«في انتظار بابا»... معالجة غنائية مصرية لملحمة «الإلياذة»

المسرحية اعتمدت على الاستعراضات بشكل أساسي

مشهد من العرض (الشرق الأوسط)
مشهد من العرض (الشرق الأوسط)
TT

«في انتظار بابا»... معالجة غنائية مصرية لملحمة «الإلياذة»

مشهد من العرض (الشرق الأوسط)
مشهد من العرض (الشرق الأوسط)

لا شيء أكثر قسوة من غياب الأب عن بيته لفترات طويلة مهما كان السبب، وبصرف النظر عن تعدد المبررات. يستوي في ذلك من يبرر غيابه برغبته في تلبية نداء الواجب، أو من يبحث عن المجد، وبين من يؤكد أنه يفعل ذلك على طريقة «مجبر أخاك لا بطل»، ففي كل الحالات ثمة زوجة تعاني من الوحدة يعصف بها الشوق، وتحاصرها أشباح الخوف وفقدان الإحساس بالأمان، فضلاً عن أبناء يفتقدون وجود القدوة والمثل والشعور الطاغي بالحماية.
تشكل تلك الفكرة الجوهر الأساسي الذي تقوم عليه الحبكة في مسرحية «في انتظار بابا»، التي تعرض حالياً على خشبة المسرح القومي العريق الذي تأسس عام 1870 بالقاهرة.
العمل مأخوذ عن الملحمة الإغريقية الشهيرة «الإلياذة» التي تنسب للشاعر هوميروس، وقد جُمعت أبياتها ودُونت عام 700 قبل الميلاد، أي بعد رحيل هوميروس نفسه بنحو مائة عام.
وتروى الإلياذة قصة حصار اليونانيين لمدينة طراودة التي كانت تستعصي على الغزو فيما سبق. ولكن ما علاقة كل ذلك بمسرحيتنا؟ تشتغل المسرحية على خيط آخر في الملحمة الأشهر يتعلق بـ«أودسيوس»، المحارب القوي الذي ينضم لحملة حصار المدينة تاركاً زوجته «بينيلوبي» لمدة عشر سنوات هي مدة الحرب. يطمع كثيرون في الزوجة الجميلة التي أصبحت وحيدة، لا سيما بعد تناثر إشاعات حول وفاة زوجها. تلجأ «بينيلوبي» إلى الحيلة فلا تصد العشاق خوفاً على ابنها منهم، وتخبرهم أنها ستصبح جاهزة للعرس بعد اكتمال الغطاء الذي تخيطه لكفن زوجها من دون أن يعلم أحد أنها تخيط بالنهار، وعندما يأتي الليل تحل ما سبق وخاطته، فقط من أجل كسب الوقت. وأخيراً يعود زوجها متنكراً في صورة متسول فقير ضعيف وينتصر على المنافسين جميعاً، ويقتلهم بمساعدة ابنه الذي كبر وشب عن الطوق.
تعزف «في انتظار بابا» على نفس تيمة غياب الأب، لكن مع توسيع المعنى ليشمل غياب القدوة، فضلاً عن غياب رموز فن المسرح أنفسهم عنه، الخيط الدرامي الأساسي يتمثل هنا في غياب الأب عن زوجته الجميلة - تجسد شخصيتها الفنانة انتصار - لأسباب لا تبدو واضحة. يقرر رجل وسيم، معسول الكلام - يجسد دوره الفنان أحمد سلامة - الذي يسعى بشتى الطرق للاستيلاء على ثروة الزوجة وثروة ابنته - تجسد شخصيتها الفنانة سماح أنور.
في بداية العمل، تظهر الفنانة المصرية انتصار بإطلالتها الكوميدية المعتادة لتلقي عدداً من «الإفيهات»، في محاولة لانتزاع الضحك من الجمهور مثل «عيش كاركتر تعيش أكتر»، لكنها أيضاً تستعرض مهارتها في تقديم الغناء والاستعراضات عبر أغنية «الحلوة قامت تعجن في الفجرية» التي تعد من عيون التراث الذي قدمه «موسيقار الشعب» سيد درويش.
أما بطلة العمل النجمة سماح أنور، فتقدم هي الأخرى أغنية «ارجع بقى» على نحو بدا معه أنها لا تناشد فقط كل أب، بل كل رمز ومعنى جميل غاب عن حياتنا الاجتماعية. وتتوجه سماح أنور إلى الجمهور، مؤكدة فرحتها بالعودة إلى المسرح، ووقوفها على خشبة «القومي» الذي سبق أن وقف عليه «عظماء الفن المصري». وفي محاولة لكسر الإيهام، وتقديم ما يشبه «مسرحية داخل المسرحية»، تبدو سماح وكأنها ممثلة تطرح سؤالاً استنكارياً على المخرج، جسد شخصيته الفنان مفيد عاشور داخل المشهد، عن أسباب غياب القامات الكبرى عن خشبة المسرح، ولماذا يُعتمد على ممثلين أقل موهبة، مشيرة إلى انتصار باعتبارها تعد هنا على نحو غير مباشر، نموذجاً للدخلاء على الفن.
اختار المخرج الكبير سمير العصفوري، إطاراً غنائياً استعراضياً ليكون القالب الفني للعمل الذي تراجع فيه «الحدث»، ليفسح المجال للأداء التعبيري الراقص على وقع الألحان التي أجاد في تقديمها أحمد الناصر، لكن ألم تطغ تلك الاستعراضات على فكرة «الحكاية» في العمل؟ طرحنا السؤال على العصفوري فأجاب موضحاً أن العرض ينتمي لما يسمى بفن الصورة، ومن مكوناتها الأداء الحركي والتلاعب بالإضاءة وحيوية الديكور وبراعة الأزياء، وليس فن الحكايات التي كثيراً ما نراها تُقدم بشكل روتيني ممل.
ويضيف العصفوري في تصريح خاص إلى «الشرق الأوسط»، أن «الطابع البصري هو ما يميز المسرح كفضاء إبداعي، فلماذا يصر البعض على تحويل هذا الفن العريق إلى مجرد مسلسل تلفزيوني تتوالى فيه الحكايات على نحو ساذج وغير مقنع؟ في هذه المسرحية أعطينا الأولوية للصورة بعناصرها المختلفة وإمكاناتها الكبيرة».



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».