المؤكد أن ملامح اللاجئة الأفغانية قدمت للمصور الأميركي شهرة عابرة للزمان والمكان؛ وجه أحرقته الشمس وعينان بخضرة نادرة ترتسم فيهما نظرة فزع واستغراب. كان ذلك أثناء تغطيته للحرب في أفغانستان عام 1984 لحساب مجلة «ناشونال جيوغرافيك».
اليوم، يحتفي متحف «مايول» في باريس بإنجاز المصور البالغ من العمر 71 عاماً من خلال معرض فتح أبوابه أمس ويستمر حتى أواخر مايو (أيار) من العام المقبل. وهو يضم 150 لقطة مطبوعة بحجم كبير من أشهر صور ماكوري. إنها هي المرة الأولى التي تعرض فيها أعماله في العاصمة الفرنسية.
يمكن وصف المعرض بأنه جولة في أرجاء العالم تقتفي خريطة أشهر مناطق التوتر في السنوات الثلاثين الأخيرة. وبهذا فإن الفرجة فيه لا تشبه التنزه في متحف لأعمال من الماضي، ذلك أن المتعة تقترن هنا بالمأساة. ولعل فن ماكوري يكمن في قدرته على استخلاص الجمال من أشد الوقائع عنفاً ووحشية. وبخلاف غيره من مصوري الحروب كانت عدسته تتوقف عند البشر وهم يواجهون آلة الدمار. فهناك مثلاً قافلة من الجمال تائهة بدون رعاتها في مدينة الأحمدي الكويتية على خلفية من آبار النفط المحترقة خلال حرب الخليج. وكأن المصور الفنان أراد أن يقول إن عبث الإنسان جريمة في حق الطبيعة، أو إن الحياة تسير بموازاة الموت.
سيتوقف آلاف الزوار أمام نظرة الطفلة اللاجئة «شربات» التي حملت نداء استغاثة موجهاً إلى الشعوب الآمنة في العالم. لكن المصور لا يفترق عن موضوعه ولا يقلب صفحة حرب مع انتقاله لتغطية حرب تالية. وهو قد عاد بعد سنوات وبحث عن صاحبة العينين الثاقبتين وتمكن من تصويرها مجدداً. وقبل أيام تناقلت الوكالات خبر تأمين خروجها من أفغانستان، ومنحها حق اللجوء إلى إيطاليا بعد سيطرة «طالبان» على السلطة.
من أفغانستان إلى الكويت مروراً بالهند وشرق آسيا وكوبا وأفريقيا والولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل، لم تتعب عدسة ماكوري طوال أربعين عاماً من ملاحقة جنون البشر، وهو لم يتوقف أو يتقاعد، بل يمكن للزائر أن يتعرف على أحدث تصاويره. وقد أشرفت على تنظيم المعرض بيبا جياشيتي الصحافية والمؤرخة المتخصصة في الفوتوغراف، ونجحت في أن تجعل منه رحلة في منعطفات الأحداث الكبرى، حيث يحتل الإنسان، لا البندقية، مركز اللقطة.
ولد ستيف ماكوري في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأميركية. ثم درس السينما وصناعة الأفلام التاريخية ونال شهادة جامعية في الفنون المسرحية وتخرج بامتياز عام 1974، بدأ اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي عندما كان يلتقط صوراً لصحافية يحررها طلاب جامعته في بنسلفانيا. أما مسيرته مع التصوير الصحافي كمحترف فقد بدأت مع تغطيته الحرب السوفياتية في أفغانستان. وجاء في سيرته أنه تنكر بالزي المحلي وكان يخفي أفلامه داخل طيات ملابسه. وقد تسابقت الصحف الغربية على نشر لقطاته وفاز بميدالية «روبرت كابا» الذهبية كأفضل مصور ومراسل من خارج الولايات المتحدة. وبعد أفغانستان تابع تغطيته للصراعات الدولية في لبنان والحرب العراقية - الإيرانية والنزاعات في كمبوديا والفلبين وحرب الخليج الثانية.
نشرت معظم مجلات العالم صور ستيف ماكوري، كما عمل لسنوات عديدة لحساب مجلة «ناشونال جيوغرافيك»، وكان منذ أواسط الثمانينات عضواً في جمعية «ماغنوم» للتصوير. حصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك مجلة مصور العام التي تمنحها الرابطة الوطنية للمصورين الصحافيين، والميدالية المئوية للجمعية الملكية للتصوير الفوتوغرافي، واثنتين من جوائز المركز الأول في مسابقة أفضل الصور الصحافية في العالم.
معرض مدهش في باريس عن عالم ستيف ماكوري
150 لقطة للمصور الأميركي جعل من الحروب لوحات فنية
معرض مدهش في باريس عن عالم ستيف ماكوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة