الصحراء والبيئة السعودية مصدر إلهام للفائزين في «ملتقى طويق الدولي للنحت 2021»

الفنانون المشاركون في ملتقى طويق الدولي للنحت (رياض آرت)
الفنانون المشاركون في ملتقى طويق الدولي للنحت (رياض آرت)
TT

الصحراء والبيئة السعودية مصدر إلهام للفائزين في «ملتقى طويق الدولي للنحت 2021»

الفنانون المشاركون في ملتقى طويق الدولي للنحت (رياض آرت)
الفنانون المشاركون في ملتقى طويق الدولي للنحت (رياض آرت)

ضمن منظومة متكاملة من الفعاليات الفنية والثقافية يأتي ملتقى طويق الدولي للنحت، وعبر منافسة بين فنانين عالميين ومحليين عرضت أعمالهم في الرياض تنوعت التعبيرات الجمالية المستمدة من الأجواء المحلية. فمن تجليات الفنان السعودي حيدر العلوي في تمثيل انسحابات مياه البحر على الشواطئ أو آثار الريح على الرمال يأتي عمله ليعبر بشكل عميق عن البيئة المحلية وليخرج من الرخام الأبيض قدرته على التأثير الناعم رغم صلابته. وتبرز الدوائر التي تتلاقى وتتقاطع مع بعضها لتخرج كلمة «الله» لتمثل عمل الفنانة السعودية وفاء القنبيط دليلاً آخر على قدرة فن النحت على التعبير البليغ عن الموروثات الثقافية كما ارتأتها الفنانة. الفنانة السعودية رجاء الشافعي أيضاً شاركت بعمل جميل وجذاب بصرياً.
وعبر التنافس يأتي التميز وفي الملتقى تم انتقاء ثلاثة أعمال لتفوقها ومنحت الجوائز الثلاث الأولى حيث حصلت الفنانة النيوزلندية آنا كورفر على المركز الأول، فيما حصد الفنان الـسعودي حيدر العلوي المركز الثاني، وفاز الفنان البلجيكي كيم دي رويشر بالمركز الثالث. غني عن القول إن الأعمال المشاركة كلها أخرجت المواهب والقدرات المحلية والعالمية إلى فضاء مدينة الرياض لتحيلها إلى ساحة للفنون البصرية بامتياز.
بالنسبة لعمل الفنانة النيوزيلندية آنا كورفر فهو انسيابي عملاق ينبض بالشموخ الأنيق. تعبر بالرخام الأبيض عن اللباس التقليدي للمرأة السعودية، أطلقت عليه عنوان «المنارة الثلاثية» تستكشف فيه العلاقة بين الأشخاص والمكان، هل نرى ثلاثة نساء شامخات هنا يجمعهن الشكل والملامح الرخامية والطول الواثق الذي يعبر ببساطة وعمق عن الإحساس بالأمان والثقة؟ الفنانة علقت على فوزها بأنها سعيدة بمشاركتها في هذا الحدث في الرياض وأضافت: «لقد كانت تجربة فريدة من نوعها وبيئة محفزة».
أما عمل الفنان السعودي حيدر علوي العلوي والحائز على المركز الثاني فيحمل عنوان «خطوط الصحراء»، يستلهم من رمالها وريحها الخطوط والمواضيع. ليست الصحراء كائناً جامداً يحتل الخلفية في صورنا وتخيلاتنا، بل هي كيان يسكن داخلنا ويؤثر بطريقة أو بأخرى على أفكارنا وثقافتنا. ولعل ذلك هو ما عبر عنه الفنان العلوي عبر الخطوط التي تلتف حول الكيان مستمداً إلهامه من القوى الموجودة في الطبيعة، ليحولها إلى أعمال فنية ملموسة. يتمثل ذلك في منحوتته «خطوط الصحراء» المستوحاة من ملاحظاته حول تأثير الرياح على رمال الصحراء، وتأثير الأمواج على صفحة مياه البحر، ورسومات الطبيعة وخطوطها الممتدة داخل العناصر الطبيعية. نرى التأثيرات في العمل، الخطوط تتلاقى وتلتف حول التكوين المتلقي لها بثبات. علق الفنان بعد فوزه بالجائزة قائلاً: «مشاركتي مستلهمة من المناظر الطبيعية في المملكة العربية السعودية... إنها لحظة فخر بالنسبة لي أن تكون منحوتتي في بلدي».
في المركز الثالث حل عمل بعنوان «اللامرئي» للفنان كيم دي رويشر، يبدو العمل أمامنا مثل كائن مستقر على منصة مغطى بملاءة رخامية بيضاء، ما هو هذا الشيء؟ تخامرنا الرغبة بإزاحة الغطاء لنرى الكامن تحتها. بحسب البيان الصحافي فالفنان يستكشف في أعماله بشكل متكرر فكرة الغموض، تجذبه الأشياء غير المرئية والفواصل بين الواقع والخيال، نقرأ أن الفنان درج على استخدام الأسطح التي تبعث الشعور لدى المشاهد بوجوب تفكيكها واكتشافها. العمل بديع جداً ويقودنا لعالم من التساؤلات والتكهنات والخيالات حول ذلك المكنون الغامض.
الجميل في «ملتقى طويق الدولي للنحت» هو أن الأعمال المشاركة كلها ستعرض أمام الجمهور ثم ستوزع بعد ذلك على أماكن مختلفة من العاصمة الرياض لتضيف أبعادها الجمالية وشحنات المشاعر التي تحملها لشوارع وميادين العاصمة.
الجدير بالذكر أن «ملتقى طويق الدولي للنحت» شهد منافسة عالية، حيث تقدم للمنافسة أكثر من 400 فنان متخصص في مجال النحت من 71 دولة، ووقع الاختيار على 20 فناناً من 16 دولة من مختلف أنحاء العالم.
ويُعد «ملتقى طويق الدولي للنحت 2021» أحد برامج «الرياض آرت»، وانطلق هذا العام تحت شعار «شاعرية المكان»، حيث شكّل مصدر إلهام لكافة الفنانين المشاركين خلال 21 يوماً؛ لاستكشاف الروابط بين المادة والفراغ والضوء والظل، وأتاح الفرصة للزوار لمشاهدة رحلة النحت الحي على قطع الرخام «اللؤلؤ الأبيض والأسود»، لتتحول تدريجياً إلى منحوتات إبداعية مكتملة تتزيّن بها الرياض في الأيام القادمة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».