الجزائر وباريس تطويان خلافاتهما حول «الإساءة إلى الذاكرة»

TT

الجزائر وباريس تطويان خلافاتهما حول «الإساءة إلى الذاكرة»

أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس في الجزائر، بعد استقباله من طرف الرئيس عبد المجيد تبون، أنه نقل إليه إرادة بلاده في «إذابة الجليد وسوء التفاهم»، وترميم العلاقة الثنائية المتأزمة. مبرزاً رغبة فرنسا في «عودة العلاقات السياسية مطلع العام الجديد إلى ما كانت عليه بعيداً عن خلافات الماضي».
واعتبر لودريان أن تنقله إلى الجزائر في زيارة دامت ساعات قليلة «كان أمراً مهماً»، مشدداً على أن فرنسا والجزائر «تواجهان تحديات كبيرة إقليمياً، تتعلق بالإرهاب في الساحل والهجرة غير النظامية والقضايا الاقتصادية». وقال، إن حديثه مع تبون «تركز على التعاون في المجال الأمني». كما تحدث عن «تعزيز الثقة بين بلدينا في إطار السيادة التي يتمتع بها كلا البلدين».
وبحث وزير خارجية فرنسا مع تبون ونظيره الجزائري رمضان لعمامرة، طي خلاف حاد، نشأ إثر تصريحات للرئيس إيمانويل ماكرون في سبتمبر (أيلول) الماضي، طعن فيها في تاريخ الجزائر، وهاجم «النظام العسكري المتصلب في الجزائر»، الذي قال عنه، إن الرئيس عبد المجيد تبون أصبح «رهينة لديه».
وذكر بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، أن لودريان حل بالجزائر «في زيارة عمل وتقييم للعلاقات الثنائية»، من دون إعطاء تفاصيل أكثر حول الزيارة، التي يضعها مراقبون جزائريون في إطار حملة انتخابات الرئاسة المقررة بفرنسا شهر أبريل (نيسان) المقبل، وحاجة ماكرون المرشح المفترض لولاية ثانية إلى أصوات عشرات الآلاف من الجزائريين، مزدوجي الجنسية.
ويرجح أن زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية تم الترتيب لها عشية إجرائها؛ وهو ما يفسر الإعلان عنها قبل ساعات قليلة من وصول لودريان. كما يرجح أن باريس هي من طلبتها لإدراكها أن الجزائر كانت تترقب هذه الخطوة، وبأنها لا تمانع من حيث المبدأ في إنهاء شبه القطيعة بين البلدين، شرط ألا يكون الجزائريون أول المبادرين بذلك.
وصرح تبون لمجلة «دير شبيغل» الألمانية، مطلع الشهر الماضي، بأنه يرفض أن يبادر بالخطوة الأولى تجاه فرنسا «وإلا سأخسر كل الجزائريين، فلا علاقة لهذا بشخصي، بل بالأمة كلها». وبحسب الرئيس الجزائري، فإنه «لن يقبل أي مواطن جزائري أن أتواصل مع الذين أهانونا».
والشهر الماضي صرح إيف لودريان لصحيفة «لوموند»، بأن «فرنسا تطمح إلى إقامة علاقة ثقة وشراكة طموحة مع الجزائر، تتجاوز الجراح المتعلقة بالذاكرة والتي قد تعود للظهور أحياناً». كما قال أيضاً «لدينا روابط راسخة في التاريخ، ونتمنى أن تكون الشراكة الفرنسية - الجزائرية طموحة (...) ومن المنطقي أن تعود جروح الذاكرة للظهور، لكن ينبغي تجاوز ذلك لاستعادة علاقة الثقة». مضيفاً أنه «يجب المحافظة على هذا الرابط القائم على احترام السيادة والإرادة المشتركة، وعلى تجاوز الخلافات للعودة إلى علاقة هادئة».
ولم يكن في توقعات أكثر المتشائمين من تطور العلاقات بين الشريكين، التجاريين الكبيرين في منطقة المتوسط، أن يصل الخلاف إلى القطيعة النهائية، لوجود قناعة في الجزائر، كما في فرنسا، بأن أياً من البلدين يستطيع الاستغناء عن الآخر. فضلاً عن «العلاقة العاطفية» التي لا يخفيها كل منهما تجاه الآخر. فقد درج رئيس فرنسا عند تسلم مهامه بعد انتخابه على وضع زيارة الجزائر على رأس أولوياته. أما الجزائريون فلا يفكرون من جهتهم في منح أهم الصفقات والمشروعات لبلد آخر غير فرنسا. وغالبية المسؤولين الجزائريين يحرصون على شراء عقارات بأرقى أحياء باريس للإقامة بها بعد نهاية الخدمة.
وكان الرئيس ماكرون قد أثار غضب الجزائر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما اتهم، حسبما أوردته صحيفة «لوموند» الفرنسية، النظام «السياسي - العسكري الجزائري بتكريس سياسة ريع الذاكرة» بشأن حرب الاستقلال، و«آلام الذاكرة»، كما يطلق عليه الإعلام، أحد أكبر الخلافات بين البلدين.
فالجزائر تريد من باريس اعتذاراً عن الجريمة الاستعمارية، وليس فقط مجرد اعترافات بها، كلما حلت ذكرى تخص حدثاً معيناً في فترة الاحتلال (1830 - 1962).
ونقلت الصحيفة أيضاً عن ماكرون، أنه شكك «في وجود أمة جزائرية» قبل الاستعمار الفرنسي، وهو أكثر ما أغضب الجزائر التي استدعت يومها سفيرها في باريس، ومنعت الطائرات العسكرية الفرنسية، المتجهة إلى منطقة الساحل، من التحليق في مجالها الجوي.
ولاحت في سبتمبر مؤشرات أزمة بين البلدين، بعد أن أعلنت فرنسا تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني الجزائر، رداً على «رفضها» إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها، وشمل الإجراء تونس والمغرب أيضاً.



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.