شيرين عبد الوهاب تجدد الجدل بعد إطلالة صادمة

ناشدت الجمهور عدم افتراض الأسوأ بعد طلاقها

شيرين عبد الوهاب تجدد الجدل بعد إطلالة صادمة
TT

شيرين عبد الوهاب تجدد الجدل بعد إطلالة صادمة

شيرين عبد الوهاب تجدد الجدل بعد إطلالة صادمة

سرعان ما جابت صور الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب ساحات التواصل الاجتماعي، بمجرد ظهورها حليقة الشعر خلال حفلها الغنائي الأخير بمدينة أبوظبي، وهو الحفل الذي شهد ظهورها الأول لها منذ إعلان انفصالها عن الفنان والملحن حسام حبيب.
لم تكن صور شيرين الصادمة وهي حليقة الرأس وحدها ما أثار الجدل حولها، بل إن الأمور ازدادت جدلاً بكلماتها التي وجهتها لجمهور الحفل وهي تسألهم في دعابة عن رأيهم في «اللوك» الجديد، وهي دعابة لم تخل من غُصة، وهي تحدثهم في تلقائيتها المعهودة: «يا رب تقبلوني بشكلي ده... إنتوا عارفين أنا كده فُقت».
لم تدع شيرين مجالاً للفصل بين ظهورها حليقة الشعر وبين انفصالها عن زوجها الذي جاء بعد سنوات من الحب بينهما شاركت شيرين جمهورها كثيراً من فصوله على صفحاتها الشخصية، وصولاً لاحتدام التوتر بينهما الذي حسمته شيرين عبر بيان مقتضب أعلنت فيه انفصالها رسمياً عن زوجها الفنان حسام حبيب.
ومن ثم جاءت تعليقات الجمهور على «لوك» شيرين مصحوبة بكثير من التعاطف والدعم بعد طلاقها، الذي بدا كأن آثاره النفسية هي ما دفعت النجمة المصرية لـ«حلاقة شعرها» بالكامل، رغم حرصها على مدار حفل أبوظبي على الظهور بروح معنوية متماسكة، عبر دعاباتها المعهودة مع الجمهور.
إلا أن هذا «اللوك» جعل ثمة أصوات تُشكك في أن يكون طليقها حسام حبيب هو من قام بحلاقة شعرها في تصعيد أو عنف مورس ضدها، وهو ما دعا الفنانة المصرية عشية الحفل للتغريد على «تويتر» بقولها: «ليه ميكونش لوك جديد؟ ليه ميكونش تغيير؟ ليه ميكونش أنا اللي عملت كدة حتى لو عندي اكتئاب؟ ليه فرضتوا السيئ والأسوأ وظلمتوا شخص بريء وظلمتوني... أنا قوية بيكوا، بس محبش حبكوا ليا يخليكوا متشوفوش الحقائق أو تكونوا ظالمين».
وفتحت هذه التغريدة الباب لجدل أوسع حول الحالة النفسية التي وصلت إليها شيرين مُجددة فصولاً طويلة من حياتها التي كان الإحباط والاكتئاب حاضرين فيها بشكل متواصل، ويبدو أنها تعيش فصلاً جديداً أكبر هذه الأيام «شيرين مرت بظروف كثيرة صعبة منذ بداية ظهورها إلى الآن، ولا أظن أن هناك مطربة أو فنانة مرت بنفس الظروف التي مرت بها بداية من الاتهامات الدائمة لها بسبب تصريحاتها، والتشكيك في وطنيتها، والحديث عن جذورها وأسرتها، وزيجاتها الفاشلة» وفق ما يقول رئيس تحرير مجلة «أخبار النجوم» الناقد الفني محمد عدوي.
ويتابع عدوي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «شيرين ضحية شيرين، الموهبة التي حباها بها الله كانت تستحق معاملة أكثر وعياً منها هي شخصياً، هي وغيرها من النجوم للأسف يفتقدون فن إدارة الموهبة، وفن إدارة الصورة التي تظهر عليها موهبتهم، والمحصلة دائماً تكون خللاً نفسياً أو تدميراً ذاتياً لتلك الموهبة».
ويضيف عدوي، أن شيرين عبد الوهاب حالياً تمر بمرحلة «فقدان اتزان حقيقي» على حد تعبيره، «هي مرحلة مرت بها من قبل، وليست جديدة عليها، لكن دون شك تلك المرحلة من الممكن أن تتحول إلى نعمة لو استفادت من تلك التجربة ولو أنني أشك في ذلك، وفي كل الأحوال فإن الضجة المثارة حول إطلالة شيرين طبيعية جداً، فهي واحدة من أهم مطربات الوطن العربي، وهي دائماً تحت الأضواء، والسوشيال ميديا جعلتنا اليوم أمام نوع جديد من المحللين الفنيين والمتابعين، ودائماً ما تأخذ الحكاية ذاتها تصورات وتحليلات مختلفة، ما بين اتهامات حادة للزوج حسام حبيب، وحكايات يتم تداولها عن الغدر بها، وهناك آخرون يرون أنها تريد استغلال الطلاق وقدمت نفسها كترند بحلاقة شعرها تلك، وهناك المتعاطفون بقوة، فهناك فضاء شاسع تتيحه السوشيال ميديا أمام التكهنات، لا سيما لو كانت بطلتها فنانة في نجومية وشهرة شيرين عبد الوهاب».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)