الأزمة المالية الملتهبة تعيد اللبنانيين إلى قراهم

هجرة عكسية نحو الأرياف... و«عندما تعود بيروت نعود»

TT
20

الأزمة المالية الملتهبة تعيد اللبنانيين إلى قراهم

لملمت اللبنانية وسام (45 سنة) وأخواتها الثلاث أغراضهن، وحزمن الأمتعة وتركن بيروت إلى غير رجعة، فكانت الوجهة «بيتنا الحقيقي» كما تصفه لـ«الشرق الأوسط»، «هو البيت الذي بناه أبي وأورثه لبناته ليضمن لهن سقفاً يحميهن من سوء الظروف... كان صاحب بعد نظر»، تشرح.
العزباء التي ولدت وكبرت في العاصمة حيث كانت تسكن مع عائلتها في بيت مستأجر، تحكي عن «مرارة» تجربة السنتين الأخيرتين على حد تعبيرها، وتقول: «أصبحت الحياة في بيروت تحتاج إلى مصرف متنقل، لدفع فواتير الاشتراك في مولد الكهرباء، وكلفة النقل العام، والحاجات اليومية، وإيجار البيت».
وبسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان، فقد صعبت القدرة على العيش في العاصمة وبات البعض غير قادر على تحمل التكاليف التي ترتفع بشكل هستيري مع ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تخطى مؤخراً الـ25000 ليرة لبنانية للدولار الواحد. فبات ما يعرف بـ«النزوح العكسي» إلى القرى والبلدات الريفية بمثابة طوق النجاة للحد من الأعباء المالية التي تفرضها الحياة في العاصمة.
وتحكي وسام أن صاحب البيت الذي تسكن فيه في شارع مار إلياس (بيروت) طلب زيادة على الإيجار مع بدء الأزمة منذ نحو العامين، فرفعه من الـ650 ألف ليرة لبنانية (433 دولاراً قبل الأزمة) إلى مليون ليرة في أواخر الـ2019.
وتقول: «كلما ارتفع سعر صرف الدولار نجده يطالبنا بإخلاء الشقة، فنرفع الإيجار أكثر، حتى وصلنا في يونيو (حزيران) الماضي إلى 4 ملايين ليرة لبنانية (160 دولاراً) بدل إيجار بيت! عندها كان القرار الحاسم بأن نترك بيروت إلى غير رجعة ونعود إلى بيتنا الذي بناه أبي وأورثنا إياه أنا وإخوتي البنات في جزين (جنوب لبنان)».
وتضيف «نحن أربع بنات لم نتزوج، وأنا أصغرهن. اثنتان من أخواتي تقاعدتا منذ ثلاث سنوات وأنا خسرت عملي في خضم الأزمة، وأصبحنا بحاجة ماسة إلى تقليص حجم المصاريف الأمر الذي يعد شبه مستحيل في العاصمة، أما في القرية فالبيت ملك لنا والمصاريف انخفضت إلى النصف».
وروني (30 عاماً) أيضاً، لم يتردد قبيل صيف الـ2021 الملتهب من النزوح عكسياً من العاصمة والعودة إلى قريته في دير المخلص مزمورة (الشوف)، بعدما «سئم من بيروت ورائحتها ومشاكلها»، على حد تعبيره.
ويخبر روني «الشرق الأوسط» بأنه قدم استقالته من قسم المشتريات في أحد مستشفيات بيروت، بعدما رفضت الإدارة زيادة راتبه، ويشرح أن راتبه الذي لا يتخطى 1.8 مليون ليرة لبنانية (نحو 70 دولاراً) ما عاد يكفي لدفع إيجار بيته في منطقة السيوفي - الأشرفية، «فكان لا بد من اتخاذ قرار حاسم: إلى القرية در»، يحكي.
وعلى أبواب الشتاء، يتيقن روني أكثر وأكثر بأن قرار نزوحه العكسي باتجاه قريته كان «عين الصواب»، بحسبه، ويقول: «هنا، لدينا 20 ساعة تغذية كهرباء، لا أحتاج حتى إلى الاشتراك في مولد كهرباء، وحتى إذا أرادت فالكلفة زهيدة جداً والدفع على العداد».
ويضيف «في الوقت الذي كان أهلنا في بيروت يعانون الأمرّين من ساعات التقنين الطويلة، كنت أنا بمعزل عن هذه الأزمة. واليوم في الوقت الذي يفكر فيه أهالي بيروت بتأمين وسائل تدفئة بديلة بسبب ارتفاع أسعار قوارير الغاز المنزلي وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة أيضاً أجد نفسي بمعزل عن هذه المشكلة».
ويزرع روني أرض أجداده، ويقول: «كان لديَّ اكتفاء ذاتي من الخضار والفاكهة والدواجن الموسم الماضي، وأسعى لأن أتمكن من بيع مزروعاتي العام المقبل»، أما عن مصاريفه فيؤكد أنها «انخفضت إلى أقل من النصف مقارنة بالحياة في العاصمة بيروت». ويضيف «ربما لن أبقى هنا إلى الأبد، قد أعود إلى بيروت عندما تسترجع روحها وحياتها وعندما تنبض من جديد، اليوم بيروت عبارة عن مكب كبير للنفايات ومحرقة مولدات وظلام ومصاريف تفوق قدرة المواطنين... عندما تعود هي، نعود نحن».
وبحسب دراسة أعدتها الشركة «الدولية للمعلومات» في شهر أغسطس (آب) الماضي، تشير الأرقام إلى أن عدد العائدين من العاصمة إلى القرى يتراوح ما بين 55 ألف فرد و77 ألف فرد، إلا أن الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأرقام اليوم ارتفعت عن تاريخ إصدار الدراسة.
ويشرح شمس الدين أن تلك الظاهرة «كان السبب الأساس فيها الأزمة الاقتصادية وما نتج عنها من بطالة وتراجع للخدمات العامة وارتفاع كلفة المعيشة في المدن مقارنة بالقرى والأرياف إضافة إلى ارتفاع كلفة الإيجارات».
ووفقاً للدراسة، فإنه قد يتوافر في القرى السكن العائلي أو سكن بكلفة أدنى منه في المدن. كما قد تتوفر فرص عمل في مجالات الصناعات البسيطة أو الزراعة أو البيع في محال صغيرة. وكذلك، الحصول على بعض المواد الغذائية بكلفة أدنى.
ويقول شمس الدين إن «الإيجارات في بيروت ارتفعت بين الأربعة والسبعة أضعاف»، ويشير إلى أن بعض المستأجرين أصبحوا يطلبون بدل الإيجار بالدولار وبعضهم يطلب بدلاً يتراوح بين الـ500 والـ700 دولار نقدي».
ويقول: «بشكل عام أصبح إيجار الشقة في بيروت يتراوح بين 4 و7 ملايين ليرة لبنانية (بين 160 و280 دولاراً) وفي بعض المناطق بنحو 2 مليون ليرة لبنانية (80 دولاراً)».



الجيش الأميركي يؤكد «تدمير» ميناء رأس عيسى... والحوثيون يعلنون ارتفاع حصيلة القتلى

أرشيفية لقصف إسرائيلي سابق على ميناء رأس عيسى النفطي في الحديدة
أرشيفية لقصف إسرائيلي سابق على ميناء رأس عيسى النفطي في الحديدة
TT
20

الجيش الأميركي يؤكد «تدمير» ميناء رأس عيسى... والحوثيون يعلنون ارتفاع حصيلة القتلى

أرشيفية لقصف إسرائيلي سابق على ميناء رأس عيسى النفطي في الحديدة
أرشيفية لقصف إسرائيلي سابق على ميناء رأس عيسى النفطي في الحديدة

أعلن الحوثيون في اليمن الجمعة ارتفاع حصيلة الضربة الأميركية على ميناء رأس عيسى النفطي في محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر إلى 38 قتيلاً وأكثر من مائة جريح، مما يجعله من أكثر الأيام تسجيلاً للقتلى منذ بدأت الولايات المتحدة هجماتها على الجماعة المتحالفة مع إيران. وأفادت قناة المسيرة التابعة للحوثيين نقلاً عن مكتب الصحة في الحديدة بغرب اليمن عن «استشهاد 38 عاملاً وموظفاً وإصابة 102 آخرين في حصيلة غير نهائية لجريمة العدوان الأميركي على منشأة رأس عيسى النفطية».

مقاتلة تُقلع من فوق متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة تُقلع من فوق متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وفي لقطات بثتها قناة المسيرة التابعة للحوثيين فجر الجمعة وقدمتها على أنها «أولى صور العدوان الأميركي» على الميناء النفطي، أضاءت كرة من النار المنطقة التي توجد فيها سفن، بينما ارتفعت أعمدة كثيفة من الدخان فوق ما يبدو أنه حريق. وأعلن الحوثيون عن مظاهرات الجمعة ضد الضربات الأميركية ولنصرة الفلسطينيين في غزة.

وفي المقابل، أعلن الجيش الأميركي أن قواته دمّرت الخميس ميناء رأس عيسى النفطي في اليمن، وذلك في إطار قطع الإمداد والتمويل عن الحوثيين. وجاء في بيان للقيادة العسكرية المركزية الأميركية على منصة «إكس» أن «قوات أميركية تحرّكت للقضاء على هذا (المرفق الذي يشكل) مصدر وقود للإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران وحرمانهم من إيرادات غير مشروعة تموّل جهودهم لإرهاب المنطقة بأسرها منذ أكثر من عشر سنوات».

وتتعرض مناطق الحوثيين في اليمن لغارات شبه يومية يحملون الولايات المتحدة مسؤوليتها، منذ أن أعلنت واشنطن في 15 مارس (آذار) إطلاق عملية عسكرية ضدهم لوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

أحد أتباع الجماعة الحوثية يعاين آثار ضربة أميركية استهدفت موقعاً في صنعاء (إ.ب.أ)
أحد أتباع الجماعة الحوثية يعاين آثار ضربة أميركية استهدفت موقعاً في صنعاء (إ.ب.أ)

وجاءت الحملة الجوية الأميركية عقب تهديد الحوثيين باستئناف هجماتهم ضد الملاحة الدولية بعدما قطعت إسرائيل كل الإمدادات عن غزة واستأنفت هجومها على القطاع الفلسطيني في 18 مارس، منهية بذلك هدنة استمرت شهرين. ومنذ 15 مارس، استأنف الحوثيون أيضاً هجماتهم على السفن العسكرية الأميركية وإسرائيل، قائلين إن ذلك يأتي تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة. منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة إثر هجوم الحركة على جنوب الدولة العبرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنّ الحوثيون عشرات الهجمات الصاروخية ضدّ الدولة العبرية وضدّ سفن في البحر الأحمر يقولون إنها على ارتباط بها.

وأعلن الجيش الإسرائيلي مرة جديدة صباح الجمعة اعتراض صاروخ أطلق من اليمن. وتوعّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحوثيين بالقضاء عليهم، محذّراً طهران من مواصلة دعمهم. وأعلنت الولايات المتحدة الخميس فرض عقوبات على مصرف يمني تشمل كبار مسؤوليه، مشيرة إلى دعم المؤسسة للحوثيين.

المقر الرئيسي لبنك اليمن الدولي في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)
المقر الرئيسي لبنك اليمن الدولي في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (إكس)

وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن فرض العقوبات على «بنك اليمن الدولي» يشكّل استكمالاً للجهود الحكومية الرامية إلى «وقف هجمات الحوثيين المدعومين من إيران ضد السفن التجارية في البحر الأحمر». وأعلن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو مساء الخميس أن «فرقاطة فرنسية دمرت طائرة دون طيار أطلقت من اليمن». وأضاف عبر منصة «إكس»: «جيوشنا تواصل التزامها لضمان حرية الحركة البحرية».