حصر ملاحقة الرؤساء والوزراء بـ«المجلس الأعلى» يوقف «احتجاز» الحكومة

TT

حصر ملاحقة الرؤساء والوزراء بـ«المجلس الأعلى» يوقف «احتجاز» الحكومة

لم يفقد رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، الأمل في رهانه على دور القضاء في الفصل بين التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت والتحقيق مع الرؤساء والوزراء، استناداً إلى ما نص عليه الدستور بمحاكمتهم أمام «المجلس الأعلى» الخاص بهم، بصفته يشكل محكمة متكاملة مؤلفة من 8 قضاة من أعلى الرتب القضائية و7 نواب. ويرى -كما يُنقل عنه- أن الدمج بين التحقيقين أثار تباينات كانت وراء تعطيل جلسات مجلس الوزراء، على خلفية إصرار الوزراء المحسوبين على «الثنائي الشيعي» على ربط حضورهم الجلسات بتصحيح مسار التحقيق القضائي.
رئيس الحكومة الذي يُصر على عدم التدخل لدى القضاء، التزاماً منه بمبدأ الفصل بين السلطات، يشترط في الوقت نفسه تصويب التحقيق في انفجار المرفأ، لتفادي استمرار الإخلال بالدستور. وقد بادر إلى تطوير موقفه، عبر مطالبته بضرورة الفصل بين التحقيقين، بما يسمح للمحقق العدلي بحصر صلاحيته بالتحقيق مع الموقوفين والمتهمين من غير الرؤساء والوزراء الذين تتم ملاحقتهم أمام المجلس الأعلى.
يقول مصدر نيابي، في مواكبته للموقف المتطور لميقاتي بدعوته للفصل بين التحقيقين، إنه يتوخى من موقفه هذا ملاقاة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في منتصف الطريق، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن التطابق بينهما في وجهات النظر يعني أن لا جلسة لمجلس الوزراء ما لم يحسم القضاء أمره، ويبادر إلى تحقيق الفصل بين التحقيقين.
ويلفت المصدر النيابي إلى أن تطابق موقف بري وميقاتي لا يعني أنهما قررا الاتفاق من تحت الطاولة لتشكيل رأس حربة في مواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون، ويقول إنه لا صحة لوجود تواطؤ بينهما لاستهداف الرئاسة الأولى. ويعزو السبب إلى أن مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي باتجاه الرؤساء الثلاثة قد أسفرت عن توافقهم على خريطة الطريق الواجب اتباعها لإخراج التحقيق العدلي من التأزم الذي أدى إلى إقحام البلد في اشتباك سياسي، في الوقت الذي يحتاج إلى تضافر الجهود لإنقاذه ووقف الانهيار.
ويضيف المصدر نفسه أن بري توافق مع الراعي على أن المدخل للسيطرة على الاشتباك السياسي يكمن في الفصل بين صلاحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، والأخرى المناطة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ويؤكد أن الراعي التقى بميقاتي بعد اجتماعه ببري، ولم يتردد رئيس الحكومة في الموافقة على الحل الذي تفاهم عليه الراعي مع بري.
ويكشف أن الراعي تواصل مع عون بعد اجتماعه ببري وميقاتي، وأطلعه على حصيلة ما تفاهم عليه معهما، وانتقل إلى بعبدا للقاء عون الذي أبدى تفهماً للمخرج الدستوري الذي حمله إليه البطريرك الماروني، لكن تجاوبه لم يُترجم إلى خطوات ملموسة، وهذا ما أتاح للفريق السياسي المحسوب على رئاسة الجمهورية التدخل ليطيح بهذا التفاهم، على حد قول بري في أول تعليق له أمام زواره الذين توافدوا إلى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة للاستفسار منه عن الأسباب التي دفعت عون إلى نقض الاتفاق.
ويعد المصدر أنه جرت محاولة لتعويم الاتفاق في لقاء الرؤساء الثلاثة الذي عُقد في بعبدا، على هامش مشاركتهم في الاحتفال الرمزي الذي أقامته قيادة الجيش بمناسبة ذكرى الاستقلال، ويؤكد أنهم تفاهموا على إعادة الاعتبار للاتفاق الذي كان للراعي دور في إنجازه.
ويقول إن ما يؤكد تفاهم الرؤساء الثلاثة على تعويم الاتفاق الحرص الذي أبداه عون من خلال مكتبه الإعلامي، عندما نُسب إليه بعد انقضاء 24 ساعة على انعقاد اللقاء الثلاثي أنه يتابع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الرؤساء الثلاثة، لكن الفريق السياسي نفسه عاد وأطاح به، من دون أن يصدر أي رد فعل عن عون، يرد فيه على اتهام فريقه بتعطيل الاتفاق.
لذلك، فإن ميقاتي لن يغامر بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد ما لم يضمن حضور الوزراء المحسوبين على «الثنائي الشيعي» الجلسة، خصوصاً أنه على تفاهم مع بري الذي فوضه حليفه «حزب الله» باتخاذ ما يراه مناسباً للاستجابة للأسباب التي كانت وراء امتناعهم عن حضور الجلسات.
ومع أن بري في اجتماع هيئة مكتب المجلس أول من أمس تحاشى إدراج أي بند يتصل بالتحقيق في انفجار المرفأ على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي تُعقد بعد غد (الثلاثاء)، فإنه لا شيء يمنعه من طرحه من خارج البنود المُدرجة، على الرغم من أن المصدر النيابي يستبعد إدخال أي تعديل عليه، وهذا ما لاحظه النواب الأعضاء في هيئة المكتب. لكن المداولات التي جرت على هامش اجتماع هيئة مكتب المجلس، برئاسة بري، كما علمت «الشرق الأوسط»، لم تمنع الأخير من استحضار ملف التحقيق من زاوية إطلاعه النواب على الاتصالات التي جرت، بدءاً من تحرك الراعي انتهاءً بما اتفق عليه الرؤساء الثلاثة في اجتماعهم في بعبدا الذي أدى إلى التوافق على مبدأ الفصل بين التحقيقين.
ويُفهم من إطلاع بري النواب الأعضاء في هيئة مكتب المجلس على ما تم الاتفاق عليه للسير في إنجاز عملية الفصل أن رئيس البرلمان -بحسب المصدر النيابي- لا يزال يراهن على دور القضاء في إنجاز هذه المهمة، ولن يبادر حتى إشعار آخر إلى إحالة هذه المهمة على الهيئة العامة في المجلس النيابي.
وعليه، فإن الحرص الذي يبديه ميقاتي، بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد، لا يعني أنه في وارد القفز فوق الأسباب التي دفعت بوزراء «الثنائي الشيعي» إلى تعليق مشاركتهم في الجلسات، وبالتالي التعامل مع دعوته بصفتها أمراً واقعاً، حتى لو استمر هؤلاء في مقاطعتهم لها، علماً بأن استقالة وزير الإعلام لن تقدم أو تؤخر في تذليل العقبات التي ما زالت تمنع مجلس الوزراء من معاودة جلساته، وإن كانت تُسهم بتبريد الأجواء لاعتبارات محلية.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».