الرئاسة المصرية تنهي الجدل حول مذيعة حملت طفلها وهي تصور برنامجا وتعتبرها نموذجا للكفاح

لمياء حمدين: القناة تعاطفت معي و90% من الناس «مبسوطة مني»

الإعلامية لمياء حمدين مع ابنها يوسف
الإعلامية لمياء حمدين مع ابنها يوسف
TT

الرئاسة المصرية تنهي الجدل حول مذيعة حملت طفلها وهي تصور برنامجا وتعتبرها نموذجا للكفاح

الإعلامية لمياء حمدين مع ابنها يوسف
الإعلامية لمياء حمدين مع ابنها يوسف

في اتصال حمل معاني الأبوة، أجرت مؤسسة الرئاسة المصرية اتصالا هاتفيا، بالمذيعة التلفزيونية التي حملت طفلها وهي تصور برنامجا في الشارع، لتنهي بذلك حالة من الجدل شهدتها البلاد ومواقع التواصل الاجتماعي على مدى اليومين الماضيين.
وقالت الإعلامية لمياء حمدين، وتعمل مراسلة في قناة «أون تي في» الفضائية الخاصة، إن «الرئاسة عبرت في اتصالها عن فخرها بى، واعتبرتني نموذجا للمرأة المصرية المكافحة، التي تحاول الجمع بين وظيفتها وحياتها الشخصية ورعاية ابنها»، موضحة أنها سوف تلتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الساعات المقبلة.
وأوضحت أن إدارة القناة «تعاطفت معي بشدة و90 في المائة من الناس مبسوطة مني.. أعيش بمفردي في القاهرة وزوجي مسافر للخارج ووالدتي من المنصورة، وسعيدة جدا بمكالمة زوجي عندما قال لي (لم أكن أعرف أن عملك متعب هكذا)». وأثار ظهور لمياء حمدين وهي تحمل طفلها الصغير خلال إجرائها مقابلة مع أحد المواطنين بالشارع، جدلا في مصر، فبينما تعاطف معها رواد مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروها صورة «محترمة وإنسانية جدا»، طالب آخرون بضرورة التحقيق معها.. لأن ذلك يتنافى مع ميثاق العمل الإعلامي. البداية كانت عندما التقط صحافي شاب يدعى محمد عبد الناصر صورة للإعلامية الشابة، بالمصادفة خلال مروره بأحد الشوارع وهي تجري المداخلة مع أحد المواطنين، جذب انتباهه أن المراسلة تحمل طفلها بيدها اليمنى بينما تمسك الميكروفون بيدها اليسرى خلال المداخلة.. فقام بتصويرها ونشر الصورة على مواقع التواصل، داعيا إلى تحقيق في الواقعة التي رأى فيها تصرفا «غير مهني». ثم تراجع عن ذلك عبر صفحته على «فيسبوك» وقدم اعتذاره للإعلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن الطفل لم يظهر في «الكادر»
وخرجت لمياء لتفسر على صفحتها بموقع «فيسبوك» ما حدث معها، قائلة: «ابني كان مريضا جدا، ولم يكن من الممكن أن أتركه في الشارع. كنت أقوم بتغطية لقاء رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب مع القوى السياسية، بشارع القصر العيني (وسط القاهرة)، ثم توجهت إلى مدينة أكتوبر (غرب العاصمة) لتسجيل «أوردر» (أمر تصوير) بالشارع، إلا أني تأخرت على ميعاد تسلم ابني الذي يبلغ من العمر سنة و8 أشهر، فتوجهت إلى الحضانة وأحضرته معي وحملته أثناء التصوير. لمياء حمدين، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «القناة قدرت موقفي جدا.. ولم تأخذ تجاهي أي موقف، ورئيس القناة تعاطف معي»، متسائلة لماذا كل هذه الضجة التي أثيرت؟ وتابعت: «المفروض أنني كنت أحضر ابني يوسف من الحضانة وأرجع أكمل عملي.. ولم أتصور أن أحدا سوف يصورني ويرفع صورتي على «فيسبوك»، لأجد بعدها من يقول إني ست عظيمة، والبعض الآخر يطالب بأن أجلس في المنزل.. وأنا لا هذا ولا ذاك، أريد أن أعمل وأحمي طفلي». وأضافت لمياء: «المفروض أنني كنت أقوم بعمل استطلاع للرأي مع مواطنين عاديين، ولا أنا ولا ابني سوف يظهر فيه عندما يتم عرضه على الشاشة».
وعن حالتها بعد الضجة التي أثيرت حولها، قالت لمياء: «الليلة الماضية كنت منزعجة، وأخذت ابني في حضني وكنت قلقة من الذي حدث والضجة الكبيرة، خاصة وأن أي إنسان في مكاني كان سيفعل ذلك، لكن بعد اتصال الرئاسة تغير الوضع تماما». وتابعت: «شعرت بالارتياح عندما وجدت أن 90 في المائة من الناس مبسوطة مني»، مؤكدة أن «ابني رضيع. وكان زملائي خلال التصوير يحملونه عني عندما يشعرون أنني تعبت وكان من بينهم مدير الإنتاج.. وأنا أعيش بمفردي في القاهرة ووالدتي من المنصورة ووالدي متوفى وزوجي مخرج ويعمل خارج مصر، فأين أترك أبني وأنا لا أثق في أحد».
ويشهد موقع «فيسبوك» مظاهرة في حب المراسلة التلفزيونية، وكتبت مها شهاب تقول: «تحيتي وتقديري للمياء»، مضيفة: «صورتها محترمة جدا وإنسانية جدا».
وقالت داليا محمد: «هناك صورة لوزيرة في الخارج وكانت في قمة دولية وتحمل رضيعها وتلقى كلمتها وسط العالم أجمع، ولم تستغل الصورة أبدا».
وذكرت أمنية طلعت قائلة: «فخورة بلمياء.. زمان تضامنا في مصر مع نائبة البرلمان الأوروبي، الإيطالية ليسيا رونزولي، التي رفضت أن تترك ابنتها مع مربية الأطفال».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)