)
الملك عبد العزيز وكفاحه وتأسيسه للدولة السعودية الثالثة ألهمت الشعراء إلى مديحه بما قدمه للأمة (غيتي)

لا تزال المملكة العربية السعودية، منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن (طيب الله ثراه)، إلى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حاضرة بقوة في قصائد الشعراء، يتغنون بها ويرسمون بكلماتهم مسار وحدة الأمة وحب الوطن.

ومع احتفال السعودية بيومها الوطني الـ93، طرحت «الشرق الأوسط»، على الشاعر والراصد والناقد سعد بن عبد الله الحافي، تساؤلاً عن تأثير الشعر، تحديداً الشعبي منه (انطلاقاً من أن هذا النوع من الشعر هو السائد في المشهد منذ عقود وإلى اليوم)، على وحدة الصف ولم الشمل كامتداد لدور الشعر في تعزيز القيم.

الشاعر سعد بن عبد الله الحافي

بداية يوضح الحافي بالقول: كان ولا يزال الشعر حاضراً كأدب أصيل وسجل ثري بكل ما يمس الحياة في الجزيرة العربية، وهو ما اختص به وأبدع فيه الإنسان العربي دون غيره من الآداب التي تميزت بها الشعوب الأخرى، بل كان الشعر ولفترات زمنية طويلة هو المتنفس الوحيد لمشاعره وأحاسيسه وجميع العواطف والانفعالات والتطلعات، بل منبعاً ومعززاً للقيم العربية الأصيلة المتوارثة، مثل وحدة الصف، ولم الشمل والاجتماع على قيادة حكيمة والعيش بسلام وحفظ الجوار وتحكيم العقل ورفض الجهل والفوضى، وتجريم الغدر والخيانة، والتعدي على حقوق الآخرين، فكان الأفوه الأودي ذلك الشاعر الجاهلي الحكيم أول من علق الجرس شعراً في أهمية وحدة الأمة، وقد رسم المسار الصحيح نحو تحقيقها في قصيدة خالدة منها:

وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ

وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ

فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ

وَساكِنٌ بَلَغوا الأَمرَ الَّذي كادوا

وَإِن تَجَمَّعَ أَقوامٌ ذَوو حَسَبٍ

اِصطادَ أَمرَهُمُ بِالرُشدِ مُصطادُ

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم

وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت

فَإِن تَوَلَّوا فَبِالأَشرارِ تَنقادُ

إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ

نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَاِزدادوا

ويضيف الحافي: الشاعر يرى أن الوطن هو الخيمة التي تنتصب شامخة ثابتة قوية بالأعمدة والأوتاد بما يمثل وحدة قبيلته (أمة الشاعر) تحت قيادة حكيمة راشدة تبحث عن مصلحة الجمع فتحفظ للفرد وجوده وأرضه بما يحقق النمو والازدهار، فالاجتماع ووحدة الصف والالتفاف حول القيادة هي الركيزة الأساسية في بناء الوطن وتحقيق الحياة الكريمة للمواطن، وقد أكد عليه الإمام تركي بن عبد الله صاحب السيف (الأجرب)، الذي جعله صديقاً له ومن خلاله وبه أسس وطناً ودولة، وهي الدولة السعودية الثانية، في قصيدته الشهيرة التي منها:

نزلتها غصبٍ بخيرٍ وشرا

وجمعت شملٍ بالقرايا وقاري

واجهدت في طلب العلا لين قرا

وطاب الكرا مع لابسات الخزاري

ومن غاص غبات البحر جاب درا

وحمد مصابيح السرا كل ساري

انا احمد اللي جابها ما تحرا

واذهب غبار الذل عني وطاري

واحصنت نجدٍ عقب ماهي تطرا

مصيونةٍ عن حر لفح المذاري

والشرع فيها قد مشى واستمرا

يقرا بنا درس الضحى كل قاري

وزال الهوى والغي عنها وفرا

ويقضي بنا القاضي بليا مصاري

ولا سلت عن من قال لي لا تزرا

حطيت الاجرب لي خويٍ مباري

نعم الصديق ليا سطا هم جرا

يودع مناعير النشاما حباري

قصيدة الإمام تركي بن عبد الله مؤسس الدولة الثانية إلى ابن عمه مشاري بن سعود في مصر وفيها تاريخ لكفاح أئمة آل سعود وذكر للسيف الأجرب.

وزاد الشاعر والناقد والراصد للشعر بالقول: جمع الشمل بعد تفرق وتوحيد أجزاء الوطن وبسط الأمن كان الهاجس الأكبر والهدف العظيم لدى أئمة الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، وشاركهم التطلع له شعب الجزيرة العربية بعد أن كانت الوحدة الوطنية مطلباً عزيز المنال لمدة تصل ألف سنة عاشت فيها الجزيرة العربية حالة من الصراع المستمر والتشتت وفقدان الأمن مما خلق بيئة لا تصلح للعيش الكريم حتى في أدنى مستوياته، بل كانت طاردة فتتابعت منها الهجرات للخارج.

وأضاف: ومنذ أن أشرق عهد الدولة السعودية الأولى قبل ثلاثة قرون مع الإمام محمد بن سعود وجد أهل الجزيرة العربية في حكامها من آل سعود ما افتقدوه منذ قرون فالتفوا حولهم وعاشوا حياة الاستقرار والسلام والأمن، وعرفوا قيمة الوحدة الوطنية وأثرها في الازدهار والنمو الاقتصادي والمعرفي والتقدم الحضاري، فكان حكامها هم العز والسعد للوطن الذي اقترن بهم وليس أصدق من هذه العرضة الاحتفالية للشاعر عبد الرحمن الحوطي صبيحة استرداد الرياض على يد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - لتنطلق منها مواكب الوحدة والبناء:

دار يا اللي سعدها تو ما جاها

طير حوران شاقتني مضاريبه

صيدته يوم صف الريش ما أخطاها

يوم شرف على عالي مراقيبه

جا الحباري عقابٍ نثر دماها

في الثنادي على الهامه مضاريبه

عشقه للسعود من الله أنشاها

حرمت غيرهم تقول مالي به

عقب ماهي عجوز جدد صباها

زينها اللي مضى قامت تماري به

فالشاعر يصور الوطن على هيئة فتاة تعيش في كرب عظيم، فأتى الفرج على يد الملك عبد العزيز الذي أعاد لها هيبتها بعد أن كانت ذليلة، وكأنه سمع صوت ندائها فسبق الرسل في تلبية النداء فكان كطائر العقاب الذي لا يخطئ فرائسه عندما يهاجمها، بل إن الشاعر ابن مرداس يرى وجود الملك عبد العزيز هو رحمة من الله بهذه الأمة:

خلقك ربي رحمة في عباده

يا سور نجد الله يخليك للناس

على القناصل والدول لك جلاده

وعلى الصديق أحلا من القند بالكاس

أمام ما مثلك ظهر بالركاده

عفيف ومحروس عن دروب الادناس

ولفت الحافي إلى أنه ومن زاوية أخرى يصور الشاعر عبد العزيز الهذيلي توافد أهل البادية والحاضرة على الملك عبد العزيز والاحتفاء بتوحيد الوطن:

يا الامام اللي على الدين والدنيا ظهر

وفقه رب المخاليق بالحظ الجميل

جت تخاضع له جميع البوادي والحضر

يطلبون ولايته من وراء البحر الطويل

من دخل بحماه شاف المعزه والسفر

واهتنا بالعز وارتاح في ضلٍ ضليل

وأشار الباحث إلى أن المنجزات التي حققها الملك عبد العزيز (أبو تركي) والتضحيات في سبيل وحدة الوطن قد أثمرت ووصلت أخبارها إلى الشاعر مبارك العقيلي، حيث يعيش في دبي، فقال محتفياً بما تحقق من الأمن والاستقرار:

وأسبل عليها ضافي الأمن وبلج

أغر من العليا تعلى سنامها

بهيبة أبو تركي وسيفه تسورت

وبأسه غناها عن عوالي أطامها

ولاها بأمر الله وبالعدل ساسها

فلا الشاة تخشى الذيب يدني حمامها

ولا الحق مكسور ولا الجور منتصر

ولا عصبة الفجار يسمع كلامها

فبالله ثم عبدالعزيز تحصنت

فلا تهاب من دهم الدواهي دهامها

وشدد الشاعر سعد الحافي على أهمية أن تعي الأجيال تاريخ الأجداد، وأن تحافظ على مكتسبات الكيان العظيم التي تحققت وقال: نستذكر هذه النصوص الشعرية لنؤكد على الأجيال أن تحافظ على هذا المنجز العظيم والمكتسبات الوطنية التي حققها الأجداد مع موحد الوطن وتتمسك بعرى الوحدة وتلتف حول قيادتنا الرشيدة، حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان وأيدهما بالنصر والتمكين وأدام على هذا الوطن الطاهر أمنه واستقراره.


حكاية العملة السعودية من «جنيه الملك عبد العزيز» إلى «كوبونات أرامكو»


نموذج من عملة «أرامكو» الورقية التي تسمى «كوبونات» (الشرق الأوسط)
نموذج من عملة «أرامكو» الورقية التي تسمى «كوبونات» (الشرق الأوسط)
TT

حكاية العملة السعودية من «جنيه الملك عبد العزيز» إلى «كوبونات أرامكو»


نموذج من عملة «أرامكو» الورقية التي تسمى «كوبونات» (الشرق الأوسط)
نموذج من عملة «أرامكو» الورقية التي تسمى «كوبونات» (الشرق الأوسط)

أمر الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن (طيب الله ثراه) سنة 1370 هـ (1950 - 1951 م) بسك الجنيه السعودي ليسجل رحلة البداية للعملة الوطنية. وكانت لإصدار الجنيه السعودي ظروف وأسباب تعود إلى بدايات «أرامكو» وظروف الحرب العالمية الثانية، ثم تلا ذلك «كوبونات أرامكو» لتكون معها بداية التعاملات الورقية في السعودية.

في تلك الأيام كان الراتب الشهري للموظف يزن 10 أرطال (4.5 كيلوغرام) من العملات النقدية، قبل أن تصدر الشركة سنة1351هـ، ما يشبه العملات الورقية، وسميت في ذلك الوقت «كوبونات أرامكو».

بدأت القصة عندما اشترطت حكومة المملكة العربية السعودية، في اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط في رمالها عام 1352هـ -1933م، المبرمة مع الشركة الأميركية «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)»، أن تسدد لها حصتها من ريع الزيت (النفط) بالعملات الذهبية فقط، أساساً للدفع، وما شابه من عملات ذهبية، أميركية أو فرنسية.

ولكن في أربعينات القرن العشرين الميلادي، وبسبب الحرب العالمية الثانية، حدث شح في العملة الإنجليزية (الجنيه الإنجليزي الذي له عديد من الأسماء مثل جنيه جورج وأبو خيال...)، مما اضطر شركة «أرامكو» بين عامي 1365 و1366 هـ، لسك عملات في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية، وكانت مماثلة في العيار والجودة للجنيه الإنجليزي؛ لسداد قيمة النفط للدولة السعودية، وسميت هذه المسكوكات «دولارات أرامكو».

ويقول خبير العملات السعودية محمد عامر الحربي لـ«الشرق الأوسط»: «كانت دولارات أرامكو من فئتي دولار واحد وأربعة دولارات، ولم تطرح هذه العملة للتداول، بل تم صهرها لاحقاً، وسُك منها الجنيه السعودي الذي أمر بإصداره الملك عبد العزيز سنة 1370هـ».

وبيّن الحربي أن أجرة شهر لعامل نموذجي في «أرامكو» «كانت تزن نحو 10 أرطال من الفضة، وكان على الشركة أن تنقل وتخزّن وتحرس وتعد، 60 طناً من الفضة شهرياً لدفع رواتب موظفي الشركة، ويتم ذلك بأسطول من الشاحنات، وعدد كبير من العمال لشحن وتفريغ الشاحنات من أكياس النقود، ويضاف إليهم عدد كبير من العدادين والفارزين».

كان هذا الوضع في المملكة قبل العملات الورقية، فكانت البدايات أن أصدرت شركة «أرامكو» سنة 1351هـ ما يشبه العملات الورقية، تُسمى «كوبونات أرامكو» من فئات عدة، واستُخدمت عملةً ورقيةً، لسنوات عدة. وبحسب خبير العملات السعودية، تحولت الكوبونات إلى العملة الورقية التي أصدرتها الدولة في عهد الملك عبد العزيز سنة 1372، التي تسمي «إيصالات الحجاج»، التي كان الغرض منها التخفيف على الحجاج، ولكنها انتشرت في المملكة واستُخدمت بوصفها عملات.


الأمن الغذائي... هاجس الملك عبد العزيز قبل التأسيس وبعده


مجموعة من المزارعين السعوديين يحملون منتوجات إحدى المزارع عام 1950م (دارة الملك عبد العزيز مجموعة جامعة جورج واشنطن)
مجموعة من المزارعين السعوديين يحملون منتوجات إحدى المزارع عام 1950م (دارة الملك عبد العزيز مجموعة جامعة جورج واشنطن)
TT

الأمن الغذائي... هاجس الملك عبد العزيز قبل التأسيس وبعده


مجموعة من المزارعين السعوديين يحملون منتوجات إحدى المزارع عام 1950م (دارة الملك عبد العزيز مجموعة جامعة جورج واشنطن)
مجموعة من المزارعين السعوديين يحملون منتوجات إحدى المزارع عام 1950م (دارة الملك عبد العزيز مجموعة جامعة جورج واشنطن)

كان تحقيق الأمن الغذائي هاجس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن (طيب الله ثراه) منذ رحلته لإعادة ملك الآباء والاجداد؛ فالملك المؤسس وضع، عندما وحَّد وأسَّس الكيان الكبير (المملكة العربية السعودية)، الأمن الغذائي ضمن أولوياته إلى جانب نشر الأمن، وإقرار التنظيمات الإدارية للدولة الناشئة، ونشر التعليم، وتحقيق منظومة صحية عاجلة لمعالجة ومكافحة الأوبئة والأمراض المعدية التي حصدت الأرواح.

الباحثة والمؤرخة والمهتمة بتاريخ الملك عبد العزيز، دلال بنت زيد آل معدي، رصدت لـ«الشرق الأوسط» الجهود التي بذلها الملك عبد العزيز لتحقيق الأمن الغذائي للسكان، من خلال مشاريع لافتة ومنتجة كانت لها أهداف تعدَّت المجال الزراعي إلى أهداف تنموية واجتماعية وسياسية وأمنية داخلية وخارجية.

توطين البادية إصلاح اجتماعي بغطاء زراعيبدايةً، تؤكد آل معدي أن الملك عبد العزيز أدرك في بداية حياته ومعاصرته لنهاية الدولة السعودية الثانية، وما سمعه من والده وأجداده عن الدولة السعودية الأولى، أهمية الإصلاح الاجتماعي؛ فرأى من منطلق حكمته القبائل الرحَّل الذين يطغى على طابع حياتهم عدم الاستقرار في أماكنهم، وكذلك كانت أمزجتهم مرهونة بإعطائهم الغنائم.

من أجل ذلك، اتخذ الملك عبد العزيز قراراً بتوطين البادية، عبر إنشاء أماكن أُطلق عليها «الهِجَر»، التي بُنيَت من اللبن والطين، بدلاً من الشعر والوبر. وحاول الملك عبد العزيز التصدي لأي خطوة تدعو إلى التكاسل أو زعزعة بوادر إنشاء مشروع التوطين، حينما بادر إلى إنشاء مدرسة زُودت بعدد من الفقهاء، وأمدَّهم بالأموال، ووزع بذور الشعير والحنطة على الأهالي.

وقد تعجب الكاتب الفرنسي بنوا ميشان (J.Benoist Mechin) من هذا الأمر، قائلاً: «أوليسَ من الغرابة تأسيس قوة وأمن بلد ما على الزراعة، في حين أن البلد صحراوي في معظم مساحته؛ ليس من نهر يرويه، ولا يتلقى سوى 7 سنتيمترات من المطر في العام؟!».

وأضافت آل معدي: «تتابعت جهود الملك عبد العزيز بعد إنشاء الهجر، فركز عنايته في خدمة المزارعين، وإصلاح أحوالهم؛ ففي تاريخ 4/ 4/ 1347هـ (20/ 9/ 1928م) صدرت الموافقة الملكية على إنشاء هيئة زراعية بالمدينة المنورة لكي تكون مرجعاً للمزارعين، وتلبية احتياجاتهم، وتسوية الخلافات التي قد تحدث بينهم.

وقد تألفت من الشيخ عباس قمقمجي رئيساً، والشيخ صالح شقلبها عضواً، وغيرهما، وقد أُعيد تشكيل الهيئة مرة أخرى في سنة 1350هـ/ 1931م وزاد عدد أعضائها فأصبحت تتألف من رئيس يسمى مدير الزراعة، وأربعة أعضاء فخريين من كبار المزارعين يرتبطون بأمير المدينة المنورة آنذاك، الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود.

رعاية مبكرة لشؤون الزراعة

وتابعت الباحثة بالقول: «ثم تولَّت وزارة المالية في سنة 1351هـ/ 1932م، برئاسة وزيرها عبد الله السليمان، رعاية شؤون الزراعة، بإشرافها على المهام المتعلقة بإنشاء المزارع النموذجية، إلى جانب قيامها باستيراد المكائن والمعدات الزراعية، وبيعها للمزارعين بالتقسيط على سنوات متتالية. وكانت تلك الخطوة دافعاً إيجابياً لتشجيع الحركة الزراعية في البلاد.

وفي سنة 1358هـ / 1939م، ناقش مجلس الوكلاء ضرورة تأسيس إدارة زراعية تكون تحت مظلة وزارة المالية تعمل على تسديد ديون المزارعين، وإصلاح أحوالهم، إلا أنه تم رفض المقترح بعد مداولات عدة، «حيث إن الوقت الحالي لا يساعد على تطبيق مثل هذا المشروع».

وتماشياً مع الجهود الملكية، وافقت الحكومة على طلب وزارة المالية المتمثل في تسجيل الأملاك الزراعية لكل قبيلة، حيث يتم تعيين هيئة في كل جهة يوكل إليها أمر مزارعها. وتتألف هذه الهيئة من عضو من الإمارة، وعضو من البلدية أو المجلس البلدي أو من المجلس الإداري في الجهات التي لا بلدية فيها، وعضو من المالية، وعضو من الشرطة، وعضو من المحكمة، حتى إذا انتهت كل لجنة من عملها قدمت بيانات وافية عن اسم الأرض إذا كان لها اسم والحدود، والموقع، واسم المالك، وتاريخ حجة استحكام الملك إذا كانت لها حجة، وأنواع المزروعات التي بها، وصرف ما يستدعي ذلك من نفقات.

وتتابع إنشاء الهيئات الزراعية التي تخدم المزارعين؛ ففي سنة 1361هـ/ 1942م، شكلت هيئة لتقسيم مساعدات الملك المتمثلة في أكياس القمح، والمبالغ المالية الشاملة 30 ريالاً مع كل كيس قمح.

وفي سنة 1367هـ/ 1948م صدرت أوامر الملك عبد العزيز بإنشاء مديرية الزراعة كأول جهاز يشرف على تطوير الزراعة، وأول مَن تولى إدارتها محمد صالح قزاز، تحت إشراف وزير المالية عبد الله السليمان.

شركات زراعية أهلية بدعم حكومي

وواصلت آل معدي حديثها قائلة: «كما أسهم أفراد الشعب السعودي مساهمة فعالة في تكوين شركات زراعية حظيت بدعم كبير من الحكومة السعودية، من أبرزها الشركة الزراعية الخيرية بمدينة الطائف التي تأسست سنة 1348هـ/ 1929م. وتشجيعاً للمزارعين في الطائف، بادر الأمير فيصل، نائب الملك، بجلب ماكينات رافعة للمياه، ووضعها على بئر شبرا.

وكان الأمير فيصل يسعى من خلال ذلك العمل إلى تشجيع الأهالي بمجرد رؤية تلك البئر، وبالتالي تصبح رغبة الأهالي في محاكاة ذلك العمل. وقد أسهمت تلك الماكينات الزراعية في تنشيط الزراعة بين الأهالي، حتى إن مزارعي وادي فاطمة كوَّنوا شركة زراعية جلبت كثيراً من الماكينات الزراعية.

نموذج لتأسيس الشركات الزراعية في عهد مملكة الحجاز ونجد وهي الشركة الخيرية الزراعية في الطائف

واستمراراً لتأسيس الشركات الزراعية ودعماً من الجانب الحكومي، تأسست شركة «الوجه»، وهي شركة مساهمة زراعية لإحياء الأراضي الزراعية وحفر الآبار بها. وقد تأسست بناءً على طلب أهالي الوجه بقرار من مجلس الشورى رقم 510 وتاريخ: 5/ 8/ 1350هـ، 16/ 12/ 1931م.

ووافقت الحكومة السعودية سنة 1352هـ/ 1933م، على طلب الشيخ محمد سرور الصبان لتأليف شركة زراعية تهدف إلى توحيد صادرات الحجاز، والعمل على تصريفها ونهضتها. وقد كان عدد أسهمها في البداية ألف سهم، يبلغ ثمن كل سهم منها خمسة جنيهات، وفي سنة 1355هـ/ 1936م، تألفت في المدينة المنورة شركة أهلية، الغرض منها البدء بالقيام بحفر الآبار الارتوازية، وتوفير الآلات والأدوات الحديثة تدريجياً، وقد وضعت هذه الشركة نظاماً خاصاً وافقت عليه الحكومة، ويقع في 26 مادة، ومجموع أسهم الشركة ألف وخمسمائة سهم، وقيمة كل سهم ريالان عربيان يُدفعان مقدماً.

ونتيجة لنجاح الشركات الزراعية تأسست في المملكة أيضاً شركة أخرى، مثل شركة «البكيرية» سنة 1368هـ/ 1948م، التي ترأَّسها عبد الله بن محمد بن سويلم، وعملت على استثمار الأراضي الزراعية الواسعة، وقد سارعت تلك الشركة بخطواتٍ نحو الازدهار، حينما حازت على ثناء وزير المالية، عبد الله السليمان؛ فكان من أهم إنجازاتها أن استوردت أكثر من 30 ماكينة لاستخراج المياه من الآبار، وقد تم تركيبها على آبار البدائع والبكيرية.

مشروع الخرج الزراعي عالمي

ويُعدّ مشروع الخرج الزراعي حدثاً كبيراً في السعودية بهدف تأمين المنتجات الزراعية وفتح الأبواب لقيام مشاريع تنموية في البلاد الناشئة. وعن ذلك تشير الباحثة آل معدي إلى أن الملك عبد العزيز بدأ فكرة إنشاء المشروع الزراعي بالخرج بخطواتٍ تنفيذية للاعتماد على منتجاته، وليقلل الاستيراد من الخارج.

وفي ذلك يقول أحمد عبد الغفور عطار: «الخرج فكرة الملك عبد العزيز أبداها لابن سليمان، وأقامه عليها لتحقيقها، فتسلمها ابن سليمان مختومة بختم الملك، وفضها، ودرس الفكرة درساً جيداً، ثم عمل على تحقيقها مهتدياً بتعاليم متبعة... فالملك مِن ثقته في ابن سليمان جعله القائم على تنفيذ فكرة زراعة الخرج، وذلك في سنة 1354هـ/ 1936م؛ فاجتهد يطلب الآلات الفنية والبذور والسيارات والمزارعين من البلدان، وقد بدأت أولى التجارب بالزراعة في سنة 1358هـ/ 1939م، حين تم تركيب أول مضختين صغيرتين مجموع قوتهما 30 حصاناً على عين الضلع».

شهادة مراقب مزرعة خفش دغرة بالخرج بكفاءة الخبير والمترجم السعودي عبد الرحمن بن قاسم مؤرخة عام 1950م

وحول أثر مشروع الخرج الزراعي في المملكة العربية السعودية بوجهٍ عام، حددت الباحثة آل معدي ذلك في فتح الأبواب لقيام مشروعات تنموية في المملكة، كما أثبت ذلك قول وزير الزراعة ومدير المشروع الزراعي كينيث إدواردز (Kenneth ewards)، حين تحدث في واشنطن عن الإنجازات التي تمت في المشروع. كما حظي بكثير من الآراء والخطط المعدَّة لمشروعات تسير على النسق ذاته في أنحاء مختلفة من المملكة.

كما أسهم مشروع الخرج الزراعي في إيجاد كفاءات تجمع بين الإدارة والزراعة، مثل حمد السليمان ابن أخي وزير المالية الذي استقبل الملك عبد العزيز حين سافر عمه الوزير عبد الله السليمان إلى الأحساء، وإكرام الوفود طيلة الأيام التي قضتها بالخرج. كما حقق المشروع مضاعفة الإنتاج الزراعي قياساً على ما تم استيراده، فقد أسهم ذلك في التوسع بزراعة المحصولات الزراعية التي كان لها أكبر الأثر في تموين المناطق المجاورة عن طريق سيارات النقل الكبيرة التي تحمل الأطنان إلى أي جهة مرغوبة.

كما أن المشروع ولّد حرصاً على اقتفاء فكرة المشروع، كمشروع خفس دغرة، الواقع جنوب غربي الخرج وبمساحة لا تتجاوز 700 هكتار، وأيضاً مشروع الهفوف الزراعي الذي أُقيم سنة 1369هـ/ 1949م، ونجحت فيه التجارب المتعددة، مثل وفرة محصول التمور لاستخدام الأسمدة التجارية، وتجربة الحراثات لحراثة أراضي المزارعين المحليين القديمة والحديثة، والعمل على إنشاء معهد زراعي في الهفوف.

ورأت الباحثة أن المشروع أدى دوراً كبيراً في تنمية العلاقات بين الحكومتين السعودية والأميركية، حيث أصبح المشروع الزراعي مثالاً للتعاون بين البلدين، إذ شكلَ المشروع أهمية سياسية. كما أنه أسهم في استتباب الأمن والرخاء، حيث زود سكان المملكة بالغذاء، كما ساهم المشروع في تدريب مختلف العمال في سبيل الانطلاقة التنموية الحديثة بالمملكة، فقد بلغ الإنتاج الزراعي والحيواني سنة 1370هـ/ 1950م، الحد الذي زادت قيمته عن تكاليف العمل، كما صرح بذلك كينيث إدواردز Kenneth ewards، مؤكداً أن موظفي الخرج بدأوا في تدريب السعوديين على استخدام الآلات الجديدة تمهيداً للاستغناء عن المساعدة الأجنبية في الوقت المناسب.

كما حقق مشروع الخرج الزراعي توفير فرص العمل من خلال التدريب على تصليح المضخات ومحركاتها بواسطة إنشاء وكالة تابعة لشركة «بارنز» الصناعية Barnes Manufacturing التي أُسست نتيجة للإقبال المتزايد عليها، فقد أسهمت بتركيب 65 مضخة، وتقديم التوجيهات لمستخدميها، وقد حازت على رضا الحكومة السعودية لجودتها، مما دفعها إلى طلب 750 مضخة أخرى.

وشددت الباحثة على أن مشروع الخرج الزراعي أسهم في افتتاح سكة الحديد بالرياض بتاريخ 19/ 1/ 1372هـ، مما شجع بعد ذلك الملك سعود على إصدار أوامره بضرورة الإسراع في إنجاز مشروع السكة الحديد التي تربط بين الرياض والدمام والمدينة المنورة وجدة ومكة، على أمل أن يعمل على إنعاش الطرق الصحراوية وقيام النهضة الزراعية الحديثة في القرى المحاذية.

مزارع نموذجية ومصانع لمنتجاتها

وذكرت آل معدي أن المشروع الزراعي عمل على إنشاء المزارع كمزرعة وزير المالية في حداء بين مكة وجدة التي تميزت بإنتاج مختلف الخضراوات، كالطماطم التي تُشحن لمصنع عصير الطماطم في الشرائع، وجزء منها يُشحن للسوق في مكة المكرمة وجدة، وبعضها كان يُوزَّع للجالية الأجنبية في جدة، كما كان يُؤخذ منها الباميا والقرنبيط والباذنجان، وتُباع في السوق. كما امتازت المزرعة بإنتاج كميات وفيرة من البرسيم الذي كان يُخصص منه علفٌ للحيوانات، حتى إن أعداد الماعز بالمزرعة تزايدت، مما كان سبباً في إرسال بعضها إلى مكة المكرمة لبيعها.

أما الأبقار الحلوب والعجول الوليدة فقد أفيد منها في اللحوم والجبن، كتلك التي شُحِنت إلى مكة المكرمة، البالغة 4803 عبوات من الصفيح، سعة كل منها 5 غالونات، وقد بلغ عدد العاملين بالمزرعة 75 شخصاً، حتى إن المديرية استوردت جراراً بكامل ملحقاته لاستعماله في عدد من الأعمال الزراعية، وقد سارع وزير المالية إلى استخدامه في مزرعته.

وأيضاً مزرعة الشرائع بمكة المكرمة، التي أسهم حمد السليمان في أن تكون مزرعة نموذجية من خلال تخطيطها مبدئياً تخطيطاً فنياً يتوزع الماء من خلاله على جميع الأرض توزيعاً ملائماً، وتنظيف الأرض مما علق فيها من الحصى والحجارة والعظام، وحرثها وإحضار الفلاحين والوافدين الملمين بأساليب الزراعة، وتزويدها بالبذور والغراس والفسائل والمحاريث والآلات الزراعية الحديثة مثل رافعات المياه، وقد جرى تنفيذ العمل تحت إشرافه، مما عمل على أن تصبح خلال سنوات مزرعة نموذجية تمد البلاد بالتمور والقمح والخضراوات والفواكه.


«داكوتا» أول طائرة حلَّق بها الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز يعد نزوله من الداكوتا في إحدى رحلاته الجوية  (متحف صقر الجزيرة)
الملك عبد العزيز يعد نزوله من الداكوتا في إحدى رحلاته الجوية (متحف صقر الجزيرة)
TT

«داكوتا» أول طائرة حلَّق بها الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز يعد نزوله من الداكوتا في إحدى رحلاته الجوية  (متحف صقر الجزيرة)
الملك عبد العزيز يعد نزوله من الداكوتا في إحدى رحلاته الجوية (متحف صقر الجزيرة)

بعد أن ترجّل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (طيّب الله ثراه)، عن صهوة جواده «عبية» معلناً توحيد المملكة ورسم خريطتها الجغرافية بين العالم، امتطى هامات السحب على متن طائرته «داكوتا DC - 3» ليوصل المملكة بالعالم ويرسم من خلالها خريطة الدولة السياسية.

حكاية «داكوتا DC - 3»، بدأت عندما قرر الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، إهداء الملك عبد العزيز آل سعود هدية، وطلب من مستشاريه في البيت الأبيض أن يقترحوا عليه نوع الهدية التي سيهديها لـ«ملك سعودي موجود في منطقة صحراوية»، فقال له أحد مستشاريه، وهو الدكتور سنايدر، إن أفضل هدية لهذا الملك هي طائرة.

يوضح مدير عام التواصل والشؤون الإعلامية في الخطوط الجوية العربية السعودية المهندس عبد الله الشهراني، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الفكرة رُفضت في المرحلة الأولى لأنها كانت ذات ميزانية كبيرة تتجاوز الميزانية المرصودة للهدية، لكن عندما طُلب وضع مقترح آخر، رجع الدكتور سنايدر وأصر على الفكرة لسبب قال فيه إن هذه الهدية ستمكّن الملك السعودي العربي من أن يربط أجزاء وطنه... فالوطن الذي يحكمه دولة مترامية الأطراف، لا توجد فيها طرق معبَّدة ولا سكك حديدية، وستسهم هذه الطائرة في ربط أرجاء وطنه.

بداية النقل الجوي

في يوم 14 فبراير (شباط) من عام 1945، هبطت طائرة «داكوتا» التي أهداها الرئيس روزفلت للملك عبد العزيز، في المهبط الترابي بالمنطقة المعروفة الآن بوزارة الخارجية الواقعة في منطقة البلد بمدينة جدة، وتسلمها الأمير منصور بن عبد العزيز من قائدها الأميركي، وكانت له كلمة، نيابةً عن جلالة الملك عبد العزيز، وللحكومة الأميركية أيضاً كلمة بالنيابة.

الداكوتا سجلت بداية إنطلاق الطيران المدني في السعودية (متحف صقر الجزيرة)

وشهد يوم 30 سبتمبر (أيلول) من عام 1945، أول رحلة للملك عبد العزيز آل سعود، انطلق فيها عبر «داكوتا» من مدينة عفيف القريبة من الرياض، متجهاً إلى الحوية في مدينة الطائف، قادها الكابتن الأميركي جوي غراند وكان معه مساعده الكابتن السعودي حمزة طرابزوني. ومن أهم مميزات هذه الطائرة أنها تهبط في أي منطقة ترابية ممهدة. وحسب الشهراني، مكَّنت هذه الميزة قطاع الطيران أن يربط أرجاء المملكة ومناطقها الإدارية بسهولة، مؤكداً أن هذه الطائرة كان لها وقعها في عالم الطيران، خصوصاً في المملكة، وعُدّت النواة لمفهوم الطيران المدني في السعودية.

في تلك الرحلة أيقن الملك عبد العزيز، بعدما شعر بسرعة الوصول والربط وسهولة الإقلاع والهبوط، أن هذه هي الوسيلة المناسبة لربط أرجاء الوطن، فقرر عند نزوله من رحلة عفيف إلى الحوية شراء طائرتين إضافيتين. وسجلت هذه الرحلة بداية انطلاق الطيران المدني لربط أرجاء الوطن، وتمكين رؤية الملك عبد العزيز الأولى، وهي توطين الهجرة.

مواصفات «داكوتا»

صنعت الطائرة «داكوتا DC - 3»، شركة «دوغلاس إيركرافت» لأول مرة عام 1935، وهي عبارة عن طائرة أحادية السطح ذات محركين، منخفضة الجناحين من صناعة شركة «براد ويتني»، تتسع لـ28 راكباً أي ما يعادل ستة آلاف رطل (2725 كجم). طول الطيارة نحو 20 متراً وعرضها مع جناحيها 30 متراً، وتطير بسرعة 370 كيلومتراً في الساعة.

طائرة الداكوتا في متحف صقر الجزيرة (متحف صقر الجزيرة)

بيّن الشهراني أن اختيار مدارج الإقلاع والهبوط في المملكة العربية السعودية كانت له قصة ثرية مع الكابتن عبد السلام سرحان الذي طُلبت منه هذه المهمة. ولإتمامها كان يأخذ حماره ويتنقل حول المملكة ويتجول ويسافر ليختار المواقع المناسبة لهبوط الطائرات. ويقول: «ذكرت موضوع الحمار لأن له دلالة مهمة، حيث اُختيرت المطارات بوسيلة بدائية جداً».

وأوضح الشهراني أن الرعيل الأول وضع لنا لمسات أُثبتت لاحقاً، وطبقاً لاتفاقية شيكاغو التي وضعت القواعد ومواصفات المطارات، صنع عبد السلام سرحان (رحمه الله) معروفاً كبيراً لهذا الوطن، فكل مكان اختاره كان صحيحاً، وكانت حسب المواصفات التي وُضعت لاحقاً من جهات عالمية.

بدأ الطيران إلى الخارج في أول رحلة إلى مدينة اللدّ في فلسطين، بأمر من الملك عبد العزيز لإيصال حجاج فلسطينيين إلى المشاعر المقدسة. وحسب الشهراني، كان عدد مدارج الإقلاع والهبوط في فترتي الخمسينات والستينات الميلادية أكثر من الفترة الحالية، مرجعاً ذلك إلى ربط الهجر، وقال: «أذكر قصة حقيقية تسهّل مفهوم لماذا كان يوجد لدينا مطارات كثيرة. في تلك الفترة كانت توجد مجموعة من الطيارين السعوديين كانت مهمتهم فقط النزول في بعض القرى لأخذ سيدات يحتجن إلى ولادة قيصرية في الرياض أو جدة، فكانوا يهبطون في مطارات أو مدارج كثيرة مثل السليل والوديعة والمجمعة وعفيف. أما الآن مع تطور الطيران، أصبح عدد المطارات الرسمية في المملكة 28 مطاراً إلى جانب وجود مهابط كثيرة تابعة لـ(أرامكو) وشركات».

رؤية طموحة

وضع الملك عبد العزيز أساس النقل الجوي في المملكة ورأى فيه الوسيلة المهمة لتمكين أهدافه، وأحدث الملك سعود النقلة الكبيرة في عهده، ثم توالت النقلات من عهد الملك فيصل حتى الآن. ومنذ بدايات الدولة السعودية، ينعم قطاع الطيران بدعم سخيّ ورؤية سابقة لأوانها في أن تكون المملكة متصلة بالعالم. وهذا ما يؤكد سبب امتلاك المملكة العربية السعودية طائرات لم تمتلكها دول عظمى. فالسعودية كانت أول مشغّل في الشرق الأوسط لطائرات «707» وطائرات «747» الجامبو وطائرات «L1011 التراي ستار». فالهدف من شراء هذه الطائرات تجاوز المرحلة الأولى التي كانت لربط أرجاء الوطن لتصل إلى هدف التواصل مع العالم.

الملك عبد العزيز كانت لديه رؤية سريعة جداً تنطبق في مفهوم الانتقال من الجمل إلى الطائرة. ويقول الشهراني: «لدينا طيارون على قيد الحياة كانوا في أحد الأيام يرعون الجمال، ولكن فعلياً لا يعرفون حتى اليوم قيادة السيارات. فهم انتقلوا مباشرةً من الجمل إلى الطائرة»، مشيراً إلى أن رؤية الأمير محمد بن سلمان قريبة جداً من رؤية الملك عبد العزيز فيما يخص أيضاً قطاع الطيران. فالسعودية بعد أن كانت تمتلك طائرة واحدة عام 1945 أصبحت تمتلك الآن 177 طائرة في مجموعة «الخطوط السعودية»، وستصل في عام 2030 إلى امتلاك 241 طائرة.