«فويسز 2021» يستبق المستقبل ويحتفل بالموضة الإنسانية

مقاطعة للفرو... والجمع بين العالمين الافتراضي والواقعي... وتصالح مع الذات

جانب من المناظرة التي ترأسها الصحافي تيم بلانكس مع المصمم تومي هيلفغر وإنديا موروجيليان ميركادو والعارضة حليمة
جانب من المناظرة التي ترأسها الصحافي تيم بلانكس مع المصمم تومي هيلفغر وإنديا موروجيليان ميركادو والعارضة حليمة
TT

«فويسز 2021» يستبق المستقبل ويحتفل بالموضة الإنسانية

جانب من المناظرة التي ترأسها الصحافي تيم بلانكس مع المصمم تومي هيلفغر وإنديا موروجيليان ميركادو والعارضة حليمة
جانب من المناظرة التي ترأسها الصحافي تيم بلانكس مع المصمم تومي هيلفغر وإنديا موروجيليان ميركادو والعارضة حليمة

لم يمنع ظهور المتحور «أوميكرون» وما تسبب فيه من تعطيل للسفر وإجراءات صارمة، العديد من الخبراء وأصحاب القرارات وصناع الموضة من أخذ المبادرة، وربما المغامرة، من أجل المشاركة في مؤتمر «فويسز» Bof Voices السنوي والذي تجري أحداثه في «سوهو فارمهاوس» بمنطقة أكسفوردشاير. فهو مناسبة لا تُفوت بالنظر إلى ما يقدمه من أطباق دسمة من الأفكار والقراءات المستقبلية المبنية على دراسات وإحصاءات تخص الموضة كثقافة وصناعة، إضافة إلى كونه فرصة تعارف بين الكبار. على مدى يومين، شهد المؤتمر العديد من النقاشات والجدال الفكري حول المستقبل ككل، بما في ذلك الموضة. فعمران أميد، مؤسس موقع «بي أو إف» وصاحب فكرة المؤتمر يؤمن بأن الحياة أو الموضة أكبر من أن نحصرهما في خانة ضيقة، الأمر الذي يفسر أن النقاشات شملت الصحة النفسية وتحسين أوضاع العمل بنفس القدر الذي تطرقت فيه إلى مستقبل الموضة وحربها الجديدة في وجه التطورات التي يفرضها العصر. اختتم عمران المؤتمر مساء يوم الجمعة بإلقاء تحية للمصمم الغيني الأصل، فيرجل أبلو الذي غيبه الموت مؤخراً بعد صراع مع المرض الخبيث قائلاً: «أخبرني أحدهم أنه في التقاليد الغينية يجب الاحتفال بحياة الميت عوض البكاء عليه، ولهذا فنحن هنا نحتفل بفيرجيل». وذكر أنه تواصل مع المصمم الراحل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ كان من المفترض «أن يكون حاضراً بيننا لكي يتلقى جائزة (فويسز) التي تقدم كل عام لشخصية استطاعت أن تستخدم تأثيرها بشكل إيجابي على العالم» لكن الموت كان سباقاً. بيد أن هذا لم يمنع من منح فيرجيل أبلو الجائزة اعترافاً بأياديه البيضاء على كل ما يتعلق بدعم المواهب الصاعدة، أو إعطاء صوت للمهمشين الذين لا صوت لهم، فضلاً عن نجاحه في خض تابوهات الموضة الكلاسيكية. بعد لحظة صمت، عاد عمران ليُذكرننا بأن الحياة تستمر وبأن الفكرة من المؤتمر أن نتحدث عن المستقبل. كما العادة، كانت هناك تصريحات هامة وقرارات واضحة واقتراحات للرؤساء التنفيذيين وأصحاب القرارات تستهدف جعل هذا المستقبل أكثر جمالاً وأملاً، سواء فيما يخص أخذهم بعين الاعتبار التغير المناخي وتأثيره على المستقبل وحماية البيئة أو وسائل للخروج من أزمة «كوفيد 19» بأقل الخسائر.
من التصريحات المهمة التي شهدها المؤتمر إعلان مجلة «إيل» قرارها مقاطعة كل المنتجات المصنوعة من الفرو الطبيعي في كل مطبوعاتها، وعددها 45. وذلك بعدم تصويرها ومنحها أي مساحة في المجلة، لتكون أول مطبوعة عالمية تأخذ هذه الخطوة بشكل جذري وحاسم. في كلمة ألقتها فاليريا بيسولو لوبيز، المدير العالمي للمجلة، أشارت إلى أن «استعمال الفرو الطبيعي في صفحاتنا أو في مواقعنا لم يعد متماشياً مع تصورنا ومبادئنا ولا مع رغبة القراء من الجيل الصاعد. فهم يميلون إلى الاستدامة ويطالبون بها». وذهبت فاليريا إلى أبعد من هذا في تصريحها يوم الخميس الماضي بقولها: «إن هناك نية صادقة ليس لمقاطعة أي شيء يتعارض مع الإنسانية فحسب، بل هناك أيضاً نية لزيادة التوعية بضرورة أن تكون الموضة أكثر رحمة وعدالة في تعاملاتها».
غني عن القول إن هذا التصريح فتح جدلاً واسعاً، كما لاقى ترحيباً من كل صناع الموضة.
فرغم أن الاتهامات كانت موجهة في السابق إلى مصنعي الفرو والمستهلك الذي كان يُشجع على صناعته بإقباله على شرائه، فإن الدور الأكبر كان ولا يزال يقع على المصورين والمجلات التي كانت تُقدمه للقراء بشكل جذاب يُسهل عملية تسويقه. في خضم الحماس لمقاطعة الفرو وغيره، لم يكن بإمكان أحد أن ينسى أو يتناسى أن الموضة تقوم أساساً على البيع والشراء، وهذا يعني ضرورة البحث عن منافذ أو طرق جديدة للتصنيع والتسويق للإبقاء على الحلم حياً. لم يبخل المشاركون في المؤتمر بالأفكار، وأغلبها مبنية على دراسات وواقع أصبح معاشاً رغم سرياليته بالنسبة للعديد منا. وليس أدل على هذا من الميتافورس والعروض الافتراضية إلى جانب البحث عن مواد نباتية تعوض عن المواد الحيوانية، وهو ما بدأت بخوضه أسماء عالمية مشهود لها بالخبرة والدقة والجمال مثل «هيرميس»، التي أطلقت مجموعة حقائب يد مصنوعة من «الفطر» أو ستيلا ماكارتني التي لم تتوقف يوماً عن البحث عما يمكن أن يجعل عالم الموضة يغض النظر عن استعمال الجلد والفرو الطبيعي.
كان من البديهي أن تركز الحصة الأخيرة من النقاشات على تحسين الصحة النفسية، وذلك بالبحث عن هدف سامٍ يُغير لون الحياة الرمادي القاتم الذي يخيم على الأجواء حالياً بلون وردي مفعم بالأمل والتفاؤل. اختلفت الآراء حول الموضوع، لكن النتيجة كانت واحدة وهي أهمية تقبل الذات والتصالح معها، وهو ما عبر عنه مصمم الأحذية المشهور كريستيان لوبوتان بتصريحه أن تقبل الاختلاف قوة وليس ضعفاً، مستدلاً بحالته. فقد شب في أسرة فرنسية كل أفرادها بيض وشُقر. كان يشعر بأنه غريب بينهم نظراً للونه الداكن. ثم اكتشف أن والده مصري وهو في جلسة صفاء مع أخته الكبيرة في يوم ما. لم يُصدم بقدر ما شعر بأن كل شيء كان مضطرباً في حياته ويعترم بداخله أصبح هادئاً «وكأن الأمور عادت إلى نصابها». فهم لماذا كانت هناك أشياء تشده دائماً إلى مصر حتى قبل أن يعرف الحقيقة. العبرة أنه حول اختلافه إلى قوة قائلاً: «عندما تنتمي إلى ثقافة مختلفة، وتعيش في أماكن جديدة، فإنك تفهم العالم جيداً. تفهم أن له وجوهاً ووجهات نظر متنوعة... وعندما تختلط في عروقك عدة دماء، وتنتمي إلى ثقافات مختلفة، فأنت لست مُقسماً أو ضعيفاً، بل متضاعفاً».
وهذا ما سلطت عليه الضوء أيضاً حصص أخرى مخصص بعضها لتقبل الآخر بكل صفاته وأهوائه وميوله، أو لمستقبل التكنولوجيا والمدن والسفر من دون تجاهل أهمية تأثيرات أجواء العمل الاجتماعية والنفسية. أمر أصبح أكثر وضوحاً منذ أن عصف فيروس كورونا بالعالم في عام 2020. فالتكنولوجيا مثلاً تسللت إلى حياتنا لتصبح جزءاً لا يتجزأ منها شئنا أم أبينا، والوقفة الطويلة مع النفس التي فرضها علينا الفيروس لنحو 19 شهراً، سلطت الضوء أكثر على سلوكياتنا وانعكاساتها السلبية على التغير المناخي والبيئة وغيرها. الخريطة الشرائية أيضاً تغيرت بشكل واضح بحيث أصبحت قوتها في يد جيل شاب له مبادئ مختلفة عن الجيل الذي سبقه، وهو ما دفع العديد من بيوت الأزياء والمؤسسات الكبيرة على تغيير سياساتها ليس في الترويج والتسويق فحسب، بل أيضاً في التصميم ونوعية المواد المستعملة وآلية المصانع التي نفذت فيها وما شابه من أمور. حتى في الحياة العامة وبعيداً عن الموضة، أصبح لزاماً على الشركات التأقلم مع أوضاع لم نكن نتخيلها، مثل تراجع أهمية مكاتب العمل لصالح العمل من البيت مثلاً، وهو ما بدأ يؤثر فعلاً على أساليب التصميم الهندسي للبيوت والمكاتب على حد سواء. فهناك رغبة محمومة حالياً في خلق فضاءات مفتوحة وحدائق مهما كانت صغيرة.
أما على المستوى الشخصي والإنساني، فقد كان عدد الاستقالات المتتالية لافتاً بعد الجائحة، لأن عدداً لا يستهان به من الموظفين باتوا يفضلون الأعمال الحرة أو العمل من البيت، لما تتيحه لهم من حرية في الاختيار والتحكم في أوقاتهم.
حسب قول كيفن ديلاني، أحد مؤسسي شركة «كوارتز» والرئيس التنفيذي لوكالة استشارية في مجال العمل، فقد أصبح لزاماً على المؤسسات أن تفكر في تغيير منظومة العمل التقليدية، وعوض خمسة أيام عمل مثلاً يمكن أن نكتفي بأربعة، لا سيما بعد أن تبين أنها أكثر إنتاجية، كونها تحفز الموظف من جهة وتجنبه التوتر والضغوط النفسية من جهة ثانية، وهو ما من شأنه خلق بيئة إيجابية وولاء أكبر.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».