الحركة التجارية في لبنان تتراجع 85 % والتعويل على المغتربين والسياح... إذا جاءوا

أعياد اللبنانيين بلا احتفالات والقدرة الشرائية في أدنى مستوياتها

TT

الحركة التجارية في لبنان تتراجع 85 % والتعويل على المغتربين والسياح... إذا جاءوا

لن يتمكّن أبو داني هذا العام من شراء ثياب جديدة أو هدايا ‏لطفليه يفاجئهما بها خلال أعياد نهاية السنة، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه ‏بالكاد يؤمّن الحاجات الأساسية لعائلته المكوّنة من أربعة أفراد.‏
ويقول معيل العائلة الذي يعمل في تصميم الغرافيك في إحدى دور النشر ‏مقابل راتب 4 ملايين ليرة لبنانية (نحو 180 دولاراً)، إنه وعائلته ‏استغنوا منذ عامين عن الكثير من العادات بعدما «قضت الأزمة ‏الاقتصادية في لبنان على كل شيء... ولم تترك مجالاً للفرح»، على حد ‏تعبيره.‏
ورغم أن أرباب العمل ضاعفوا أجره في مايو (أيار) الماضي، يشرح أبو ‏داني أن راتبه تآكل مرة أخرى بسبب الهبوط الإضافي لسعر صرف ‏الليرة: «راتبي أقل من 200 دولار! العيد بالنسبة للكثير من ‏اللبنانيين أصبح كباقي الأيام يمر مرور الكرام».‏
ويشير رئيس جمعية تجار الأشرفية، طوني عيد، لـ«الشرق ‏الأوسط»، إلى أن «الأزمة التي يعيشها اللبناني أثّرت على حركة البيع ‏بشكل كبير بسبب هبوط قيمة الليرة اللبنانية وتراجع القدرة الشرائية ‏لأغلبية المواطنين».‏ ويوضح أن «الحركة في الأسواق ما زالت خفيفة جداً»، ويقول إنه ‏مقارنةً مع السنوات الماضية قبل استفحال الأزمة الاقتصادية، فإن حركة ‏البيع تراجعت بنسبة 85%، وعادةً ما كانت تشهد الأسواق في شهر ‏ديسمبر (كانون الأول)، شهر الأعياد، حركة أنشط. لكنّه يؤكد أن ‏‏تعويل التجار في هذه المرحلة على المغتربين والسياح لتحريك السوق ‏اللبنانية، هذا إذا جاءوا.‏
من جهته، يوضح رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، لـ«الشرق ‏الأوسط»، أن ارتفاع أسعار بعض السلع يتجاوز ارتفاع سعر صرف ‏الدولار، حتى إن انخفاض سعر الصرف لا يترافق دائماً مع انخفاض ‏أسعار السلع. ويقول: «أرقام الإحصاء المركزي تشير إلى ارتفاع أسعار ‏المواد الغذائية 20 ضعفاً، والوضع نفسه ينسحب على السلع الأخرى، ‏فالأسعار مستمرة في الارتفاع ولا تتراجع مقابل المزيد من انعدام القدرة ‏الشرائية للفرد». ويضيف: «نحن أمام انهيار شامل وكامل».‏
وأظهرت إدارة الإحصاء المركزي في لبنان أن معدّل التضخم شهد ‏ارتفاعاً بلغ 137.75% في أغسطس (آب) 2021 مقارنةً بالفترة نفسها ‏من عام 2020، حسب بيانات رسمية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية ‏ بنسبة 20.82%.‏
ويوضح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «القدرة ‏الشرائية لدى المواطن اللبناني تآكلت نتيجة التضخم الحاصل في الأسعار ‏مقابل بقاء مدخول الفرد أو العائلة على حاله»، مؤكداً أن «الانخفاض ‏الإضافي لسعر صرف الليرة الشهر الماضي فاقم انعدام القدرة ‏الشرائية».‏
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة من إدارة الإحصاء المركزي إلى أن ‏مؤشر الأسعار على الاستهلاك ارتفع إلى ما نسبته 560%، أي ‏أن الأسعار ارتفعت 5.6 ضعف منذ بدء الأزمة، لكن عجاقة يقول: «رغم أن هذه الأرقام رسمية وموضع ثقة، فإن الأرقام تدل على أن ارتفاع الأسعار وصل إلى 10 و15 ضعفاً»، ‏بحسب اعتقاده، فإن «ارتفاع مستويات تضخم الأسعار كبير جداً لدرجة ‏تتخطى الـ1000%».‏
وحسب تقرير أعدته «الإسكوا» في سبتمبر (أيلول) الماضي، تفاقم الفقر ‏في لبنان وأصبح يطال 82% من مجموع السكان، ويشير عجاقة إلى ‏أن مليوناً و250 ألف عائلة في لبنان تعيش في فقر، منها ما نسبته 70% ‏يتأثرون بالشق الغذائي، في حين يعيش 40% في فقر مدقع، أي أن مدخول ‏تلك العائلات في اليوم أقل من دولارين.‏
ومن هذا المنطلق، يوضح أن «الأعياد في لبنان لن تكون كما كانت ‏سابقاً»، ويفسّر ذلك بأن «الأرقام المذكورة تعني أن هناك أكثر من 500 ألف ‏عائلة لن يختلف العيد بالنسبة إليها عن باقي أيام السنة. أما الأسر التي هي ‏في الفقر متعدد الأبعاد وتقدَّر بنحو المليون، فعلى أحسن تقدير ستكون ‏الأعياد بالنسبة إليها عبارة عن اجتماع عائلي».‏
وينبّه إلى أنه «في حال عدم الوصول إلى حل سياسي يؤدي إلى التفاهم ‏مع صندوق النقد الدولي، سيكون عنوان المرحلة القادمة التضخم أكثر ‏فأكثر»، ويشير إلى أن «التفاوض مع صندوق النقد يتطلب وقتاً ‏وإصلاحات جدية مطالَب بها لبنان للحصول على الأموال».‏
وإذ يوضح عجاقة أن «أساس الأزمة اقتصادية نابع من هيكلية اقتصادية ‏ضربتها السياسات الحكومية وتراكم عدد من الأحداث»، يرى أن ‏هناك خمس خطوات على حكومة ميقاتي القيام بها بشكل سريع للتخفيف ‏من التضخم: أولاً محاربة التطبيقات التي تعلن عن أسعار صرف ‏الدولار، والتي حسب عجاقة، تتحكم بها مجموعة من التجار ‏والمستفيدين من ارتفاع وانخفاض أسعار الصرف. الخطوة الثانية محاربة الاحتكار. أما الثالثة فتقوم على وقف التهريب «الذي ما زال مستمراً»، ‏وفقاً له.‏ أما الخطوة الرابعة فهي إلزام التجار القبض بالبطاقات ‏المصرفية. وخامساً إقناع المصدّرين بإرجاع دولاراتهم إلى لبنان، وهنا ‏يقع على عاتق حكومة ميقاتي تقديم ضمانات لهؤلاء بحرية التصرف ‏في أموالهم.



مصر: «تكتُّم» بشأن أسباب تحطم «طائرة باريس»

طائرة تابعة لـ«مصر للطيران» (أرشيفية)
طائرة تابعة لـ«مصر للطيران» (أرشيفية)
TT

مصر: «تكتُّم» بشأن أسباب تحطم «طائرة باريس»

طائرة تابعة لـ«مصر للطيران» (أرشيفية)
طائرة تابعة لـ«مصر للطيران» (أرشيفية)

بعد 8 سنوات من الحادث تسلّمت شركة «مصر للطيران»، الأربعاء، التقرير الفني النهائي لحادث تحطّم طائرتها التي كانت متجهة من مطار شارل ديغول بفرنسا إلى مطار القاهرة الدولي، من دون أن تكشف عن «محتوى التقرير»، وأسباب الحادث الذي راح ضحيته 66 راكباً.

وفي 19 مايو (أيار) 2016 تحطّمت طائرة «مصر للطيران» في سماء البحر المتوسط، بعد دخولها المجال الجوي المصري، في منطقة بين جزيرة كريت اليونانية والسواحل الشمالية لمصر، بعد أن اختفت بشكل مفاجئ عن الرادارات.

وتسبّب حادث الطائرة في وفاة 66 راكباً، بينهم 7 أفراد طاقم الطائرة، حسب إفادة شركة «مصر للطيران» وقتها.

وفي بيان مقتضب، الأربعاء، أعلنت «مصر للطيران» استلامها التقرير الفني النهائي الصادر عن الإدارة المركزية لحوادث الطيران التابعة لوزارة الطيران المدني المصري، الخاص بحادثة تحطّم طائرة الرحلة رقم (MS804)، التي كانت متجهة من مطار شارل ديغول بفرنسا إلى مطار القاهرة.

مسار طائرة «مصر للطيران» التي سقطت في 19 مايو 2016 (رويترز)

وأوضح البيان أن «التقرير الفني للحادث تمت مشاركته مع عائلات الضحايا المتضرّرة من هذا الحادث الأليم»، من دون مزيد من التفاصيل.

ولم يُعلن البيان عن أسباب وقوع الحادث، بينما رفض مسؤولون بالشركة خلال اتصالات مع «الشرق الأوسط»، الإفادة بتفاصيل إضافية، وأشاروا إلى أنهم «لا يملكون الإفصاح عن أي معلومات حالياً».

وكشفت مصادر مصرية مطلعة عن أن «جهات التحقيق القضائي في مصر طلبت قبل 5 سنوات من وزارة الطيران المدني، تقريراً نهائياً بأسباب وقوع الحادث؛ لاستكمال إجراءاتها القضائية، المتعلقة بالحادث داخل وخارج مصر».

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أنه «قبل تسليم تقرير الحادث لجهات التحقيق القضائية، كانت هناك دلائل تشير إلى آثار (مفرقعات) في أشلاء ضحايا»، وقالت إن «هذا الاحتمال المفترض أن يتم إثبات صحته من عدمها في التقرير الفني النهائي، خصوصاً أن رحلة الطائرة كانت تسير في أجواء طبيعية».

أجزاء من كراسي طائرة «مصر للطيران» المحطّمة في البحر المتوسط عام 2016 (أرشيفية - رويترز)

وعدّ كبير طياري مصر للطيران سابقاً، والمحقق الدولي في حوادث الطائرات، الطيار هاني جلال، عدم الإفصاح عن محتوى التقرير النهائي لحادث الطائرة المصرية «سابقة في إجراءات التحقيق بحوادث الطائرات»، وقال: «يجب الإعلان عن محتوى التقرير، والأهم التوصيات التي انتهى إليها، حتى يمكن الاستفادة منها في رفع معدلات الأمان برحلات الطيران المدني».

وأوضح جلال لـ«الشرق الأوسط» أن «التقرير النهائي لحادث الطائرة يجب إرساله لمنظمات الطيران العالمية، خصوصاً منظمة الطيران الدولي (إيكاو)؛ للاستفادة من توصياته».

وأشار إلى أن «75 في المائة من تعديلات السلامة والأمان بالطيران المدني تأتي من تقارير حوادث الطائرات»، ورجّح «قيام السلطات المصرية بتقديم تقريرها النهائي لمنظمات الطيران الدولية».

وأكّد جلال أهمية التقرير النهائي للحادث في تعويض أسر الضحايا، موضحاً أن «شركات التأمين تحدّد من خلاله الجهة التي ستتكفّل بدفع التعويضات».

وبعد نحو 6 أشهر من حادث الطائرة قرّرت الحكومة المصرية إعلان «باقي ضحايا حادث الطائرة المصرية أمواتاً وليسوا مفقودين»، حسب قرار لمجلس الوزراء المصري نُشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.

جانب من حطام الطائرة التي عثرت عليها فِرق البحث عام 2016 (أرشيفية)

ويرى رئيس جمعية المحامين في القانون الدولي بباريس مجيد بودن، أن «الإعلان عن التقرير النهائي لحادث الطائرة، خطوة مهمة في مسار ملف تعويضات أُسر الضحايا»، وقال إن «التقرير يحدّد أسباب وقوع الحادث، والمسؤول عنه، وحجم الخسارة، وفقاً لقواعد القانون الدولي ومعاهدات الطيران المدني»، مشيراً إلى أن «تعويض الضحايا يتم تحديده وفقاً لتلك المعايير».

وأوضح بودن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هناك عدة معايير لتحديد قيمة التعويض، ما بين تعويض عن حياة الشخص، وتعويض عن الخسارة المالية التي تتحملها أسرة الضحية (حسب مركزه المالي والاجتماعي)».

وقال: «القانون الدولي أكّد مبدأ التعويض الشامل»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «التقرير النهائي يحدّد إذا كان سبب الحادث فنياً، وهنا تتحمل جهة تصنيع الطائرة المسؤولية، أو نتيجةً لخطأ بشري، أو حادث طارئ، وفي هذه الحالة تتحمل شركات التأمين التعويضات».

وحسب الطيار جلال فإن «عملية التحقيق تمر بـ5 مراحل، تشمل مراجعة تاريخ صيانة الطائرة ووضعها الفني، والملف الطبي والمهني لقائد الطائرة، وأقوال الشهود (إن وُجدت)، وتقييم الوضع الجغرافي لمكان وقوع الحادث (إن كان منطقة جبلية أو موقع عواصف)، ثم مراجعة الصندوق الأسود، وتقرير الطب الشرعي للضحايا»، وقال إن «التقرير النهائي يجب أن تتطابق فيه نتائج المسارات الـ5».