أول برنامج إقامة في قلب «واحة العُلا» بمشاركة 6 فنانين عالميين

يهدف للتعاون وتبادل المعرفة والخبرات في مجال الفنون وتقديم تجارب ثقافية فريدة

العلا أحد مواقع التراث العالمي على قائمة «يونسكو»
العلا أحد مواقع التراث العالمي على قائمة «يونسكو»
TT

أول برنامج إقامة في قلب «واحة العُلا» بمشاركة 6 فنانين عالميين

العلا أحد مواقع التراث العالمي على قائمة «يونسكو»
العلا أحد مواقع التراث العالمي على قائمة «يونسكو»

أُطلق في محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، أول برنامج إقامة فنية يمتد على مدى 11 أسبوعاً لتعزيز الحوار والتعاون بين الفنانين وغيرهم من المهتمين بالفنون في المحافظة، وكذلك الخبراء التقنيين العاملين في المجال، ومن خلال هذا التكامل بين أعمال فرق تقنية متنوعة التخصصات، من الجيولوجيا إلى علم الآثار والنبات والهندسة المعمارية، ستترسخ العُلا وجهة تزدان بإبداعات الفنانين.
وأعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، والوكالة الفرنسية لتطوير المحافظة عن إطلاق البرنامج في المحافظة، التي تمتاز ببيئة طبيعية ثقافية فريدة من نوعها في شمال غربي المملكة، كما تعد مركزاً ثقافياً وطريقاً للتجارة والبخور عبر التاريخ.
واختير 6 فنانين من قائمة ضمّت أكثر من 50 فناناً وفنانة، ليشاركوا في النسخة الأولى من برنامج الإقامة الفنية والتي بدأت في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وستستمر حتى 14 يناير (كانون الثاني) المقبل.
وضمّت القائمة كلاً من راشد الشعشعي، وهو فنان سعودي ومدرس فنون، حيث تهتم أعماله بالهدف من حياة البشر وأنماط تواصل المجتمع، كما تعبّر أعماله عن هذه الأفكار عبر الأدوات المتداولة يومياً. وسارة فافريو، وهي فنانة فرنسية متعددة المهارات تقدم منحوتات وأعمالاً تركيبية مختلفة، وترتكز أعمالها على الوجود والطبيعة. كذلك ضمت القائمة تالين هزبر، وهي مهندسة معمارية وفنانة تشكيلية تقيم في الشارقة، وتهدف أعمالها ومنهجياتها إلى عرض العلاقة التكاملية بين الطبيعة والتاريخ. إضافة إلى لورا سيليس، وهي فنانة فرنسية تقدم أعمالاً متعددة الوسائط، حيث تقدم في عملها منهجاً جديداً لتفسير العلاقة بين المنحوتات والأشخاص وكذلك الصور والأصوات. وسفيان سي مرابط، وهو فنان فرنسي يقدم أعمالاً بأشكال متعددة ويركز في عمله على ذكريات البشر والتأثيرات على الهوية عبر السفر والهجرة. والفنان السعودي مهند شونو، وهو فنان متعدد التخصصات تبحث أعماله في أعماق التجربة الإنسانية.
وسيكون موضوع هذه التجربة الجديدة «إعادة إحياء الواحة»، حيث تركز أبحاث الفنانين وأعمالهم على واحة العُلا، وهي واحدة من أبرز المواقع الطبيعية في العُلا، ويتم حالياً تنفيذ برنامج متكامل يضفي عليها لمسة فنية.
ويشجع البرنامج المقيمين المدعوين على التفكير في دور الفنان في مثل هذه البرامج التنموية الواسعة والطريقة التي يمكنهم بها تحقيق تكامل بين رؤاهم الفنية ورؤى الخبراء في التخصصات الأخرى من خلال آفاقهم الإبداعية.
وبالإضافة إلى تقديم دعم لتطوير مشاريع البحث والإنتاج الخاصة بالفنانين التي سيتم تنفيذها في العُلا، يتم تنظيم برنامج مفتوح للجمهور أسبوعياً بالتعاون مع الفنانين والخبراء وأهالي وسكان العلا، يتضمن استديوهات مفتوحة ووِرشاً ولقاءات بين الجماهير والفنانين حول عملهم الجاري في مراحل مختلفة من الإقامة.
وتقام الدورة الأولى للبرنامج في أحد بيوت الضيافة في قلب واحة العُلا. وسيتم لاحقاً تنظيم برامج الإقامة في «مدرسة الديرة»، وهي مركز للفنون والتصميم بالعُلا.
وبدأ الفنانون المقيمون في بناء تواصل لافت مع فناني المحافظة من خلال البرامج التي أُقيمت في مدرسة الديرة، بالتزامن مع التعمق في أبحاث على المواد المحلية للعُلا والممارسات الحِرفية والثقافية الموجودة بالعلا، وستكون مدرسة الديرة إحدى الركائز الرئيسية لمشروع الفنون المستقبلي في العُلا.ويتجلى هذا المشروع في مجموعة فعالة من البرامج ومبادرات التعليم والإنتاج التي ستشكل وجهة فنية نشطة وحيوية لفائدة سكان المنطقة والطلاب والفنانين والزوار.
وقالت نورا الدبل، مدير عام إدارة الفن والإبداع في الهيئة الملكية لمحافظة العُلا إن «هذه الإقامة الفنية هي علامة فارقة في المسار الثقافي في العُلا، حيث نهدف لتقديم تجارب ثقافية فريدة للزوار تسهم في تشكيل منطقة فنون نابضة بالحياة ومساحة للفنانين والمبدعين في العُلا، كما يمثل البرنامج تجمعاً للفنون والإلهام وحافزاً للإبداع، عبر جذب الفنانين والعقول المبدعة من جميع أنحاء العالم، للمشاركة في تشكيل رافد لإرثنا الثقافي».
من جانبه، أوضح جان فرنسوا شارنييه، المدير العلمي للوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العُلا، وأرنو موران رئيس قسم الإبداع والابتكار، أن البرنامج الذي تم تطويره بشراكة بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا والوكالة الفرنسية لتطوير العُلا فريد من نوعه ويعتمد على التعاون بين فنانين عالميين ومجموعة رائعة من الخبراء العلميين الذين يعملون حالياً في الواحة، بالتوازي مع أعمال علماء آثار وعلم الإنسان وخبراء زراعة ونبات وغيرهم، مما يقدم تجربة غير مسبوقة للربط بين الرؤية الفنية والمقاربات العلمية في كتابة السرديات، وبلا شك سيسهم هذا البرنامج في إبراز الطابع الفريد للعُلا كوجهة ثقافية.
من جانبها، أشارت لور كونفافرو كولييكس، المديرة التنفيذية لشركة «مانيفستو»، إلى فخرها باختيار «مانيفستو» لإدارة برنامج الإقامة الفنية في قلب واحة العُلا، «حيث نعمل في الميدان لنجعل من ذلك بداية لوجهة ارتبطت بالفن عبر التاريخ».
وتُعد هذه النسخة من البرنامج بمثابة أول مشروع تجريبي ونقطة انطلاق نحو بناء برنامج أكبر يرحّب باستمرار بالفنانين المقيمين في العُلا، فعلى المدى الطويل سيتم ترسيخ بيئة مزدهرة لفنانين من جميع أنحاء العالم في العُلا، وستمنح هذه البيئة الفنانين سهولة الحصول على الدعم الفني والتنظيمي، بالإضافة إلى مرافق الإنتاج المطلوبة.
ويأتي برنامج الإقامة الفنية ضمن شراكة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا مع الوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العُلا، وقد تم اختيار شركة «مانيفستو» كمُشَغِّل للبرنامج بناءً على خبرتها الواسعة في تفعيل الوجهات الثقافية من خلال ربط الجهات الفاعلة فنياً وثقافياً بمشاريع التنمية، بالإضافة إلى دعمهما فيما يخص التوجيه الفني وإدارة الفنانين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».