«ملاذ آمن»... رؤية تشكيلية لأوجاع وأحلام فتاة مصرية

تتجسد في معرض يضم 45 لوحة مستلهمة من قصة حقيقية

في أرجوحة الخيول عبر حسان عن حلمها الممنوع لزيارة الملاهي (الشرق الأوسط)
في أرجوحة الخيول عبر حسان عن حلمها الممنوع لزيارة الملاهي (الشرق الأوسط)
TT

«ملاذ آمن»... رؤية تشكيلية لأوجاع وأحلام فتاة مصرية

في أرجوحة الخيول عبر حسان عن حلمها الممنوع لزيارة الملاهي (الشرق الأوسط)
في أرجوحة الخيول عبر حسان عن حلمها الممنوع لزيارة الملاهي (الشرق الأوسط)

قد يكون الملاذ بالنسبة للبعض هو شخص عزيز أو سجل حافل بالذكريات والأحاديث الدافئة معه؛ كما قد يكون مكاناً مريحاً في المنزل أو في إشراقة الشمس في صباحات طازجة، بينما يمكن أن يتلمس المرء ملاذه في الصبر فهو «ملاذ الإنسان من القنوت»، كما وصفه أديب نوبل في رائعته «عبث الأقدار»، إلا أنه من خلال أعمال التشكيلي المصري علي حسان التي ضمها أحدث معارضه بغاليري «ليوان» نصل إلى مفهوم وعناصر مغايرة تماماً لـ«الملاذ الآمن»، فيفاجئنا الفنان بأن بطلة لوحاته تجد ملاذها المنشود في سمكة ملونة تسبح في حوض صغير أو ربما حيوان أليف لا يفارقها إلى جانب الاستغراق في أحلام النوم واليقظة معاً.
تحفل التجربة الفنية لحسان بتعدد مساراتها ما بين التصوير والنص الأدبي والبحثين الفلسفي والإنساني، ويشكل فنه في مجمله عملاً واقعياً اجتماعياً يجسد مشاهد مهمة في حياة فتاة شرقية قررت أن تبوح للفنان بأوجاعها وهواجسها ليجسدها في 45 لوحة زيتية، وإذا كنا قد اعتدنا أن نستقي لحظات غامرة بالإنسانية عبر «أدب الاعتراف» فإننا هذه المرة نتزود بطاقة انفعالية كبيرة من خلال «رسم الاعتراف» أو «سردية اعتراف بصرية» إذا جاز التعبير.
ورغم أن اللوحات لا تحمل تجربة ذاتية للفنان، فإنها تسرد قصة حقيقية للموديل بنت الصعيد التي تطاردنا حتى بعد مفارقتها، ونظل نتفاعل مع اعترافاتها!
كسرت تلك الفتاة الجنوبية حاجز الصمت لتبوح وتحكي وتعبر بصدق عن قضية شائكة ورغم خجلها ورومانسيتها المفرطة وعدم تطرقها إلى التابوهات التقليدية فإنها نجحت في أن تحول اعترافاتها إلى مواجهة فاضحة لقسوة المجتمع وقهره، فالاعتراف ليس تطهيرياً بالضرورة، إنما قد يكون نوعاً من انتهاك ما هو مقموع، أو مسكوت عنه، يقول دكتور علي حسان، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالأقصر لـ«الشرق الأوسط»: «تسمح لنا طبيعة الدراسة العملية بالكلية بالتواصل الإنساني وجهاً لوجه، لمتابعة أعمال الطلاب، وحين نشعر بأن المشكلات الشخصية تؤثر على منجزهم الفني فإننا قد نتطرق إلى العوامل التي تعوقهم، وذلك ما حدث مع هذه الطالبة التي لم تتحدث فقط عن مشكلتها، لكنها رحبت بأن تكون الموديل للوحات التي تروي تجربتها، وساعد على ذلك صداقتي لأسرتها».
لكن لا تقتصر قصتها على هذه الرومانسية والسلام النفسي، إذ تبرز اللوحات الجانب الآخر الخفي، وهو الكوابيس التي تنغص عليها حياتها، وتتحول فيها عناصر الملاذ الآمن إلى مفردات مخيفة متوحشة، وهو ما روته الفتاة بالتفصيل للفنان، ليربطه بدوره بقيود المجتمع التي توقظ الفتاة من متعة الخيال وتأخذها إلى قسوة الواقع.
واستلهم حسان اسم المعرض (ملاذ آمن) من تجربة الفتاة ذاتها، التي قالت له إن ملاذها الآمن في الحياة هو أحلامها في النوم واليقظة، تحلم بأن تسافر، وأن تشارك أخاها ركوب الموتوسيكل، وأن ترتدي فستان عرس جدتها وتزف إلى فارس أحلامها، أما الجزء الآخر من الملاذ «فتجده في مجموعة حيوانات أليفة تربيها في المنزل، إلى جانب حوض الأسماك الملونة في حجرتها».
يقول حسان: «من أكثر اللحظات التي استوقفتني هي قولها إنها في صباح كل يوم تكتشف فور استيقاظها من النوم أن هناك سمكة قفزت من الحوض الزجاجي إلى الأرض وفقدت حياتها، وحينئذ تشعر أن السمك يشبهها فهو يتطلع للخروج من مكان حبسه إلى فضاء الحرية حتى لو كانت المرة الأولى والأخيرة في عمره».
وفي لوحة «الفيسبا» تعثر على إحساس قهر الأحلام، فالفتاة التي تتطلع إلى ركوب الدراجة البخارية خلف شقيقها في نزهة تتنفس فيها عبير الحرية تصطدم برفض الأخ والمجتمع، لتكتفي بالجلوس في اللوحة من دون حركة، إلا أن عينيها ترويان الكثير من خيبة الأمل، بينما تحيط بها طيور من أماكن متفرقة من العالم في رمز إلى تمنيها السفر، في حين أنها تعجز حتى عن التنقل داخل قريتها النائية في جنوب مصر.
أما في لوحة «زواج مؤقت» فنعيش مخاوفها من تعرضها لمزيد من القهر والقيود بعد الزواج، إذ تعكس الهواجس من تحول عناصر ملاذها الذي رمز إليه بالدجاج القريب منها إلى خطر يهددها رمز له بالضباع والطيور الجارحة.
تضمن المعرض «نصاً اعترافياً» للفتاة كتبه الفنان بنفسه ووضعه في أماكن عدة بالقاعات، ما أثار من جديد الجدل حول الحد من خيال المتلقي، وهو ما ينفيه قائلاً: «أصبح يرافق الفن المعاصر (مانفستو) أو تعريف بالعمل الفني، وأصبحنا نرى ذلك في كبرى القاعات الفنية في أوروبا وأميركا والخليج، إذ يجاور العمل شرحاً مبسطاً عنه، فذلك إنما يؤكد الفكرة والمشاعر للمشاهد من دون أن يحطمها له».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».