استلهام تشكيلي لـ«أسطورة القراميط» من مصر القديمة

عبد الوهاب عبد المحسن يختتم بها «خماسية البرلس»

أسماك القراميط ترتبط بأسطورة إيزيس وأزوريس
أسماك القراميط ترتبط بأسطورة إيزيس وأزوريس
TT

استلهام تشكيلي لـ«أسطورة القراميط» من مصر القديمة

أسماك القراميط ترتبط بأسطورة إيزيس وأزوريس
أسماك القراميط ترتبط بأسطورة إيزيس وأزوريس

في أعماله الفنية يمنح دور البطولة للبيئة بعناصرها وشخصياتها المختلفة، مكتشفاً المعاني والرموز والجماليات الكامنة وراءها، فالبيئة بمكوناتها الملهمة حاضرة دوماً وبقوة في لوحات التشكيلي المصري عبد الوهاب عبد المحسن، الذي استطاع عبر تجربته الفنية تقديم أعمال دافئة مفعمة بالحنين للحياة الريفية البسيطة التي عاشها في الماضي، ومتوهجة بالعلاقة التاريخية المنصهرة مع الأرض.
وفي معرضه الجديد «مصرف كفت» المقام بقاعة الباب بدار الأوبرا، يعبر الفنان من خلال 25 لوحة ومجسماً عن انغماسه في البيئة وألوانها، فلا يمثل المصرف الذي يشير إليه عنوان المعرض مجرد مكان وثيق الارتباط بالزراعة في قريته «أبو سيد» بالدقهلية (دلتا مصر) أو حتى نبع رائق لذكريات الطفولة، لكنه جزء أصيل من البيئة ورمزاً موحياً لها.
استطاع الفنان من خلال تناوله للمصرف بتاريخه وأسماكه التي احتفى بها في أعماله بالمعرض إبراز قيمة الأرض كحيز للوجود الذي يشغلنا ونشغله. يقول عبد الوهاب عبد المحسن لـ«الشرق الأوسط»: «يُعد المعرض امتداداً لاهتمامي بالأرض منذ أن أطلقت مشروعي الفني (خماسية البرلس) وأقمت في إطارها معارض (قرب الأرض)، و(المائدة) و(مدن الملح) و(قرب المياه) وأخيراً (مصرف كفت)». ويؤكد أنها «خماسية مرتبطة ببعضها، كما أن لها علاقة وطيدة بموضوعات تخص البيئة والنوستاليغا التي أعيشها، فالفنان ابن بيئته، وإلى هذا الحد تؤثر على الفنان، فهو ما لم يعبر عنها فإنه بالتأكيد يفتقد الصدق الفني».
إلى جانب رابط البيئة الذي يجمع بين أعمال الخماسية، فإن المتابع لها، يلمس التوظيف البصري لمفردات الأساطير فيها إلى جانب حالة التوحد بينه وبين المكان - أو مصر على وجه التحديد - كما يستشعر دفء ألوان الأكريلك الصاحية على الكانفاس، ويدهشه تجدد ما يطرحه من رؤى مختلفة وأطروحات متنوعة لقضايا البيئة وذكريات الأرض في الخماسية، مع الاحتفاء بالنسب والمنظور، وإن كان لكل معرض أسلوب فني مغاير.
في هذا المعرض تستحوذ أسماك «القرموط» على نصيب الأسد من الأعمال، انطلاقاً من ارتباطها الوثيق بالبيئة المصرية، ذلك أن للمصريين تاريخاً طويلاً مع أسماك النيل، وفي مقدمتها القراميط التي تحكي الأساطير عنها الكثير، فهي وفق الحضارة القديمة كانت تقود مراكب الشمس في الظلام وهي في طريقها للعالم السفلي، كما أن سمك «القرموط النيلي» كان محرماً أكله في مصر قبل الميلاد، وفقاً للديانة المصرية القديمة، لارتباطه بأسطورة إيزيس وأوزوريس، ومن هنا احتفى عبد المحسن بها وكأنه استدعاها من أعماق النيل أو من جداريات المقابر والتوابيت القديمة، حيث قام أجداده بتصويرها.
وعن ذلك يقول: «بالنسبة لي يمثل (مصرف كفت) مسرحاً شهد نمو أحداث طفولتي وأخذ يتسع في رؤاي، حتى أصبح جزءاً من ذاكرة المكان عندي، فمن خلاله كان يعبر القادمون ليلاً من السفر، وكأنه معبر القرية، وحوله نسج القرويون حكايات وأساطير ترتبط بالظلام والغموض الذي يلف المكان».
ويتابع: «الاعتقاد الأكثر رسوخاً وتوغلاً في عمق التاريخ، هو اعتبار (القرموط) رمزاً للخير والخصوبة والإنبات وتجدد الحياة، نظراً لارتباطه بأسطورة إيزيس وأوزريس، وهو ما يفسر لماذا يُعد (مصرف كفت) الذي يحتضن القراميط، وجهة تزورها سيدات القرية الباحثات عن فرص الزواج والإنجاب وفق المعتقدات المتوارثة عبر آلاف السنين، وقد شاهدتهن هناك مراراً وتكراراً في طفولتي يتلمسن منه الأمل».
وهكذا أيضاً امتزجت في أعمال الفنان عناصر التخيل والحلم والتأمل والفعل الجمالي، فقد قام الفنان بإعادة صياغة المكان في تشكيل بصري يتمتع بعدة دلالات ومعانٍ لها بعد روحي وقيم عليا بها يحقق الإنسان ذاته وانتماءه الوجداني، حتى يمكن وصف الأعمال بمعادل فني لخصوصية المكان وعفوية الإرث الشعبي وثراء البيئة التي بحد ذاتها تمثل رواية موروثة تروي للأجيال حياة أسلافهم بكل تفاصيلها وأحداثها.
فيما يصف الفنان أعماله بأنها «عودة للذات»: «أعود من خلال المعرض إلى ذاتي، فعندما تكون التجربة صادقة فإنها تكون ذاتية جداً».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.