«أسواق السبت»... ثقافة عالمية تتوسع في العاصمة السعودية

«أسواق السبت» هدفها دعم وتمكين المشاريع المحلية الصغيرة (تصوير: بشير صالح)
«أسواق السبت» هدفها دعم وتمكين المشاريع المحلية الصغيرة (تصوير: بشير صالح)
TT

«أسواق السبت»... ثقافة عالمية تتوسع في العاصمة السعودية

«أسواق السبت» هدفها دعم وتمكين المشاريع المحلية الصغيرة (تصوير: بشير صالح)
«أسواق السبت» هدفها دعم وتمكين المشاريع المحلية الصغيرة (تصوير: بشير صالح)

خطط ترفيهية ورحلات برية ونشاطات نوعية تتسابق مع حلول عطلة نهاية الأسبوع، حين يحن المرء لكسر روتين أيامه بتجارب جديدة وزيارة مواقع مميزة. إلّا أنّ البحث عن البساطة في النشاطات الترفيهية الأسبوعية مفهوم اتفق عليه الأغلبية.
ومن هذا المنطلق انتشرت ثقافة «أسواق السبت» حول العالم، وهي تعتمد على البساطة في عرضها والسهولة في الانضمام إليها، رغم أنّ هدفها الأساسي هو دعم وتمكين المشاريع المحلية الصغيرة وإبرازها من خلال تجمع مفتوح يُقام بشكل أسبوعي.
ويحمل اختيار يوم السبت لهذه الثقافة العالمية عدة تفاسير، فلغوياً يشير السبت بالعربية إلى السبات والراحة، ودينياً ترفع بعض الشعائر اليهودية والمسيحية يوم السبت، كما تعتمد أغلب دول العالم السبت إجازة نهاية أسبوع رسمية.
ومن العاصمة السعودية الرياض يمثل يوم السبت آخر أيام العطلة الأسبوعية، ومع دخول موسم الشتاء اعتدلت الأجواء الصحراوية حتى أصبحت فرص التنزه تطول اليوم بأكمله، وباتت أسواق السبت ظاهرة تنتعش مع برودة الأجواء، حيث تقام في مواقع مفتوحة تتخللها أشعة الشّمس صباحاً ونسائم الأنس مساءً.
وفي سابقة لافتة، تُقام في كل سبت ثلاث أسواق أسبوعية في العاصمة السعودية تتميز كل منها بأسلوب ومفهوم متفردين في العرض، فمن سوق «بسطة» في شارع التحلية، إلى سوق «المزارعين» في حي السفارات الدبلوماسي، وفي «شارع السويلم» الأثري، تجارب وفعاليات أسبوعية تعددت وتنوعت.
في «بسطة» تحلّ البساطة
بين الطرق الرئيسية في قلب العاصمة الرياض يفرش سوق «بسطة» الأسبوعي سجادته على أشهر الطرق «التحلية»، حيث تغلق حركة سير المركبات ويخصص الطريق للسير على الأقدام وسط 170 متجراً محلّياً يعرض منتجات بطابع بسيط ومتفرد.
يحتضن «بسطة» التابع لأمانة منطقة الرياض المشاريع الوطنية الناشئة، فكل المتاجر المشاركة تحمل سجلاً تجارياً أو توثيقاً إلكترونياً من المنصة الحكومية «معروف»، كما تتميز المنتجات عامه بالجودة والنوعية.
ويشهد السوق اكتظاظاً لافتاً حيث يقدر متوسط الزوار بـ32 ألف زائر، حسبما أشار إليه «حمود الهاجري» المدير التنفيذي لفعالية بسطة «لـ«الشرق الأوسط»، حيث أوضح أنّ «هناك مشاريع تقوم بحجز المتجر لمدة الفعالية كاملة التي من المتوقع أن تنتهي في يناير (كانون الثاني) المقبل، ويعود نجاح الفعالية إلى الأرباح التي تحققها المشاريع الصغيرة كل سبت مما يخلق الاستمرارية في حجز المتاجر وامتلائها».
ويأتي «بسطة» بتوقيت يلائم الغالبية ويفتح أبوابه من العاشرة صباحاً حتى العاشرة مساءً من يوم كل سبت، وتتضمن السوق فعاليات فنية وثقافية وموسيقية.
الحي الدبلوماسي يستضيف «سوق المزارعين»
من جانب آخر، تخطف الشتلات الزراعية بأنواعها أنظار زوار «سوق المزارعين» في حي السفارات الدبلوماسي بالرياض. فرغم أنّ اسم السوق يوحي بأنّها متخصصة بالزراعة والمزارعين فإنّها تتنوّع بمنتجاتها.
ورغم أنّ الكنافة الساخنة وعطر القهوة المقطرة ولذة المخبوزات الطازجة، تشكّل متعة نوعية تميز متاجر «المزارعين» التي غلب عليها طابع الوجبات الخفيفة المنوعة، فإنّ للحرف اليدوية أيضاً، موقعها وهي تختلف بالأشكال والألوان حتى تكاد ترسم لوحة فنية تزين الطريق ببساطتها ورحابة صدور بائعيها.
«شارع السويلم» ينتعش بزواه الصغار
رسومات تلونت على وجوه الأطفال وشخصيات استعراضية تثير الانبهار، وسط «شارع السويلم» الأثري في الرياض أعادت وزارة الثقافة السعودية إحياء ذكرى المنطقة التجارية التي كانت في سابق عهدها أحد أهم مناطق الالتقاء في الرياض.
وخصصت فعالية «شارع السويلم» الترفيهية للأطفال، حيث تضمنت ورش عمل وعروضاً مسرحية، إلا أنّها تتطلب حجزاً مسبقاً لتذاكر الدخول، فرغم أنّ حضور الفعالية مجاني فإنّ مساحة «السويلم» لا تتسع لعدد كبير فمن منطلق سهولة التنظيم وضمان استمتاع الزوار بتجاربهم خصصت منصة إلكترونية لحجز تذاكر الدخول المجانية.
ويقدر عدد زوار «شارع السويلم» ما بين 3 إلى 4 آلاف زائر في كل سبت، وتتميز المنطقة باهتمامها بالتفاصيل التي تضمن حرية الطفل وراحة والديه، حيث يرتدي الأطفال أساور تحمل معلومات وبيانات تسهل العثور عليه في حال استرسل في استمتاعه.
وللصور التذكارية رونق لا يفهمه الصغار حتى ترسم السنين وقتها على ملامحهم، ولذلك يأتي جانب الصور التذكارية في «السويلم» بمعنى عميق تترجمه صفوف الانتظار الطويلة حوله.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».